كشفت الأزمة الأوكرانية حجم التباين في مواقف الدول الأفريقية، حيث أصدرت مفوضية الاتحاد الأفريقي بيانا أدانت فيه حرب روسيا على أوكرانيا، وصوتت 28 دولة أفريقية لصالح مشروع قرار يدين روسيا، فيما تراوحت مواقف 26 أخرى ما بين امتناع وغياب ورفض.

أديس أبابا- منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا، ما انفكت قارة أفريقيا تسير بحذر، فوق خط دقيق، يفصل بين موازنة معقدة، للحفاظ بمستويات مقبولة من العلاقات مع طرفي الصراع في أزمة أوكرانيا، بهدف التقليل -قدر الإمكان- من تأثيراتها، حيث تواجه القارة السمراء تحديا صعبا، يحتم عليها احترام توازن القوى، حتى لا تتضرر مصالحها الوطنية، جراء أي خطوة غير محسوبة.

في ندوة نقاشية أقيمت بالعاصمة الإثيوبية أديس ابابا، جمعت دبلوماسيين أفارقة، وباحثين ومسؤولين بالاتحاد الأفريقي، خلص المشاركون إلى أن أفريقيا رغم انعدام أي دور لها في هذه الازمة، فإنه لا يمكنها الهروب من عواقب هذا الحريق العالمي، وعبر مشاركون عن قلقهم من أن تأثير الأزمة سيكون ثقيلا على القارة، بسبب نقاط الضعف الموجودة في دولها.

التأثيرات الاقتصادية

الباحثة في الاقتصاد الأفريقي كانتي إيسوتو أوضحت أنه على المدى القريب، ستتضرر دول القارة كافة من ارتفاع أسعار النفط، وتأثيراته المباشرة على كلفة النقل، وبالتالي أسعار السلع الأخرى، وأشارت كانتي في حديثها إلى أن الخطر الأكبر هو الارتفاع المحتمل في أسعار الخبز، لا سيما أن 23 دولة أفريقية تعتمد على روسيا وأوكرانيا في استيراد القمح، ومن شأن استمرار الحرب التأثير على سلاسل التوريد، وارتفاع كلفة الواردات، مثل ما حدث عام 2014 عندما ضمت روسيا شبه جزيرة القرم، وأضافت “في دول تتشابك السياسة فيها بشدة مع سعر الخبز، فإن ارتفاعه يمثل مصدر قلق”.

إصلاح الأمم المتحدة

وليام كانيريغ كبير مستشاري الاتحاد الأفريقي للحوكمة وبناء السلام، شدد في حديثه على أن الحرب في أوكرانيا بقدر ما تعتبر أزمة هي أيضا فرصة للتأكيد بعدم فعالية النظام الحالي للأمم المتحدة، وبالتالي على الأفارقة تعزيز جهودهم الرامية لإصلاح مجلس الأمن الدولي، مشيرا إلى أن أفريقيا من حقها المشاركة في تشكيل النظام العالمي المستقبلي، وممارسة دورها الصحيح، بما يتناسب مع حجمها الجغرافي والسياسي.

وسبق للاتحاد الأفريقي أن عرض مشروعا لإصلاح مجلس الأمن الدولي يتضمن التمثيل المنصف في مجلس الأمن، وزيادة عدد أعضائه وأساليب عمله، ومسألة النقض، والعلاقة بين المجلس والأمم المتحدة.

مواقف متباينة

وكشفت أزمة الحرب الروسية على أوكرانيا حجم التباين في مواقف الدول الأفريقية، ففي حين أصدرت مفوضية الاتحاد الأفريقي بيانا أدانت فيه حرب روسيا على أوكرانيا، لم يكن الأمر كذلك بين الدول الأفريقية، ففي اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في فبراير/شباط الماضي للتصويت على مشروع قرار يدين روسيا كان لأفريقيا تأثير على نتيجة التصويت، حيث تمثل دول القارة الـ 54 ما نسبته 27% من مجموع الأصوات.
وقد صوتت 28 دولة أفريقية لصالح قرار الإدانة، فيما تراوحت مواقف 26 أخرى ما بين امتناع وغياب ورفض، وهو ما قال عنه بيتر فابيس الباحث بمعهد الدراسات الأمنية بأفريقيا إنه يكشف عن مجموعة من معايير الحكم والرؤى لأفريقيا، المتأثرة بالمصالح والروابط الأيدلوجية والعسكرية، سواء مع المعسكر الغربي أو مع روسيا.

وعزا فابيس هذا الانقسام إلى عاملين:
– الأول: رغبة بعض الدول في تحقيق التوازن وعدم الانحياز، خاصة أن لديها علاقات اقتصادية وسياسية وعسكرية مع روسيا والصين المتحالفة فيما يبدو معها وبالتالي لا تريد خسارة هذا المعسكر.
– الثاني: يرتبط برفض بعض الدول لمضمون القرار من أساسه، حيث كانت تحبذ الدفع بمزيد من الحوار والمصالحة بدلا من التنديد فضلا عن الافتقار للشفافية أثناء المشاورات بشأن مشروع القرار، وفق مبررات بعض الدول.

الحرب في أوكرانيا كشفت مستوى التباين في مواقف الدول الأفريقية تجاه أطراف الحرب (غيتي)

العلاقات الروسية الأفريقية

ومنذ أن ضمت روسيا شبه جزيرة القرم عام 2014، وعزلتها اللاحقة عن المجتمع الدولي، بحثت موسكو عن المزيد من الشركاء، واتجهت إلي أفريقيا بقوة، وعمدت إلى تطوير تجارتها الثنائية مع أفريقيا، كما لعبت دورا مهما في دعم العديد من الدول عبر المساعدات الأمنية والتدريب والتزويد بالأسلحة والتقنيات العسكرية، وهو ما جعلها محل حظوة لدى العديد من الدول الأفريقية.
وتوج التعاون بين موسكو وأفريقيا باستضافة “سوتشي” الروسية في أكتوبر/تشرين الأول 2019 أول قمة روسية أفريقية والتي حدد لها أن تنعقد كل 3 سنوات، لتناقش قضايا تعزيز الشراكات بين موسكو والدول الأفريقية، حيث من المقرر أن تعقد القمة الثانية في أكتوبر/تشرين الأول القادم بمدينة سان بطرسبرغ الروسية.

موقف أفريقي موحد

ماتا سيجانا رئيس مجلس السلم والأمن الأفريقي للدورة الحالية أعرب عن قلقه من عدم وضوح الرؤية، وتباين آراء الدول الأفريقية تجاه الحرب في أوكرانيا، مشددا على ضرورة أن تبدأ أفريقيا كقارة في بحث أفضل السبل، للرد والتعامل مع هذه الأزمة وتداعياتها للخروج بموقف واضح.
وأشار سيجانا إلى أن تعامل كل دولة بشكل فردي مع الأزمة سيجعلها عرضة للضرر، وبالتالي لا بد من استجابة منسقة ومشتركة وجماعية من كافة الدول الأفريقية، مشددا عل ضرورة اتخاذ موقف أفريقي ينبع من احتياجات القارة، وليس من احتياجات الآخرين، وأن أفريقيا يجب أن تدافع عن مصالحها دون أن تنحاز إلى أي جهة، وأضاف “يجب ان ننخرط في مباحثات أفريقية أفريقية حول كيفية استجابتنا لتحديد هذه معالم الأزمة”.

الندوة ناقشت كيفية حفاظ الحكومات الأفريقية على علاقاتها مع أطراف الصراع (الجزيرة)

مصير التنمية والسلام

وحول تأثيرات الأزمة على مشاريع التنمية ومبادرات السلام، لا سيما الممولة من الشركاء الخارجيين؛ أكدت جان كاماو ممثله كينيا في الاتحاد الأفريقي أن الحرب في أوكرانيا ستتطلب اهتماما غربيا متزايدا، وتغيير الأولويات لديهم، وبالتالي من المرجح تحويل الاهتمام السياسي والموارد المالية بعيدا عن أفريقيا، ودعت جان كاماو المؤسسات الأفريقية للاستعداد لهذا التغيير، وإعادة تنظيم أمورها وموائمتها وفق المعطيات الجديدة.
ويعزز هذه الهواجس أن أكثر من نصف ميزانية الاتحاد الأفريقي تمول من شركاء خارجيين، كالاتحاد الأوروبي، و دول غربية بشكل فردي، وهو ما يحتم -وفق سيرجيو بريال المختص بشؤون الاتحاد الأفريقي- السعي بجدية في تعزيز الاستقلال المالي للمنظمة الأفريقية، لا سيما أن الاعتماد على الشركاء الخارجيين يقوض قدرة المنظمة الأفريقية على الاستجابة الفعالة، فضلا على اتخاذ القرار، ولم يستبعد سيرجيو أن يدفع المعسكر الغربي -مع تفاقم الحرب- الاتحاد الأفريقي دفعا لتبني موقف منحاز، كشرط لاستمرار الدعم والتمويل، وفق تعبيره.

وأكد سيرجيو أن التحدي الآن يكمن في حفاظ الحكومات الأفريقية على علاقاتها مع أطراف الصراع، مع تغير السياق الجيوسياسي، حتى لا تكون عالقة بين المطرقة والسندان، مشيرا إلى أنه مع استمرار الصراع في أوكرانيا ستحتاج الدول الأفريقية لإدارة علاقاتها بمهارة مع الشركاء المتصارعين، لحماية مصالحها السياسة والاقتصادية والأمنية، حتى لو اضطرت لاتخاذ بعض الخيارات الصعبة.

المصدر: وكالات + الجزيرة نت

Share.

صحفية عراقية من اربيل خريجة وزارة الاعلام في اربيل سنة 2004

Comments are closed.