في عام 2008، نشرت صحيفة نيويورك تايمز تقريرا أشارت فيه إلى شكوى كثير من المهندسين المعماريين من أن عملاءهم يطلبون منهم العمل كما لو كانوا متخصصين بالصحة العقلية أكثر من كونهم مصممين، وهي شكوى العملاء أيضا، أن المهندسين المعماريين لا يفهمونهم على النحو الأمثل، وما يبدو ليس بعيدا عن الحقيقة هو أن العملاء لا يعرفون ما يريدون على وجه التحديد، إنهم يريدون منزلا يحقق لهم الراحة والسلام النفسي والهدوء لكنهم لا يعرفون كيف يبدو هذا المنزل.

 

كانت أبرز قصة تتعلق بهذا الخلاف قد حدثت في ولاية كونيتيكت بالولايات المتحدة، حيث بِيع منزل في مزاد علني بعد أن أخذ زوجان يعدّانه ليكون “منزل الأحلام”، قاربت مساحته 2500 متر مربع، وأنفق الزوجان 21 مليون دولار لإعداده وتصميمه على طراز توسكانا، لكن بعد أن تم البناء وانتقلا إليه اكتشفا أنه ليس مناسبا لهما على الإطلاق لأسباب تتعلق بتصميم المنزل وحتى بمساحته، إذ اشتكت الزوجة قائلة إن أقل من نصف هذه المساحة كان كافيا لهما(1).

هل راودك ذلك الشعور حين أقمت في إحدى غرف الفنادق، غرفة مريحة وجميلة لكنها لا تناسبك، لا تعبّر عن أي أحد ولا ينتمي إليها أيّ من سكانها، ما نقصده هنا هو الفارق بين ما تراه مكانا جميلا وما تشعر أنه مكان يخصّك، يُعبّر عنك، وتشعر بداخله أنك في بيتك، لا في أي منزل جميل وحسب.

 

يعمل كثير من مصممي الديكور على هذا الهدف: أن يتحول المنزل الذي تعدّه للسكن ليكون “بيتك”، وهذا بالضبط هو ما أشار إليه “دونالد نورمان” -أستاذ العلوم المعرفية- حين أطلق مصطلح “التصميم العاطفي”، وفي تصميم المنازل يعني أن يفي منزلك بكل احتياجاتك، وهنا بعض الأسس التي ينصح بها المتخصصون لاستخدامها في تصميم منزلك.

 

العاطفة التي تربطنا بالأشياء

في كتابه “التصميم العاطفي.. لماذا نحب (أو نكره) الأشياء اليومية؟” الذي صدر عام 2003، صاغ دونالد نورمان مفهوم التصميم العاطفي ليشير إلى التصميم الذي يهتم بإنشاء روابط عاطفية بين المستخدم والمنتَج؛ لبناء تجربة أكثر إمتاعا للمستخدمين تتوافق مع كلا المنظورين العقلاني والعاطفي للبشر في رؤيتهم لكل ما يحيط بهم.

التصميم العاطفي.. لماذا نحب (أو نكره) الأشياء اليومية

يعمل التصميم العاطفي على إثارة المشاعر بما يظهر في جماليات التصميم، الدور العاطفي مهم جدا في تجربتنا للأشياء، فهو يؤثر بشكل مباشر في العمليات المعرفية مثل الذاكرة وحل المشكلات والإدراك والتفكير، ولهذا يُستخدم التصميم العاطفي في تخصصات مختلفة: العلامات التجارية، والتسويق العاطفي، والتصميم الصناعي، والعمارة، وتصميم المنازل(2).

 

يستخدم المتخصصون ومصممو الديكور الداخلي التصميم العاطفي لمساعدتك على الكشف عن المشاعر الداخلية التي قد لا تفكر فيها، ومن ثم تقديم الاستشارات المُثلى حول كيفية إثارة المشاعر الإيجابية لديك باستخدام التصميمات المختلفة. تهدف سيكولوجية التصميم الداخلي للوصول بك إلى أقصى حدود الراحة في منزلك، هناك تغييرات صغيرة في الألوان والأقمشة يمكنها تحسين مزاجك وإثارة المشاعر الإيجابية بداخلك(3).

 

منزل يجمع ذكرياتك ويشي بتجاربك

في التصميم العاطفي لا يكون عليك الالتزام بقواعد معينة يُمليها عليك المصممون، فيما يتعلق برغبتك في الاحتفاظ بشعور ما في بيتك لا يوجد مصمم مثلك، فقط اتبع قلبك في تصميم منزلك وتحقيق ما تريده أنت وحدك بالاتصال بشعورك الخاص، في النهاية سيكون منزلك مساحة بعيدة عن المعايير، وحدها احتياجاتك هي التي ترسم معايير التصميم.

 

هكذا يضع التصميم العاطفي طبيعة بيئتك وطاقتك والمساحات المتاحة لك في الاعتبار لاختيار الألوان والمواد المناسبة، وإلى جانب الأذواق والتفضيلات يكون لعاداتك الاجتماعية وطبيعة شخصيتك دور مهم في التصميم؛ إذا كنت شخصا اجتماعيا يحب استقبال الزوار في المنزل أو تنتمي لعائلة كبيرة يختلف تنظيم البيت ليكون مكانا للترحيب بضيوفك ونقل الطاقات الجيدة إليهم، أما إذا كنت انطوائيا بعض الشيء أو لا تفضل أن يكون منزلك مكان اللقاء فستوفر المساحة لتجارب أخرى شخصية.تصميم المنزل

يهتم التصميم العاطفي بأن يطعّم منزلك بالأشياء التي تذكرك بتجارب إيجابية، قطعة ما اشتريتها في إحدى الرحلات السعيدة، أو هدية غالية لديك، أو صورة تحمل الكثير من المعنى، وحتى العبارات التي تعني لك رسائل قوة تحفزك، إنه باختصار يبحث في كل ما يمنح الرفاهية مع الالتزام بالبساطة باعتبارها أكثر ما يستجيب له الناس عاطفيا لكي يصبحوا أكثر هدوءا(4). في النهاية، فإن منزلك هو مرآة لك لتجاربك وذكرياتك والأماكن التي سافرت إليها، ما يعني أن يكون ركن في المنزل مرتبطا بتجربة حسية عميقة؛ ليُدخل إلى نفسك الهدوء أو النشاط أو السعادة(5).

 

كيف تستخدم التصميم العاطفي في منزلك؟

  • تخلص من كل ما يثير بداخلك شعورا بالذنب أو يستدعي ذكريات سيئة.
  • اجمع في منزلك أشياء تعبر عن ذكرياتك السعيدة لتعبق الأرجاء بالحنين إلى الماضي الجميل.
  • ضع في كل غرفة أحد العناصر العتيقة التي تمثل لك شيئا مهما: كرسي جدتك القديم، أو حتى شيئا مستعملا عتيقا.
  •  استخدم الألوان لتضفي على نفسك الشعور الذي تحبه.
  • إذا لم يكن بوسعك طلاء الجدران يمكنك إدخال ألوانك المفضلة في السجاد أو الفراش.
  • علّق صورة لمنظر طبيعي جميل يكون مكانك السعيد.

 

استخدم الألوان لإضفاء شعورك المفضل

في بدايات القرن التاسع عشر، نشر “يوهان فولفجانج فون جوته” كتابه “نظرية الألوان”، وتناول علم نفس الألوان الذي يعتمد عليه اليوم مصممو الديكور الداخلي في إضفاء التأثيرات المختلفة. في اختيار تصميمات الغرف، أول ما سيكون عليك فعله هو أن تفكر في الشعور الذي تود أن تشعر به في تلك المساحة لتعثر على القطع التي تجلب تلك المشاعر، وهنا يكون اختيار اللون المناسب للغرفة بالغ الأهمية للحالة المزاجية للموجودين فيها(6).

 دليلك المختصر.. كيف تصمم منزلك بما يناسب احتياجاتك العاطفية؟

تثير الألوان الفاتحة شعورا بمزيد من الانفتاح، فاللون الأبيض يعكس الضوء ويمنح الموجودين شعورا بقوة الإضاءة واتساع المكان، بينما تضفي الألوان الداكنة إحساسا ثقيلا وشعورا بالانغلاق وتمتص الضوء، مع ذلك فاللون البُنّي مثلا يبدو محايدا لارتباطه في عقولنا بالخشب والمواد العضوية ويمنح الشعور بالاستقرار، لكن علينا مراعاة ألا يغلب لون ما على اختياراتنا، فهو ينتج أركانا أحادية اللون قد تضعف حواسك أو تجعلك تشعر بالنعاس، ولذا يُنصح بإضافة بعض اللمسات إلى الغرفة مثل لوحة وسادة أو قطعة سجاد من لون مختلف.

 

من المعروف عن تأثيرات الألوان أن الأكثر دفئا منها يزيد الشهية، ولهذا يمكن اختيارها في غرفة الطعام. اللون الأحمر يدفع الناس إلى الإقبال على تناول الطعام، ويمكن استخدامه لإضفاء الدفء على المساحات وجعلها أكثر حميمية، ويقدم اللون البرتقالي دفعات من الطاقة ويقوي روح الابتكار، لكن المزيد منه قد يخلف الشعور بالإرهاق، أما اللون الأصفر فيرتبط بالسعادة والإبداع.

تصميم المنزل

مثل اللون الوردي بديلا أكثر هدوءا للون الأحمر، فيثير الشعور بالسعادة والحب والسلام، ويناسب غرف نوم الأطفال، أما الألوان الباردة فتريح العقل وتقلل الشهية، يثير اللون الأزرق مشاعر الثقة والانفتاح والاستقرار، ويناسب غرف المعيشة، اللون الأزرق الفاتح يمنح الشعور بالهدوء، بينما يثير الأزرق الداكن بعض مشاعر الحزن.

 

هكذا بالتعرف على ما تثيره الألوان بداخلنا يمكن المزج بينها في غرف المنزل وأركانه لتمنحنا الشعور الذي نحب، ويُنصح بالمزج بين ثلاثة ألوان: لون لأكبر العناصر في الجدران والأرضيات، ولون أكثر هدوءا للأثاث العناصر الكبيرة، وأخيرا لون ثالث لقطع الديكور الصغيرة(7)(8).

 

الضوء والنباتات

بمجرد وضع اللون على الجدران يكون الوقت قد حان لاتخاذ قرار بكيفية ملء الفراغ، أي عنصر ستختاره لملء فراغ يساعد في تحديد وظيفة هذه المساحة، تميل بعض المواد مثل الحجارة والأخشاب إلى جعل أجسامنا تشعر بتحسن لأنها طبيعية تماما، في المقابل تميل الأشياء المصنعة إلى أن تكون أكثر برودة(9).

الحوائط الجديدة في تصميم الغرفة

بين ما يهتم به التصميم العاطفي هو نصيبك من الضوء الطبيعي، والمساحة التي تشغلها الشمس في أنحاء منزلك، فيهتم بتوزيع الأثاث بما يضمن الاستفادة من الضوء، لتحصل على تجربة مثالية، بأن يدخل الضوء في مكان العمل عموديا على الطاولة أو المكتب على سبيل المثال، كما يراعي التصميم العاطفي عامل الأمان في توزيع الأثاث، من المهم مثلا أن يكون باب الغرفة في مجال النظر عندما تكون في السرير لتجنب التوتر الذي يحدث بلا وعي بسبب انعدام الأمن حين لا يمكن التحكم بالباب بصريا.

 

النباتات الطبيعية توفر بيئة نضرة وطبيعية، وهي المساحة التي تقل فيها نسبة تلوث الهواء، والأكثر أنها تسهم في تقليل الضوضاء، إذا سمحت لك الفرصة بزراعتها حول منزلك فستلاحظ كيف تعزل ضوضاء الشارع أكثر مما تفعل الجدران والأسوار(10).

النباتات و تصميم المنزل

أخيرا فإن التصميم العاطفي لا يصنع تجربة جمالية خالصة بقدر ما يخلق لك مساحة قادرة على إلهام مشاعرك، كما تقول “توبي إسرائيل”، وهي متخصصة في علم النفس البيئي ومؤلفة كتاب “أماكن مثل المنزل: استخدام علم النفس في التصميم لإنشاء أماكن مثالية”، إنها تحرص على مساعدة عملائها على الوصول إلى “أهداف عاطفية” من خلال الديكور، وهي تتعرف في جلسات مطولة على ذكرياتهم وأنماط حياتهم قبل أن تقوم بعملها في التصميم، وهي تؤكد أن قصة المنزل هي قصة حياة، وتجسيد هذه القصة ليس علما، بل فن(11).

————————————————————————

المصادر

  1. Emotional Architecture: Using Psychological Profiles to Design Houses – The New York Times 
  2. Diseño emocional: el mejor método para potenciar el UX
  3. Psychology of Interior Design: How Color Affects Your Emotions 
  4. Plantas y árboles que aislan el ruido en tu casa
  5. EMOTIONAL DESIGN 
  6. How Your Interior Design Is Influencing Your Subconscious 
  7. Psychology of Interior Design: How Color Affects Your Emotions 
  8. How Your Interior Design Is Influencing Your Subconscious 
  9. EMOTIONAL DESIGN
  10. /Plantas y árboles que aislan el ruido en tu casa
  11. Emotional Architecture: Using Psychological Profiles to Design Houses – The New York Times 

المصدر: وكالات + الجزيرة نت

Share.

صحفية عراقية من اربيل خريجة وزارة الاعلام في اربيل سنة 2004

Comments are closed.