إسلام آباد- بعد أيام قليلة من تولي شهباز شريف رئاسة الحكومة في باكستان خلفا لحكومة عمران خان، شهدت الحدود الباكستانية الأفغانية توترات جديدة، ربما تكون الأولى من نوعها بهذا الشكل، حيث اتهمت حركة طالبان الأفغانية باكستان بقصف مناطق داخل أفغانستان.

وقد اتهمت كابل القوات الباكستانية بتنفيذ ضربات جوية في ولايتي خوست وكونار شرقي أفغانستان، راح ضحيتها ما يقرب من 47 شخصا، وفقا لآخر الإحصاءات الرسمية.

هجمات حدودية

يأتي ذلك بعد أن قالت مصادر مطلعة في إسلام آباد إن باكستان حثت طالبان أكثر من مرة على منع ما وصفتها بالهجمات “الإرهابية” التي تستهدف القوات الباكستانية في المناطق الحدودية بين البلدين.

وكانت باكستان أعلنت قبل أيام أن 7 من جنودها قتلوا في هجوم بمنطقة شمال وزيرستان، على حدود إقليم خوست شرقي أفغانستان.

وتقول باكستان إن الهجمات التي يتم تنفيذها ضد القوات الباكستانية مصدرها أفغانستان، حيث تتهم “حركة طالبان باكستان” المناهضة للحكومة في إسلام آباد بتنفيذها.

وجاء في بيان أصدرته وزارة الخارجية الباكستانية “باكستان، مرة أخرى، تدين بشدّة الإرهابيين الذين ينشطون مع تمتّعهم بحصانة من التراب الأفغاني، للقيام بأنشطة في باكستان”.

وكان المتحدث باسم حكومة طالبان ذبيح الله مجاهد أصدر بيانا شديد اللهجة، حذر فيه باكستان من “عواقب وخيمة” إذا تكرر الأمر.

القصف الباكستاني جاء بعد أيام فقط من تولي شهباز شريف رئاسة الحكومة في إسلام آباد (الفرنسية)

طالبان باكستان

ووفقا للمحلل السياسي الباكستاني رعاية الله فاروقي، فإن السبب الرئيسي في هذه التحركات الباكستانية هو تصاعد الهجمات التي تشنها طالبان الباكستانية ضد قواتها على الحدود.

وقال للجزيرة نت إن باكستان تعتبر “حركة طالبان باكستان” بمثابة وكيل للحكومة الأفغانية السابقة، كما تتهمها بالحصول على دعم ضمني من بعض اللاعبين الدوليين في أفغانستان خلال ما يسمى “الحرب على الإرهاب”.

وبحسب فاروقي، فإن باكستان منذ سيطرة طالبان على السلطة في أغسطس/آب الماضي، كانت تأمل وتتوقع من طالبان الأفغانية أن تتخذ إجراءات صارمة ضد “طالبان باكستان”، وأن توقف هجماتها على باكستان، لكن تحت حجة مواجهة تنظيم “الدولة الإسلامية-خراسان”، لم تتخذ حكومة طالبان أي إجراءات، وهذا ما تم استغلاله من “طالبان باكستان” على مدى الأشهر الماضية.

ويقرأ فاروقي في تزامن الهجمات الباكستانية داخل الأراضي الأفغانية مع التغير السياسي في إسلام آباد، بأنه يطرح تساؤلات حول إمكانية أن تكون هذه سياسة جديدة لباكستان للتعامل مع الملف الأفغاني.

مواجهة غير ممكنة

من جهته، يرى الكاتب والصحفي المقيم في كابل صبغة الله صابر أن تحرك حكومة طالبان ضد “طالبان باكستان” غير ممكن عمليا لعدة أسباب، أولها الروابط الفكرية والأيديولوجية والقبلية بينهما، بالإضافة إلى العلاقات القوية بينهما في عدة مناطق وخاصة المناطق الشرقية والجنوبية.

وأضاف صابر للجزيرة نت أن حركة طالبان غير جاهزة وغير قادرة على تأمين الحدود بشكل عام، فضلا عن منع الهجمات ضد باكستان، لأن قواتها العسكرية لا تزال غير معبأة بشكل قوي، وليست لديها إمكانيات لتأدية هذه المهمة، إضافة إلى أن الحدود الباكستانية الأفغانية طويلة جدا ويصعب السيطرة عليها بشكل كامل.

وبرأي الخبير في السياسات الخارجية محمد مهدي، فإن عدم اتخاذ حكومة طالبان أي إجراءات صارمة ضد “طالبان باكستان” أثار استياء إسلام آباد، وهو ما دفعها للتوجه نحو الداخل الأفغاني ومهاجمة هذه العناصر الإرهابية والقضاء عليها، وفق تعبيره.

ويقول مهدي أيضا إن باكستان كانت أبلغت طالبان حتى قبل وصول الأخيرة للسلطة في كابل، أن استمرار الهجمات على أراضيها سيدفعها للرد بشكل حازم، وأنها “ستلاحق الإرهابيين داخل الأراضي الأفغانية”.

الجيش الباكستاني اتهم “طالبان باكستان” بشن هجمات أدت لمقتل 7 من جنوده انطلاقا من أفغانستان (الأناضول)

خلافات ومستقبل العلاقات

وبرأي المحلل السياسي محمد مهدي، فإن علاقات باكستان مع طالبان الأفغانية آخذة في التدهور منذ وصول الأخيرة للسلطة، وقال إن حركة طالبان انتظرت اعتراف باكستان بحكومتها على الفور، لكن باكستان لم توافق حتى الآن.

وتابع أن “مسألة الإرهاب كان لها تأثير كبير على العلاقات، وإذا بقيت قضايا الإرهاب على حالها، فستتدهور هذه العلاقات بشكل سلبي”.

من جهته، يقرأ المحلل السياسي الأفغاني صبغة الله صابر احتمالات لتصاعد التوتر في علاقات إسلام آباد مع كابل.

وقال “لأول مرة، تعلن طالبان باكستان عن عمليات الربيع، وهو ما كانت تقوم به طالبان الأفغانية في مواجهة القوات الأميركية والحكومة الأفغانية السابقة، وهذا يشير إلى احتمالية كبيرة لتصاعد الهجمات”.

وزاد إن هذا يفرض على باكستان خيارين رئيسيين:

  • الأول: أن تقوم بمواجهة “طالبان باكستان” بأخذ كافة الإجراءات اللازمة داخل باكستان وعلى الحدود.
  • والثاني: أن تقوم بعمليات داخل الأراضي الأفغانية لاستهداف مسلحي “طالبان باكستان”، لكن هذا سيكون سببا رئيسيا في توتر العلاقات مع طالبان الأفغانية.

لكن صابر يرى أن الضغوط التي تعانيها حركة طالبان الأفغانية في المرحلة المقبلة، سيجعلها بحاجة ماسة سياسيا واقتصاديا وحتى اجتماعيا لاستقرار العلاقات مع باكستان، مشيرا إلى أن ملف اللاجئين فقط كفيل بالضغط على حكومة طالبان نظرا لما يمثله من مشاكل اجتماعية.

خط دوراند

وتعتبر منطقة “خط دوراند” الحدودية من أسباب توتر العلاقات بين الطرفين، حيث تعتبر محط خلاف حدودي منذ عقود طويلة، إذ ترى باكستان أنها تشكل تهديدا أمنيا خطيرا لها.

ولتقليل التهديدات الأمنية القادمة من أفغانستان، عملت باكستان على مدى السنوات القليلة الماضية وبعد إعلان الولايات المتحدة عزمها سحب قواتها من أفغانستان، على تسييج الحدود المشتركة معها، وقد أكملت تسييج معظمها باستثناء خط دوراند حيث واجهت تلك الجهود رفضا من مقاتلي طالبان أدى في بعض الأحيان لتبادل إطلاق نار.

وفي هذا السياق، يقول محمد مهدي إنه لا يتوقع أي تغيير في السياسة والمواقف فيما يتعلق بخط دوراند، فحكومة طالبان لن تقبل بالخط حدودا دولية، وفي المقابل، فإن باكستان تصرّ على اعتباره حدودا دولية، وسوف تصر على هذا الموقف خاصة في ظل التغير السياسي الجديد في البلاد.

المصدر: وكالات + الجزيرة نت

Share.

صحفية عراقية من اربيل خريجة وزارة الاعلام في اربيل سنة 2004

Comments are closed.