يشير الإصدار الجديد من مسلسل “لوثر” -للممثل البريطاني ذي الأصل الأفريقي إدريس ألبا- إلى زوال الحدود الفاصلة بين الفيلم والمسلسل في الدراما، فقد فضل أن يكون هذا الجزء عبارة عن فيلم يختصر 4 حلقات من المسلسل.

العمل الأصلي الذي نحت منه فيلم “لوثر.. سقوط الشمس” (Luther..The Fallen Sun)، للمخرج جيمي بين، هو مسلسل “لوثر” المكون من 5 أجزاء يبلغ مجموع حلقاتها عشرين، وقد عرضت خلال الفترة من عام 2019-2020.

وتختلف أحداث الفيلم عن قصص حلقات المسلسل، لكن شخصية “جون لوثر” بكل ملامحها وصفاتها السلبية والإيجابية، وطبيعة انشغالاتها، ما تزال موجودة في النسخة الجديدة من العمل.

ويكمن التصور الأساسي وراء شخصية البطل بالفيلم والسلسلة معا في الدعوة المريبة لقبول شخصية مفتش البوليس العبقري والعنيف والشرير أيضا، باعتباره يملك عقل مجرم ويستطيع النفاذ إلى عقول المجرمين، ومن خلال بذرة الخير بداخله ينجح في القبض عليهم، والوقوف في صف القانون.

وداخل السلسلة والفيلم أيضا نلمح معارضة للفكرة التي يطرحها العمل من خلال أشخاص يدركون أن مفتش البوليس المضطرب هو أخطر على المجتمع من المجرم نفسه، مهما بلغت عبقريته في كشف المجرمين.

وتدور أحداث “لوثر.. سقوط الشمس” حول مفتش البوليس “جون لوثر” (إدريس ألبا) الذي يحاكم ويسجن، بينما كان قد تصدى لتوه لجريمة غامضة نتج عنها اختفاء مراهق، والتزم المفتش قبل سجنه بوعد لوالدة الشاب أن يحضر لها ابنها أو يقبض على قاتله.

ويتلقى المفتش السجين رسالة صوتية عبر إحدى موجات الراديو تحتوي على صوت الشاب المختطف وهو يتألم بشدة، فيقرر الهروب من سجنه بحثا عن القاتل، ويتتبع موجة البث حتى يصل إلى مصدر الرسالة.

وتتولى كبيرة المحققين الجديدة “أوديت رين” (سينثيا إريفو) التي تم اختيارها في منصب المفتش السجين الجريمة نفسها، وترفض عرض الرئيس السابق بالتعاون، ولكنها تقبل بعد أن تخطط للقبض عليه، باعتباره هاربا من سجنه، ومعه القاتل “ديفيد روبي” (آندي سيركيس) الذي تتكشف الأمور عن كونه قاتلا متسلسلا ساديا ينتمي إلى عالم الإنترنت المظلم (the dark web) ويقتل لإمتاع جمهوره الذي يتابعه عبر الشبكة العنكبوتية.

ويختطف المجرم ابنة كبيرة المحققين “أنيا رين” (لورين أجوفو) التي تحاول التخلص من المفتش لإنقاذ ابنتها، لكنها لا تستطيع أن تخالف قيمها، فتتفق معه على الذهاب للقبض على المجرم.

التشويق والمنطق

يحظى إدريس ألبا بقبول كبير، ويعتبره الكثيرون “جيمس بوند” الثاني، خاصة أنه رفض من قبل أداء شخصية “جيمس بوند” كما يحفل سيناريو الفيلم بالكثير من الإثارة والقلق والتشويق، لكن الاستمتاع به يحتاج إلى الكثير من التجاهل للمنطق، فهو مبني على العديد من المصادفات التي أدت بدورها لضعف البناء.

والمثال الأكثر وضوحا يتجلى في فكرة الفيلم ذاتها، فكيف يصل محقق فاسد وعنيف إلى منصب كبير المحققين؟ خاصة أنه من أصول أفريقية بما يعني أنه تحت الرقابة دائما، صحيح أن القاتل يملك صلاحيات لا نهائية لمراقبة مرتادي شبكة الإنترنت، لكن هل يعني ذلك أنه استطاع تجاوز قدرة الشرطة على مراقبة واحد من كبار محققيه؟

والنموذج الثاني يتمثل في الرسالة التي وصلت عبر الراديو داخل زنزانة بسجن شديد الحراسة، وبعيدا عن كون الراديو والهاتف المحمول من الأشياء غير مسموح بها، فأغلب الظن أن الوسيط تم اختياره بالأساس -من قبل صناع العمل- لإيجاد سبيل للمفتش كي يصل إلى مكان المجرم، وهو عجز كبير عن التوصل إلى وسيلة أقل تعقيدا وأقل عرضة للكشف أمام السلطة.

ويطرح القاتل “ديفيد روبي” أسئلة نخبوية حول من الذي يستحق أن يوصم بالإجرام، فالمفتش نفسه فاسد وعنيف ومؤذٍ مثل القاتل، ويقدم حججا تستحق النظر، خاصة في ظل منطق العمل الذي يطرح فكرة القبول بالمحقق العنيف مقابل عبقريته في القبض على المجرمين، نظرا للتشابه الكبير بين عقله وعقول المجرمين في طرق التفكير، وهو ما يجعل العمل أكثر إثارة للتشويش، وأقل قدرة على الإجابة عن الأسئلة الأخلاقية.

وبالإضافة للإثارة والقلق في العمل، فإن تصميم المعارك وسلاسة الحركة جاءت جيدة ومقنعة، باستثناء تلك القدرات التي لم يؤسس لها صانع العمل من البداية، وهي قدرة المفتش لوثر على احتمال الضرب من أكثر من 20 سجينا جنائيا، وخروجه ماشياً على قدميه دون إصابات ملحوظة.

بيكاديللي

تحدث المطاردة الكبرى في ميدان بيكاديللي في قلب لندن، حيث يلتقي النقيضان، المحقق والقاتل. وقبل ثوانٍ من القبض على المجرم، تأتي الشرطة ورئيستها الضعيفة لتفسد المشهد، ونجد أنفسنا في مطاردة عنيفة بين شوارع لندن وأزقتها وأماكنها السرية.

وقد استغل المخرج بشكل كبير المساحات المتاحة في الميدان، لكن استخدام طائرة مسيرة (درون) في التصوير تم ببخل شديد، حتى إنه تقريبا لم يكن موجودا رغم إمكانية دعم المعنى بتصوير الخصمين من أعلى، كما لو كانا نقطتين صغيرتين في بحر الوجود المتنوع والهائل.

وثمة ثأر حقيقي بين الطرفين اللذين يطارد أحدهما الآخر، فقد استطاع القاتل أن يصل إلى مستندات أدانت “جون لوثر” فأفقدته وظيفته وحريته، وهي أسباب مقنعة تماما وكافية لصناعة العمل، لكن المؤلف أبى إلا أن يربط المحقق بوعده لوالدة المراهق التي تسلمت ما بقي من جثته بعد إحراقها، ومن ثم أبلغها المحقق أن الابن المراهق عاش حياة سرية أدت به إلى مصيره البائس.

ويكشف الفيلم عن الحقائق المجردة في النهاية، والتي لا ترتكز على مزاعم مثالية، إذ يتم اختطاف “جون لوثر” وإيداعه في مكان خاص حتى يشفى من إصاباته العديدة، ثم يلتقي قيادة هامة في الشرطة ليستعد لمغامرة أخرى، يتمنى المشاهدون أن تكون أكثر إقناعا.

المصدر: وكالات + الجزيرة نت

Share.

صحفية عراقية من اربيل خريجة وزارة الاعلام في اربيل سنة 2004

Comments are closed.