عقد رئيس مجلس السيادة الانتقالي في السودان عبد الفتاح البرهان ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد اجتماعا مغلقا على هامش القمة الاستثنائية لقادة مجموعة شرق ووسط أفريقيا للتنمية (إيغاد) بالعاصمة الكينية (نيروبي)، وذلك بعد أيام من تجدد التوتر العسكري في منطقة الفشقة المتنازع عليها من الطرفين.

وقال رئيس مجلس السيادة السوداني -في تصريحات على هامش القمة- إنه ورئيس الوزراء الإثيوبي اتفقا على الالتزام بالحلول الودية لكل المشاكل بين البلدين، سواء المتعلقة بسد النهضة الإثيوبي أو بالحدود بين البلدين.

وأكد البرهان ضرورة إعلاء المصالح المشتركة على ما وصفه بالنزاع والعداوات.

وفي القمة نفسها، شدد رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان على أن السلام والأمن هما حجر أساس التعايش.

وقال إن الدول الأعضاء إذا لم تتحرك بسرعة، فإن المنطقة ستواجه أسوأ مجاعة في التاريخ.

من جهته، قال رئيس الوزراء الإثيوبي إنه اتفق مع البرهان على أن البلدين لديهما كثير من العناصر للتعاون للعمل عليها سلميا، وإن روابط البلدين المشتركة تتجاوز أي انقسامات.

وأكد آبي أحمد أن البلدين ملتزمان بالحوار والحل السلمي للقضايا العالقة.

ويأتي اللقاء بين الرجلين بعد توترات عسكرية شهدتها منطقة الفَشقة الحدودية مع إثيوبيا، إثر اتهام الجيش السوداني الجيش الإثيوبي بقتل 7 من جنوده في المنطقة بعد أسرهم، وهو الاتهام الذي نفته أديس أبابا.

وتتناول قمة نيروبي قضية أزمة الغذاء لدى دول “إيغاد”، بالإضافة الى قضيتي السلم والأمن بين الدول الثماني الأعضاء، كما تتطرق القمة إلى الصراع الإثيوبي والسوداني على الحدود المشتركة بينهما.

حلقة جديدة

ويُعدّ الحادث العسكري الأخير بين السودان وإثيوبيا في منطقة الفشقة حلقة جديدة في نزاع حدودي دائر منذ عقود بشأن أراض خصبة، ويشكل تهديدًا قابلا للتصعيد بين القوتين الإقليميتين.

وأبدى الاتحاد الأفريقي ومنظمة “إيغاد” الإقليمية قلقهما، في حين أكد رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد أنه لا يريد الحرب مع السودان المجاور.

وتبلغ المساحة الزراعية للفشقة 1.2 مليون هكتار إلى منتصف القرن الـ20.

ورُسمت الحدود بين البلدين في اتفاقية وقعت عام 1902 بين إمبراطور إثيوبيا منليك الثاني والسلطات الاستعمارية البريطانية التي كانت تحكم السودان حينذاك.

وتنصّ الاتفاقية على أن الفشقة تقع في ولاية القضارف السودانية، لكن أديس أبابا تطالب منذ سنوات بشريط حدودي تناهز مساحته 250 كيلومترًا مربعًا.

ولم تثمر جولات المحادثات العديدة بين الخرطوم وأديس أبابا في توضيح الترسيم الحدودي.

ولفترة طويلة كان مئات الفلاحين الإثيوبيين يقصدون هذه المنطقة الواقعة بين نهري سيتيت وعطبرة السودانيين لزراعة الأرض في موسم الأمطار رغم محاولات القوات السودانية منعهم.

ومنذ عام 1995 انسحبت القوات السودانية من المنطقة المتنازع عليها وسط تدهور العلاقات مع إثيوبيا التي اتهمت الخرطوم بالوقوف وراء محاولة اغتيال الرئيس المصري حينئذ حسني مبارك في أديس أبابا، وسمحت إثيوبيا للمزارعين الإثيوبيين بالاستقرار هناك.

ومنذ أكثر من عقدين، استقر آلاف المزارعين الإثيوبيين في المنطقة وهم يدفعون الضرائب للدولة الإثيوبية. وفي العقد الأول من القرن الـ21، أكدت تسوية مؤقتة بين أديس أبابا والخرطوم هذا الوضع.

وظلت القوات السودانية خارج المنطقة حتى اندلاع النزاع في شمال إثيوبيا في نوفمبر/تشرين الثاني 2020 بين الحكومة الفدرالية وسلطات إقليم تيغراي.

وفرّ أكثر من 60 ألف إثيوبي من تيغراي التي مزقتها الحرب ولجؤوا إلى ولاية القضارف السودانية.

ومع تركيز الجيش الإثيوبي على تيغراي، أرسل السودان قوات إلى الفشقة، وفق ما أوردت وسائل إعلام رسمية حينذاك، مؤكدا أن الهدف “إعادة الأراضي المغتصبة والتمركز في الخطوط الدولية وفقًا لاتفاقيات عام 1902”.

تكلفة الحرب

وتضاعفت منذ ذلك الوقت الاشتباكات الحدودية التي خلّف بعضها ضحايا، ومن ثم زاد التوتر بين الجارتين.

وفي أحدث واقعة، اتهم الجيش السوداني الجيش الإثيوبي بإعدام مدني و7 جنود سودانيين بعد أسرهم في الأراضي السودانية في 22 يونيو/حزيران.

ونفت السلطات الإثيوبية وقوع الإعدام، واتهمت القوات السودانية بدخول الأراضي الإثيوبية وبدء اشتباك مع مليشيا محلية أوقع ضحايا من الجانبين.

ورأى المحلل في مؤسسة “فيريسك مابلكروفت” بن هنتر أن البلدين يواجهان مشاكل داخلية كبيرة، وأن “مثل هذه الاشتباكات المتفرقة تسمح للنظامين بتعبئة المشاعر الوطنية”.

ورغم تصاعد النبرة العدوانية في الأيام الأخيرة بين جيشي البلدين الأكثر اكتظاظا في منطقة القرن الأفريقي، يعتقد المحللون أنه لا يمكن لأي منهما تحمل كلفة حرب مفتوحة.

لكن “الضغوط الداخلية تجعل التنازلات من جانب القادة الإثيوبيين والسودانيين أشد صعوبة” في ما يتعلق بالفشقة، و”لا يبدو أن أي طرف مستعد للتنازل”، وفق ما أشارت “مجموعة الأزمات الدولية” أخيرًا.

وتضاف الأزمة الحدودية إلى النزاع الخطير حول سد النهضة الإثيوبي الكبير الذي بنته أديس أبابا على النيل الأزرق، ويثير غضب السودان ومصر اللتين تخشيان على أمن إمداداتهما المائية.

والتوتر الحالي بين إثيوبيا والسودان “من المرجح أن يتفاقم عندما تبدأ إثيوبيا الملء الثالث للسد في أغسطس/آب”، حسب بن هنتر.

وفي ظل هذا السياق المتوتر، لا يستبعد محللون تصعيدا محتملا قد يؤدي إلى “نشوب حرب إقليمية”، وفق “مجموعة الأزمات الدولية”.

المصدر: وكالات + الجزيرة نت

Share.

صحفية عراقية من اربيل خريجة وزارة الاعلام في اربيل سنة 2004

Comments are closed.