تحتدم آراء المشاهدين دائما حول الموسم الرمضاني أو ما يعرف بمسلسلات رمضان. في السنوات الأخيرة أصبح مسلسل نيللي كريم جزءا لا يتجزأ من السباق الرمضاني وأصبح اسمها من الأسماء النسائية القليلة التي يمكنها تقديم بطولة مسلسل رمضاني ناجح وجماهيري.

تقدم نيللي كريم هذا العام مسلسل “فاتن أمل حربي” من تأليف إبراهيم عيسى وإخراج محمد جمال العدل ويشاركها البطولة شريف سلامة وهالة صدقي وفادية عبد الغني ومحمد الشرنوبي ومحمد ثروت.

مع الحلقة الأولى، يدرك المشاهد أن المسلسل يدور حول امرأة مطلقة حديثا. نتعرف على مسببات الطلاق من خلال مشاهد “استرجاع الذكريات” (Flashback) في بداية كل حلقة.

في البداية، قد يعتقد المشاهد أنها حكاية مكررة عن امرأة تعيش مع زوج متسلط وغيور وسليط اللسان وترغب في الطلاق لهذه الأسباب. لكن مع تطور الأحداث نكتشف أن فاتن أمل حربي ليست مجرد امرأة معنفة حصلت على الطلاق، لكنها توليفة من عشرات النساء المعنفات والمعيلات.

كثيرات من المطلقات أو حتى المتزوجات سيجدن في شخصية فاتن أمل حربي ما يمثلها في علاقة الزواج التي استمرت لسنوات رغم الإهانات، سواء من أجل الأطفال أو بسبب عدم وجود دخل أو سكن خاص بالزوجة لا يمكن أن ينتزعه الأب بالقانون.

الأطفال كوسيلة ضغط

بعكس الكثير من المسلسلات التي لا تمثل الواقع، تبدو حكاية مسلسل فاتن أمل حربي شديدة الواقعية. جاءت المراجعة القانونية للمسلسل محايدة ومتخصصة وعرضت ثغرات قانون الأحوال الشخصية وثغرات تنفيذ الأحكام من واقع قاعات المحاكم والحياة، لتظهر التفاصيل الصغيرة المرتبطة بتنفيذ القانون وخاصة طول مدة إجراءات التقاضي وتعدد الخطوات حتى يتم تنفيذ الحكم على أرض الواقع بشكل فعلي.

من أبرز القضايا التي يناقشها المسلسل في حلقاته الأولى قضية الولاية التعليمية للأبناء التي ينص القانون على أن تكون في يد الأب، وفي جميع الأحوال حتى دون شقاق أو انفصال بين الأزواج. ولا يمكن للأم أن تخطو أي خطوة في دراسة الأبناء دون موافقة الأب.

تزامنا مع عرض الحلقة الرابعة، التي عرضت مشكلة الولاية التعليمية بعد تهديد الأب بتغيير مدارس بناته إلى مدارس حكومية، أصدر المجلس القومي للمرأة بيانا أوضح فيه أنه في حال انقضاء العلاقة الزوجية تصبح الولاية التعليمية للحاضن دون الحاجة لصدور حكم قضائي.

لكن ما يحدث في الواقع شاهدناه في الحلقة الخامسة من المسلسل حيث اضطرت فاتن أمل حربي إلى رفع دعوى للحصول على الولاية التعليمية حتى لا يستغل الأب الولاية التعليمية للتنكيل ببناته وطليقته، خاصة إذا أثبت عدم قدرته على تحمل المصاريف المدرسية.

حجز الفنادق قانوني أم لا؟

لم يتوقف المسلسل فقط عند قضايا الأم المعيلة أو المرأة المطلقة، لكنه ناقش قضية أثيرت على وسائل التواصل الاجتماعي منذ فترة غير بعيدة، وهي منع السيدات دون سن الـ40 من الإقامة في الفنادق بمفردهن. أكثر من سيدة وفتاة نقلت تجربتها الشخصية الواقعية، حيث رفضت الكثير من الفنادق والنزل الحجز للنساء دون وجود أب أو زوج أو أخ. ويطرح المسلسل هذه القضية وتتساءل البطلة “لماذا لا يمكنها حجز غرفة لها ولبناتها بمفردها؟”.

أوضحت صفحة المجلس القومي للمرأة أنه من حق أي سيدة أو فتاة الإقامة في الفنادق وأنه ليس هناك قانون يمنع ذلك، لنكتشف أن الأمر لا يتخطى كونه عرفا اجتمع عليه البعض فأصبح ملزما أكثر من القانون.

وعرج صناع المسلسل بشكل سريع على قضية إزالة الأبنية المخالفة، عندما ذهبت فاتن أمل حربي إلى شقتها التي لم تكمل أقساطها بعد، لتجد أن نصفها قد هدم بسبب قرارات الإزالة. كأن البطلة أصبحت ضحية لكل القوانين الجائرة.

أداء مقنع وتفاصيل دقيقة

لم يكن من الممكن أن نتابع المسلسل بهذا الاهتمام والتعاطف دون أداء الفنانة نيللي كريم التي تختار دائما الانحياز للشخصية بكامل تفاصيلها. بالإضافة إلى العين اللاقطة للمخرج محمد جمال العدل الذي أظهر تفاصيل الشريحة الأقل من الطبقة الوسطى. رغم أن البطلة جامعية درست في كلية الحقوق وتعمل بالشهر العقاري فإنها تواجه صعوبة في تحمل نفقات بناتها اليومية والدراسية.

تظهر التفاصيل في ملابس فاتن أمل حربي التي لا تتغير وشعرها الذي يبدو طبيعيا تماما، ووجهها الذي يظهر دون أي مساحيق تجميل. بالإضافة إلى تفاصيل أخرى مثل أرضية مركز الشباب غير الممهدة، وملابس صديقاتها، وديكورات المنازل التي ظهرت فيها جدران متآكلة وأثاث قديم، وأرضيات من البلاط القديم بعيدا عن الرخام والبورسلين والباركيه. وتحرى مهندس الديكور الصدق والواقعية بعيدا عن المبالغة والتكلف والنماذج المسبقة.

كسر التابوهات

في الحلقة الخامسة فاجأتنا البطلة بزيارة لدار الإفتاء، تطلب فتوى صريحة بفقدان الأم لحضانة أبنائها حال زواجها. لم يجد الشيخ الأزهري الذي يقوم بدوره الممثل محمد الشرنوبي آية صريحة تنص على ذلك.

انفعلت فاتن أمل حربي قائلة “إن الله رحيم ولا يمكن أن يحرم أُمًّا من أبنائها”. يبقى هذا التساؤل الجدلي مثارا منذ زمن: لماذا يجب أن تتخلى المرأة عن أبنائها في حال رغبتها في الزواج الحلال. فقد بات ذلك القانون دافعا للكثيرات إلى الزواج العرفي حتى لا يفقدن حضانة الأبناء.

رغم أهمية القضية وتأثيرها على شريحة كبيرة من السيدات، فإن المبرر الدرامي لوجود قضية زواج المرأة المطلقة في المسلسل لم يكن كافيا. وجاء ظهور المدرس الذي يرغب في الزواج منها مفاجئا دون سياق درامي واضح أو مقدمة تمهد له من خلال الأحداث السابقة.

انتهت الحلقة الخامسة من المسلسل بعد أن اعترضت فاتن أمل حربي على الهيئة القضائية في قضية الولاية التعليمية قائلة “إن هذا القانون ظالم”.

كررت البطلة الجملة أكثر من مرة وأصرت عليها رغم تهديد القاضي، ومحاولات المحامي دفعها للاعتذار.

يبقى ذلك المشهد من أكثر مشاهد المسلسل واقعية. ولا يمكن للقاضي مهما كان متفهما ولا للمحامي مهما كان داعما أن يشعر بمشاعر أُم لم ينصفها القانون، بل ويجبرها على التخلي عن أبنائها إذا رغبت في الزواج مرة أخرى. ولماذا يمكن للأب أن يتزوج مع الاحتفاظ بحضانة أطفاله بينما لا يمكن للأم ذلك؟ يضع القانون المرأة دائما بين شقي الرحى في الوقت الذي يقول فيه أغلب الرجال إن القانون ينصف المرأة.

ربما تنصف نصوص القانون المرأة، لكن في الواقع وعند تنفيذ أحكام القانون تنتظر المرأة ربما سنوات طويلة من أجل تنفيذ أحكام النفقة أو التمكين، فهل يمكن أن يسهم المسلسل في تسهيل إجراءات التقاضي وتسهيل إجراءات التنفيذ، حيث لا يمكن فصل قضايا النفقة عن قضايا الولاية التعليمية وقضايا التمكين.

انتقادات

رغم أن المسلسل حقق أعلى نسب المشاهدة منذ الحلقة الأولى، فقد تعرض للعديد من الانتقادات بسبب توجه مؤلفه إبراهيم عيسى، الذي ينادي بفصل القانون عن الشريعة الإسلامية، التي يعتمدها القانون المصري كمصدر أساسي في التشريع.

ويشير بعض المتابعين إلى تعمّد الكاتب الربط بين الشريعة الإسلامية والحقوق المسلوبة من المرأة في حالة الطلاق بالإضافة إلى محاولات الكاتب الترسيخ لفكرة أن الشخص المتدين دائما ما يكون متشددا وغير متقبل الأفكار الأخرى وقد يستخدم الشريعة لتحقيق أهدافه في قمع المرأة.

بعض تلك الملاحظات لا يمكن تجاهلها في رسائل المسلسل، ولا سيما في مشاهد بطلة العمل مع الشيخ الأزهري الذي يحاول إقناع “فاتن” بإجماع الفقهاء على سقوط حضانة الأم في حالة زواجها بعد الطلاق، بينما تصر فاتن أن هذا الأمر ليس من الدين الإسلامي.

المصدر: وكالات + الجزيرة نت

Share.

صحفية عراقية من اربيل خريجة وزارة الاعلام في اربيل سنة 2004

Comments are closed.