بغداد – استشهدت مراسلة الجزيرة شرين أبو عاقلة في فلسطين اليوم الأربعاء لتلهب مشاعر الحزن والغضب لدى زملائها الصحفيين في العراق. وشيرين كانت تنقل أخبار فلسطين على مدى 25 عاما وتم اغتيالها اليوم وهي تقوم بواجبها الصحفي ونقل الحقيقة إلى العالم حتى صارت هي الخبر.

وبلهجة شديدة، ندد واستنكر الصحفيون والإعلاميون العراقيون الجريمة التي حدثت صباح اليوم الأربعاء في جنين (شمالي الضفة الغربية) بعد أن صوّب أحد عناصر جيش الاحتلال الإسرائيلي رصاصه نحو رأس شيرين.

أول مراسلة نتابعها

الصحفية رشا العقيدي قالت إنها عندما تتابع الأحداث في الأراضي الفلسطينية فعادة ما يرد إلى ذهنها صورة شيرين أبو عاقلة، التي وصفتها بالمراسلة الشجاعة، وأنها تنقل الوقائع بضمير حيّ وقلب صادق عن بلدها وأبنائه المظلومين.

وأضافت رشا العقيدي للجزيرة نت أن شيرين كانت أول مراسلة حرب تتابعها، وخلفت عندها الدافع والحافز للعمل الصحفي الشجاع، غير آبهة بالموت، مشيرة إلى أنها تعلمت من شيرين الصدق والشجاعة، ونقل الحقيقة مهما كلف الأمر.

ووصفت استشهاد شيرين بالخبر المؤلم، لكنه دليل على استهداف الاحتلال للصحافة والحقيقة، موضحة أن ما حدث يوصف بجريمة حرب، ومؤكدة على ضرورة أن لا يمر الحدث دون تحقيق دولي ومحاسبة الجناة.

سعدون قال إن سماعه خبر استشهاد شيرين أحيا لديه ذكرى الصحفيين العراقيين الذين قتلوا (الجزيرة نت)

بين أطوار بهجت وشيرين أبو عاقلة

من جهته، اعتبر مدير المرصد العراقي لحقوق الإنسان مصطفى سعدون أن صورة شيرين وهي مضرجة بالدماء أعادت لذاكرته الصحفية العراقية الراحلة أطوار بهجت التي قتلت عام 2006 عندما كانت في مهمة صحفية.

وقال للجزيرة نت إن الصحفي يعمل في مهنة تأكل صاحبها، الخبر الذي يكتبه اليوم قد يُكتب عنه غدا، معتبرا أن مهمة الصحفي هي الأخطر لأن أعداء حرية الصحافة آخذين بالتوسع والنفوذ.

وأضاف سعدون وهو يعتصره الحزن أنه عند سماع خبر استشهاد شيرين فقد أعاد إليه شريط الذاكرة زملاء من الصحفيين قتلوا وهم يرفعون راية الكلمة الحرة كهشام الهاشمي وأحمد عبد الصمد وصحفيين آخرين في الموصل وبغداد وفي بلدان أخرى.

لا فائدة من التنديد

من جهتها، أعربت الصحفية العراقية نيرمين المفتي عن غضبها لسماع خبر استشهاد شيرين، معتبرة الحادث جريمة قتل مع سبق الإصرار والترصد.

وأضافت للجزيرة نت أن مما يزيد الغيض والحنق هو “تصريح عضو الكنيست الإسرائيلي العنصري الذي برر فيه قتل الصحفيين لأنهم يعيقون تحرك الجنود”.

وقالت إن استشهاد شيرين ذكّرها والعديد من العراقيين، وخاصة العاملين في قطاع الصحافة، باستشهاد العشرات من الصحفيين العراقيين منذ العام 2003 حتى بات العراق الأكثر خطورة في العالم على العمل الصحفي.

الاعلامي والمذيع بهاء الدين الانصاري، يطالب برد فعل حازم، احتراما للمواثيق الدولية الخاصة بالصحافيين
الأنصاري طالب برد فعل حازم تجاه قتلى شيرين احتراما للمواثيق الدولية الخاصة بالصحافيين (الجزيرة نت)

الجرائم لم تنته

الإعلامي بهاء الدين الأنصاري، وفي تعليقه على وفاة شيرين، قال إن هناك أكثر من مليون فلسطيني تم اعتقالهم منذ العام 1967، ونحو 55 صحفيا تم اغتيالهم في فلسطين، إلى جانب آلاف الشهداء الفلسطينين، رغم هذه الأعداد فإن المجتمع الدولي لا يقوم بإجراءات ضد الاحتلال الإسرائيلي.

وفي حديثه للجزيرة نت طالب الأنصاري بصفته مواطنا عربيا وصحفيا، وكل من له انتماء للكلمة الحق، بضرورة أن يكون رد فعله قويا إزاء جريمة قتل شيرين وفقا للقوانين والمواثيق الدولية الخاصة بالصحافيين.

الصحافي والمراسل مهند الغزي يقول ان الرصاصة التي اخترقت رأس ابو عاقلة، كانت خبر تنقله للعالم
الغزي: شيرين كانت مدافعة حقيقية عن قضيتها لدرجة أنها أسلمت روحها من أجلها (الجزيرة نت)

عاجل أخير من شيرين للعالم

الصحفي مهند الغزي اعتبر أن شيرين لم تمت، وأن الرصاصة التي اخترقت رأسها دون رحمة كانت بمثابة خبر تنقله المراسلة الفلسطينية إلى العالم أجمع بشأن حقيقة ما يحدث، فمهما حاول إعلام الاحتلال الإسرائيلي التغطية على جرائمه، إلا أن شيرين باستشهادها اليوم استطاعت ردّهم، وكأنها تقول للجميع: انظروا لهذا الخبر، ها قد قتلوني كما يقتلون الشعب الفلسطيني كل يوم.

وأضاف أن شيرين كانت مدافعة حقيقية عن قضيتها لدرجة أنها سلمت روحها من أجلها، وكما رحل العشرات من شهداء الصحافة في العراق من كامل شياع وهادي المهدي وأطوار بهجت وصولا لشهداء تشرين من الصحفيين، رحلت شيرين التي بقيت نحو 25 عاما صوت الشعب الفلسطيني وأحد رموزه الصحفية.

ويبيّن الغزي أن هذا هو درب الكلمة الصادقة وهذا هو ثمنها، الشجاعة مقابل الرصاص، مضيفا أن الفرق الوحيد بين شهداء الصحافة العراقية والشهيدة شيرين هو أنهم يعرفون من قتلها وما زال دم شهداء الصحافة العراقية مسجلا ضد المجهول.

درس الصحافة بحب البلاد

شيرين أوفت حق الكلمة ودفعت ثمنها غاليا وأضافت لمهنة الصحافة قدسية جديدة ستبقى علامة فارقة تدرس لكل الأجيال، بهذه العبارات تبدأ المراسلة والصحفية أفراح القيسي حديثها عن الشهيدة شيرين للجزيرة نت، مؤكدة أن التاريخ سيشهد أن الكلمة المهنية هي الأقوى من أي سلاح.

“اغتيال شيرين سيثير معه قصص من تعرضوا لحوادث مميتة واستهداف وانتهاك ممن يعملون في مهنة الصحافة خصوصا وقت الأزمات والحروب، وحينما تكون مدافعا عن بلادك المغبونة، وناقلا لصوت ضحاياها، وربما ستكون سبيلا لوضع حد لوقف ذلك العنف المباح تجاه من يحملون هوية الصحفي، ذلك مرهون بمدى تأييد ودعم تلك القضية من قبل الصحفيبن أنفسهم”.

وتوضح القيسي وهي التي تعرضت يوما للاختطاف بسبب مقال كتبته، أن الراحلة وثقت وسجلت خلال سنوات عديدة جرائم الاحتلال، وأن قتلها لن يمحي ذلك السجل.

نقابة الصحفيين

وأدانت نقابة الصحفيين العراقيين اليوم الأربعاء جريمة اغتيال شيرين، وطالبت بإجراء تحقيق دولي عاجل للكشف عن الجناة.

وأكدت النقابة، في بيان صحفي، أنها “تدين وبشدة الجريمة النكراء التي أقدم عليها الجيش الإسرائيلي والتي أدت إلى استشهاد الصحفية شيرين أبو عاقلة مراسلة قناة الجزيرة في مدينة جنين بالضفة الغربية أثناء تأدية واجبها المهني”.

وذكر البيان أن “تلك الجريمة البشعة، التي أثارت استغراب واستنكار وتنديد العالم ممثلا بمنظماته الدولية والصحفية، تعد خرقا فادحا للمسؤولية الإعلامية وحرية العمل الصحفي والتي تؤكد عليها القوانين والمواثيق الدولية”.

وأوضح البيان أنه “من هذا المنطلق فإن نقابة الصحفيين العراقيين في الوقت الذي تعلن فيه عن تضامنها مع نقابة الصحفيين الفلسطينيين فإنها تطالب بإجراء تحقيق دولي عاجل للكشف عن القتلة وتقديمهم للعدالة”.

كما دعت النقابة كافة المنظمات والهيئات الدولية إلى الوقوف بوجه جيش الاحتلال الإسرائيلي للكف عن جرائمه التي امتدت هذه المرة لاغتيال الصحفيين.


المصدر: وكالات + الجزيرة نت

Share.

صحفية عراقية من اربيل خريجة وزارة الاعلام في اربيل سنة 2004

Comments are closed.