وفق “رابطة خبراء المتفجرات”، تنتشر الألغام والذخائر غير المنفجرة على مساحة تبلغ نحو 14% من إجمالي مساحة البلاد، البالغة نحو 603.7 آلاف كيلومتر مربع.

كييف – أهوال وآلام الحروب لا تنتهي بتوقف المعارك وانسحاب القوات عن ساحاتها، فالآثار والتداعيات تبقى لفترات طويلة، وفي ظلها يبقى الخطر قائما، وعلى المدنيين بالدرجة الأولى.

“مكر” الألغام والذخائر -إن صح التعبير- التي تركتها القوات الروسية في ضواحي العاصمة كييف أقرب مثال، فهي تترصد بصمت لمن يتوق إلى عودة سريعة للحياة الطبيعية في تلك الأرجاء، فتحول آمالهم -بلمحات بصر- إلى آلام.

في أروقة أحد مستشفيات كييف، قابلت الجزيرة نت رجل الأعمال سيرهي، الذي كان يجلس بحزن كبير أمام جناح يضم ابنته مع حفيدته الوحيدة، بعد تعرض الأخيرة إلى “لغم غادر”، كما يقول.

يشرح حزنه فيقول “لم تكن لي في أطراف بوتشا إلا مزرعة أردت أن تكون مكانا للراحة والاسترخاء عند تقدم العمر، أرى في أرضها لعب حفيدتي الصغيرة وكيف تكبر”.

ويتابع “استعجلت العودة بعد انسحاب الروس، ويبدو أنهم أقاموا في بيت المزرعة، ثم لغموا أرضها، قبل أن نصل جميعا للاطمئنان فقط، فيتحول مرح حفيدتي ناستيا ونشاط حركتها غير المنضبط إلى جرح يبقى أثره مدى الحياة، مشوها أطرافها، ومقطعا أصابع قدميها”.

أحد ضحايا انفجار لغم في منطقة لوغانسك بأقصى شرق أوكرانيا (الفرنسية)

سنوات طويلة لإزالة الألغام

وبعد مرور نحو شهرين على انسحاب القوات الروسية من تلك الضواحي، لا تزال تُسمع في كييف -بين الحين والآخر- أصوات انفجارات لعشرات الألغام والذخائر غير المنفجرة.

هيئة الطوارئ الأوكرانية تؤكد أن الروس تركوا آلاف الألغام خلفهم، في البيوت وأفنيتها، وفي الشوارع وأراضي القتال والتمركز والغابات المجاورة؛ إضافة إلى آلاف الذخائر غير المنفجرة، وخاصة “العنقودية” منها.

وبالتزامن مع جهود حثيثة مستمرة للبحث عن تلك الألغام والذخائر وإزالتها، أصبحت أنباء تعرض مدنيين ومزارعين إلى إصابات ناجمة عنها شأنا يوميا.

المتحدث الصحفي باسم هيئة الطوارئ، أندري تسابلينكو قال للجزيرة نت “في الأيام الأولى بعد الانسحاب، كنا نتعامل يوميا مع أكثر من ألف لغم وذخائر غير منفجرة. مجموعها يقدر بالآلاف في كييف وحدها، والتعامل معها يحتاج إلى ما بين 5-10 سنوات فعلا”.

ودلالة على صعوبة الأمر، يشير تسابلينكو إلى أنه “على مدار الأسبوع الأول من أبريل/نيسان الفائت، مشطنا 20% فقط من أرجاء مدينة إربين، مركزين على البيوت والطرقات. اليوم هي آمنة، لكن الخطر يبقى في الغابات المحيطة”.

Members of a demining team of the State Emergency Service of Ukraine clear mines off a field near the town of Brovary, northeast of Kyiv, on April 21, 2022, amid Russian invasion of Ukraine. (Photo by Aleksey Filippov / AFP)
أعضاء فريق تابع لهيئة الطوارئ الأوكرانية يُزيلون الألغام من حقل في ضواحي كييف (الفرنسية)

روسيا تلغم البر والبحر

ولا تقتصر عمليات نزع الألغام على ضواحي كييف فقط، بل تشمل أيضا عدة مناطق انسحبت منها القوات الروسية في نهاية مارس/آذار الماضي، كمنطقتي سومي وتشيرنيهيف شمال شرق كييف، إضافة إلى الألغام البحرية قرب سواحل أوديسا في الجنوب.

ويرى تسابلينكو أن “روسيا تلغم أوكرانيا برا وبحرا بكثافة، وبدافع القتل والحقد وإلحاق الضرر، لا لأي شيء آخر”، على حد قوله.

ويضيف “لفهم خطورة هذا الأمر، تكفي معرفة أن 8 سنوات تلت معارك إقليم دونباس في 2014 لم تكف لإزالة كل الألغام التي تركها الانفصاليون والمسلحون الروس. هذا نهجهم”، وفق تعبيره.

وتابع “لا أنصح أبدا السكان باستعجال العودة إلى هذه المناطق، ولا أنصح الموجودين بالابتعاد كثيرا في عمق الغابات أو البحر”.

على 14% من مساحة أوكرانيا

ووفق “رابطة خبراء المتفجرات”، تنتشر الألغام والذخائر غير المنفجرة على مساحة تبلغ نحو 14% من إجمالي مساحة البلاد، البالغة نحو 603.7 آلاف كيلومتر مربع.

وفي حديث مع الجزيرة نت، قال عضو الرابطة فلاديسلاف تسورينكو إن “بعض أحياء مدينة كييف الشمالية، وكامل الجزء الشمالي من منطقة كييف الممتد حتى الحدود مع بيلاروسيا، تحولت فعلا إلى حقول ألغام”.

وتابع “نحن أمام مساحة خطرة لا تقل عن 82.5 ألف كيلومتر مربع من أراضي أوكرانيا، وتراجع القوات الروسية من مناطق شرقية وجنوبية أخرى سيزيد هذه الرقعة”.

وقال تسورينكو “نتحدث هنا عن ألغام مضادة للدبابات والأفراد، وعن بقايا صواريخ لم تنفجر، وعملية إزالتها بهذا الكم ومساحة الانتشار تحتاج إلى سنوات طويلة ودعم دولي جاد ومشاركة شعبية؛ حيث نقوم بتنظيم دورات لمتطوعين يرغبون بالمشاركة في عمليات البحث، وتعلم كيفية التعامل مع الألغام”.

المصدر: وكالات + الجزيرة نت

Share.

صحفية عراقية من اربيل خريجة وزارة الاعلام في اربيل سنة 2004

Comments are closed.