رغم أنها كانت واحدة من أهم المدن السوفياتية بعد العاصمة موسكو، توحي كييف اليوم إلى زائريها بأنها مدينة أوروبية فعلا، أو حتى عاصمة دولة بالاتحاد الأوروبي، رغم أن هذه العضوية حلم لم يتحقق بعد.

كييف- لأنها كانت أحد الأهداف الرئيسية للحرب الدائرة على أوكرانيا، تغير شكل العاصمة كييف جذريا أمام من عاش فيها أو عرفها، فقطّعت الحواجز أوصالها، وأُغلقت ودُمرت -قصدا- الكثير من الجسور والطرق فيها، أو تلك المؤدية إليها، منعا لتقدم القوات الروسية.

لكن هذا التحول لم يكن الأخير، بل آخر حلقات سلسلة طويلة، بدأت تتكون منذ أن بدأت البلاد نزاع الماضي السوفياتي و”العالم الروسي” من بعده، كما يسميه الأوكرانيون، ومساعي التقارب مع الغرب عموما، ومع الاتحاد الأوروبي على وجه الخصوص.

عمدة كييف فيتالي كليتشكو: 950 معلما ستتغير أسماؤها أو ستزال في المدينة وحدها (الجزيرة نت)

استبدال مبكر لعباءة الماضي

فرغم أنها كانت واحدة من أهم المدن السوفياتية بعد العاصمة موسكو، توحي كييف اليوم إلى زائريها بأنها مدينة أوروبية فعلا، أو حتى عاصمة دولة في الاتحاد الأوروبي، رغم أن العضوية فيه حلم لم يتحقق بعد.

يتجلى ذلك في غياب تماثيل لينين وستالين التي كانت تملأ الأماكن، وخاصة بعد ما حمله العام 2014 من أحداث وتطورات، وكذلك في الأعلام المرفرفة إلى جانب العلم الأوكراني في كل مكان تقريبا، وفي أشكال المباني الحديثة، وتخطيط الشوارع، وحتى قواعد السير.

وقبل الحرب، كان استطلاع للرأي أجرته مجموعة “التصنيف” الأوكرانية للدراسات (ريتينغ) قد بين أن 57% من الأوكرانيين يعتبرون أنفسهم “أوروبيين” اليوم، بعد أن كانت النسبة عند حدود 27% قبل الحرب، في حين تشعر نسبة 7% فقط بالانتماء إلى الماضي السوفياتي، وهي غالبا من كبار السن.

صحفيون وسكان محليون يعتلون نصبا يرمز إلى صداقة الشعوب ومن المتوقع إزالته في وقت لاحق (الجزيرة نت)

معالم تتغير اسما ومعنى

وبالإضافة إلى التماثيل، تغيرت في كييف أسماء وأشكال آلاف المواقع، في منعطفات تاريخية متتالية، وخطوات مستمرة لمزيد من القطيعة مع الماضي، وفي العلاقات مع روسيا.

نجمة الاتحاد السوفياتي تتساقط من كل مكان، وآخر خطوة قامت بها في هذا الإطار كانت إزالة تمثال “صداقة الشعوب”، بين الشعبين الأوكراني والروسي، الذي سيستبدل بنصب “حرية الأوكرانيين” وفق أبرز الاقتراحات المطروحة.

في عين المكان، تحدثت الجزيرة نت إلى كبير معماريي أوكرانيا في ثمانينيات القرن الماضي، سيرهي ميرهورودسكي، الذي وضع التمثال في مكانه قبل 40 سنة، فقال “لا، أبدأ، أنا فخور اليوم أكثر مما كنت عام 1982. كان يجب أن يزال النصب في 25 فبراير/شباط، ثاني أيام الحرب، لأن وجوده بات مستفزا ومسيئا لي ولجميع الأوكرانيين”.

ميروهورودسكي يرى أن وجود هذا النصب وغيره يسيء للأوكرانيين بعد الحرب (الجزيرة)

تاريخية وحديثة و”محصنة”

آراء العامة في كييف حول الصورة “المنشودة” لمخطط وعمران المدينة في المستقبل، بين من يعتبر أن صورتها الحالية فخر لا تصنّع فيه، وآخرين يرون أن العاصمة يجب أن تشهد تحولا معماريا جوهريا الفترة المقبلة، يحاكي تطلعاتها، ويتجاوز ما خلفته السنين الماضية.

في ميدان الاستقلال وسط كييف، يقول الشاب إيهور “ما تراه حولك من مبان ضخمة تحف تثير إعجاب كل من ينظر إليها. هذا فننا المعماري الخاص شرق أوروبا، الذي بناه الأوكرانيون، حتى وإن كان ذلك خلال الحقبة السوفياتية”.

وترى فالينتينا أن “مباني كييف الحديثة تبنى على الطراز الغربي العملي، وهذا يشمل مؤسسات الدولة والمباني السكنية. حياتنا اليوم لا تهتم بمظاهر الفن المبالغ به، وربما تكره شكل الماضي الذي جمعنا مع روسيا أيضا”.

اهتمام إعلامي وشعبي كبيرين بحدث إزالة نصب صداقة الشعبين الروسي والأوكراني (الجزيرة)

وتقول متابعة “أما مركز المدينة، فكان وسيبقى مركزا يعكس -بمبانيه وشوارعه المعبدة بالحجارة- الفن والتاريخ معا، بما حمله من صداقة وشراكة زائفة، وصولا إلى الواقع المرير”.

لكن كبير معماريي كييف في الثمانينيات يرى الأمر من زاوية مختلفة، ويقول “لن يتغير شكل المدينة، بل سيتطور كما تجري العادة. يجب أن يتغير شكل المحيط، لكي تتحول كييف إلى حصن منيع، يستعصي على الروس، لأن وصولهم إليه خلال أيام قلية أثبت وجود ثغرة يجب أن تسد”.

المصدر: وكالات + الجزيرة نت

Share.

صحفية عراقية من اربيل خريجة وزارة الاعلام في اربيل سنة 2004

Comments are closed.