“الآن يمكنك أن تفقد 5 كيلوغرامات من وزنك في 10 أيام فحسب مع الحمية سالبة السعرات”، ربما تحاصرك مثل هذه الجملة الدعائية أينما توجَّهت ببصرك، في مواقع التواصل الاجتماعي، ويوتيوب، وشاشات التلفاز، وربما تجدها عنوان إصدار جديد في معرض الكتاب. ومَن منا لا يرغب في رؤية نتائج سريعة ومُرضية في إنقاص الوزن دون بذل الكثير من المجهود؟ “كل ما عليك فعله هو تناول الكثير من الكرفس، ودع الباقي لجسدك، فالكرفس يحتوي على سعرات قليلة، مما يتطلَّب من جسدك استهلاك قدر أكبر من السعرات في عملية الهضم من تلك الموجودة في الكرفس الذي تتناوله، والفرق في السعرات سيُحرق من مخزون الدهون لديك”.

 

تبدو هذه الحمية سهلة ولا تحرمك من الطعام كما تفعل الحميات الأخرى، إذ لا تطلب منك أن تكف عن تناول نوع بعينه من الأطعمة، وفي الوقت نفسه تَعِد بفقدان الكثير من الوزن في وقت قصير. ولكن إذا كانت هذه الصورة تبدو أجمل من أن تكون حقيقية، فهي على الأغلب ليست كذلك حقا. فما الحمية سالبة السعرات؟ وهل هي أكذوبة جديدة في عالم الحميات؟

 

سعرات سالبة

ظهرت الحمية سالبة السعرات لأول مرة في أواخر التسعينيات، وصدرت منذ ذلك الوقت عدة كتب ومواقع كرَّست مهمتها من أجل الدعاية لتناول الغذاء سالب السعرات من أجل فقدان الوزن. تتبنَّى هذه الحمية نظرية تشرحها “كاليسي جيوفو” في كتابها “السعرات السالبة” الصادر عام 2016: “يعمل هذا النظام الغذائي بناء على مبدأ واضح: نحن نحرق السعرات أثناء هضمنا للطعام”. بالطبع لا تحتوي الأطعمة في ذاتها على سعرات سالبة، ولكن المبدأ الذي يُروِّج له هذا الكتاب، وما شابهه من كتب، هو أن بعض الأطعمة تستهلك سعرات لهضمها أكثر مما توفره من سعرات، لذا تصبح النتيجة النهائية بالسالب.

 

دعونا نُبسِّط الأمر بمثال، إذا افترضنا أن 100 غرام من الكرفس تحتوي على 10 سعرات حرارية، والسعرة الحرارية هي وحدة لقياس الطاقة التي يحتويها الطعام، وأن جسمك يحتاج إلى 15 سعرة لهضم هذه الكمية، ساعتها سيستهلك جسمك السعرات العشر الموجودة في وجبتك، ثم يطرح 5 سعرات إضافية من مخزون الدهون لديك. هكذا يصبح الكرفس طعاما سالب السعرات، وتبدأ أنت بخسارة وزنك من خلال تناوله، بدلا من منع نفسك من أطعمة بعينها.

 

معظم الأطعمة التي تدَّعي هذه الحمية أنها سالبة السعرات تنحصر في الفواكه والخضراوات ما عدا الأفوكادو والزيتون لاحتوائهما على الدهون، وأشهر هذه الأطعمة هي العائلة الباذنجانية التي تضم الباذنجان والطماطم والبطاطس والفلفل بألوانه والتفاح والخس والجزر والخيار على سبيل المثال. المشترك بين هذه الأطعمة هو أنها تحتوي على نسبة كبيرة من الألياف والمياه، وتؤدي إلى الشبع دون استهلاك الكثير من السعرات الحرارية.

تضم الأطعمة سالبة السعرات الفلفل والباذنجان والطماطم، بالإضافة إلى الكرفس والخس والجزر.
تضم الأطعمة سالبة السعرات الفلفل والباذنجان والطماطم، بالإضافة إلى الكرفس والخس والجزر.

يستهلك الجسم نسبة مئوية معينة من السعرات التي نتناولها لهضم وامتصاص الطعام، وتُمثِّل 5-15% من إجمالي استهلاك الطاقة اليومي. (1) تشمل مصادر استهلاك هذه الطاقة عملية مضغ الطعام، ثم هضمه وامتصاص العناصر الغذائية وتخزينها أو استخدامها في خلايا الجسم (2)، لكن الحقيقة أن هذه النسبة من السعرات ضئيلة جدا لتُحدِث أي فارق حقيقي في الوزن. وحتى تناول كوب من الماء البارد، العنصر الغذائي الوحيد الذي لا يحتوي على أي سعرات حرارية، يحرق 24 سعرة فقط في الساعة. يبدو أن النظرية التي بُنيت عليها هذه الحمية لا أساس لها من الصحة، وعلى الرغم من ذلك، تستمر عمليات الدعاية حولها بلا رادع.

 

الحمية الأكثر مبيعا

لو كان الأمر يقتصر على تبادل النصائح عبر مجموعات الحميات الغذائية على وسائل التواصل الاجتماعي، مثل مجموعة “هيلث كيبرز” (Health Keepers) على فيسبوك التي تضم أكثر من 3 ملايين متابع عربي، ربما لم يكن الأمر ليصبح مشكلة. ولكن عندما يُرَوَّجُ لهذه الحمية من خلال التلفاز والبرامج الطبية الشهيرة، وتُوضع الكتب الخاصة بها على أرفف أعلى الكتب مبيعا، فلا بد من الحذر.

 

يقول روكو دي سبيريتو (Rocco DiSpirito) خبير تغذية المشاهير، مُروِّجا لكتابه “الحمية سالبة السعرات”، في لقائه مع تانيا ريفيرو في برنامج “لنش بريك” (Lunch Break) لصالح صحيفة وول ستريت: “البروتينات تتكوَّن في غالبها من الماء والكثير من ألياف العضلات بالطبع، وتزيد من معدل الأيض عند تناولها، ما دامت خالية من الدهون”، ثم ذكر عدة أمثلة على البروتينات سالبة السعرات مثل صدور الدجاج والقريدس واللحم الأحمر الصافي. لكن ذلك ببساطة خاطئ، إذ يحتوي كل 100 غرام من صدور الدجاج على 154 سعرا، يستهلك الجسم 30% فقط منها في معالجة الوجبة، لذا لا يمكن بأي حال اعتبارها غذاء سالب السعرات.

كتاب الحمية سالبة السعرات - روكو دي سبيريتو
كتاب الحمية سالبة السعرات – روكو دي سبيريتو

استُضيف “دي سبيريتو” عدة مرات في أشهر برامج الصحة الأميركية مثل “ذا دكتورز” (The Doctors)، و”د. أوز” (Dr. Oz)، وحتى برنامج “ريتشل راي” (Rachael Ray) الشهير. (3) هذه البرامج كانت أو ما زالت تُعرض مترجَمة على إحدى القنوات العربية، لذا فما تروِّج له من معلومات طبية وحميات غذائية قد لا تكون صحيحة بالضرورة، وتصل إلى مختلف الدول والثقافات. يدفعنا هذا إلى التساؤل حول مصداقية مثل هذه البرامج الطبية، وسر ترويجها لما هو غريب ومثير دون الاهتمام بالحقائق العلمية وراء المنتج.

 

اليوم، تحوَّلت الأنظمة الغذائية بشكل متزايد إلى “منتجات” استهلاكية مثل الكتب والدورات وتطبيقات الهاتف أيضا. وهناك، في متاجر البقالة، ستجد ممرا مُخصَّصا “لأطعمة الحمية” منخفضة السعرات وعالية الألياف وغالية الأسعار. لم يعد الأمر يتعلَّق بالصحة فقط، فمع بحث مئات الملايين حول العالم عن حلول لخفض أوزانهم، تحوَّلت الحميات الغذائية إلى تجارة رابحة تُوظَّف فيها بكثافة المعلومات المغلوطة، وتلك المعلومات غير المستندة إلى أدلة علمية.

 

حسنا، لا توجد حتى اليوم دراسة علمية واحدة تؤكد فعالية الحمية سالبة السعرات، أو تدعم حتى مبدأ السعرات السالبة الذي تقوم عليه الحمية. على الناحية الأخرى، يوجد المئات والآلاف من الدراسات التي حاولت سبر أغوار الحميات الشهيرة الأخرى مثل حمية البحر الأبيض المتوسط، والباليو، والكيتو، وغيرها.

 

على سبيل المثال، لوحظ أن سكان إيطاليا وجزيرة كريت خلال القرن العشرين كانوا يتمتعون بمعدلات حياة أعلى ونسبة أقل من أمراض القلب، على الرغم من ضعف الأنظمة الصحية في هذه البلاد. لذا، اتجه الباحثون لدراسة تأثير الحمية التي يتبعونها على صحة القلب ومعدلات الوفيات. تحتوي حمية البحر الأبيض المتوسط على زيت الزيتون البكر والمكسرات والفواكه والحبوب والبقوليات مع القليل من البروتين الحيواني المُتمثِّل في الأسماك والمأكولات البحرية، والقليل جدا من اللحوم الحمراء ومنتجات الألبان. وجدت عدة دراسات أن هذه الحمية العالية في الدهون الصحية والألياف، قليلة اللحوم الحمراء، نجحت بالفعل في تقليل خطر الإصابة بأمراض القلب لدى الأشخاص الأكثر عُرضة للإصابة. (4)

تحتوى حمية البحر الأبيض المتوسط على الكثير من الخضروات والبقول والحبوب والمكسرات بالإضافة إلى زيت الزيتون البكر.
تحتوى حمية البحر الأبيض المتوسط على الكثير من الخضروات والبقول والحبوب والمكسرات بالإضافة إلى زيت الزيتون البكر.

حتى حمية الكيتو المثيرة للجدل، التي اختلف الكثيرون حول أضرارها ومنافعها، دُرِست باستفاضة. تتضمَّن حمية الكيتو أن تحصل على 70% من سعراتك من تناول الدهون، مع تقليل النشويات إلى الحد الأدنى. أُجريت عدة دراسات حول تأثير حمية الكيتو على مرضى السكر من النوع الثاني الذين يعانون من مقاومة الإنسولين. وجدت بعض الدراسات تحسُّنا لدى المرضى من حيث فقدان الوزن وانخفاض مقاومة الإنسولين، بينما لم تجد دراسات أخرى أي فرق بين حمية الكيتو وبين الحمية منخفضة الدهون. (للمزيد اقرأ تقرير ميدان: الوجه الآخر لحمية الكيتو.. لأنه لا توجد حلول سحرية لفقدان الوزن!)

 

نجاح في غير محله

ولكن في حين أن حميات الأطعمة سالبة السعرات تفتقر إلى أي سند علمي، فإنها تُحرز نجاحا خادعا في بعض التجارب الشخصية. في كتابه “الأطعمة التي تفقدك الوزن“، يدَّعي د. نيل بارنارد (Neal Barnard)، الطبيب الأميركي والباحث في التغذية في جامعة جورج واشنطن بالعاصمة الأميركية، أن الأطعمة سالبة السعرات أثبتت فاعليتها لدى الآلاف من الرجال والنساء الذين جرَّبوها، بل إنها -حسب قول بارنارد- تؤدي إلى “التحكم الدائم في الوزن، الذي يَعِد به كل نظام غذائي ولكن لا يفي به”. (5) ما السر إذن وراء نجاح هذه الحمية رغم غياب الدليل العلمي على فعاليتها؟

كتاب "الأطعمة التي تُفقدك الوزن" لـ د. نيل بارنارد
كتاب “الأطعمة التي تُفقدك الوزن” لـ د. نيل بارنارد

تعتمد الحمية سالبة السعرات بالأساس على الخضراوات والفواكه ذات النسبة العالية من المياه والألياف، وبالإضافة إلى انخفاض محتواها من السعرات، فإن هذه الأطعمة تساعد على الشعور بالشبع، ولا تترك مكانا في معدتك لتناول شطيرة هامبرغر دسمة. بالإضافة إلى ذلك، فإنها غنية بالفيتامينات والمعادن المهمة لصحة الجسم. لذا، من الطبيعي أن تساعدك هذه الحمية على فقدان الوزن، ﻷن السعرات التي تتناولها أقل من التي يحتاج إليها جسدك للقيام بوظائفه اليومية، لذا يبدأ في حرق السعرات المختزنة على هيئة دهون. ولكن الاكتفاء بتناول هذه الأطعمة والتخلي عن باقي العناصر الغذائية قد لا يكون نظاما صحيا تماما.

 

الاكتفاء بتناول الأطعمة ذات السعرات القليلة من الفواكه والخضراوات، والتخلي عن تناول ما عداها من أطعمة غنية بالبروتين والدهون المغذية، قد يحرمك من العديد من العناصر الغذائية المهمة. يأتي فيتامين “ب12” (B12) على رأس القائمة، الذي يؤدي نقصه إلى الأنيميا وفقدان التركيز والصداع والإرهاق والاكتئاب. قد تتسبَّب هذه الحمية أيضا في نقص الكالسيوم الضروري لبناء وصحة العظام، والحديد المهم في تكوين كريات الدم الحمراء. كما أن الامتناع عن تناول الدهون قد يؤثر على امتصاص فيتامينات (أ، د، هـ، ك) التي تعتمد في امتصاصها على وجود دهون في الوجبة.

يؤدي نقص فيتامين ب12 إلى الإصابة بالأنيميا والشعور بالإرهاق وقلة التركيز.
يؤدي نقص فيتامين ب12 إلى الإصابة بالأنيميا والشعور بالإرهاق وقلة التركيز.

بالإضافة إلى الأضرار السابقة، فإن تناول حمية منخفضة السعرات إلى هذا الحد قد يؤدي إلى نتائج عكسية. وجدت الدراسة المنشورة في دورية “جورنال أوف ذا إنترناشونال سوسايتي أوف سبورتس نيوتريشن” (Journal of the international society of sports nutrition) أن الحد من تناول السعرات الحرارية قد يؤدي إلى نتائج عكسية فيما يخص فقدان الوزن لدى الرياضيين الراغبين في الحصول على شكل الجسم الرياضي وتحسين كفاءتهم الحركية. يقاوم الجسم هذا النقص في السعرات عن طريق التلاعب في الهرمونات بهدف الحفاظ على الوزن وعدم فقدان المزيد، مما يؤدي إلى ثبات الوزن في النهاية. (6)

 

للحصول على فوائد هذه الأطعمة منخفضة السعرات، عليك ألا تكتفي بتناولها دون غيرها، ولكن أن تدمجها داخل نظام صحي متكامل يحتوي على البروتين والدهون الصحية والكربوهيدرات أيضا، بالإضافة إلى شرب الكثير من الماء. (7)

 

في هذا العالم الذي لا يتوقف عن الركض، تزدهر الحميات الكاذبة التي تَعِدك بفقدان الوزن السريع والسهل، وتزداد مصداقيتها عندما تشاهد طبيبا يبدو ذا مصداقية يُروِّج لها على التلفاز. لحُسن الحظ، هناك وصفة سهلة تُمكِّنك من أن تُقرِّر بنفسك إن كانت هذه الحمية صحية أم لا. إذا كانت الحمية -أي حمية- تقتصر على نوع واحد من الأطعمة وتستبعد البقية، أو ترفع آمالك في فقدان الوزن السريع والمستمر دون جهد، فعلى الأغلب فإن هذه الحمية خدعة كبيرة يسعى أصحابها لبيع “منتجاتهم” من كتب وحلقات وتطبيقات، على حساب طموحاتك المشروعة لإنقاذ وزنك والتمتع بحياة صحية في نهاية المطاف.

———————————————————————————

المصادر

  1. Diet-induced thermogenesis: fake friend or foe? in
  2. Do Negative-Calorie Foods Exist? Facts vs Fiction
  3.  Dr. Oz Show
  4. Diet Review: Mediterranean Diet | The Nutrition Source | Harvard TH Chan School of Public Health
  5. Foods That Cause You to Lose Weight : The Negative Calorie Effect
  6. Metabolic adaptation to weight loss: implications for the athlete
  7. Eat well – NHS

المصدر: وكالات + الجزيرة نت

Share.

صحفية عراقية من اربيل خريجة وزارة الاعلام في اربيل سنة 2004

Comments are closed.