مراكش- تطلّ الحكواتية المغربية حجيبة الأزلية على جمهورها بوجهها البشوش ولباسها التقليدي وصوتها النافذ، تزين كلماتها الرقيقة بأبيات شعرية من بنات أفكارها وأخرى من الموروث الشفوي الشعبي.

في دار الشعر بمراكش، تحوّل الفضاء إلى “حلْقة” تحاكي حلْقات ساحة جامع الفنا الشهيرة، حيث يتحلق الرواد بحثا عن “الفرجة” في حكايات مشوقة ومثيرة.

حجيبة ترسم في أمسية رمضانية صورا جميلة في ذهن المتلقي تحاكي بطولات وسيرا. تقول للجزيرة نت، “يجمع الشعر والحكاية ذلك الإحساس الصادق، والنبرة الموزونة، من أجل خلق الدهشة وأيضا الرهبة لدى المتلقي”.

محمد باريز من أشهر الحكواتيين في المغرب (الجزيرة)

ولادة عشق

حيث وجد الإنسان وجدت الكلمة كما قيل ويقال، والشعر والحكاية كلمتان ولدتا عن قصة عشق في ساحة جامع الفنا الشهيرة بالمدينة الحمراء، كما تقول حجيبة الأزلية.

ويرى الناقد والشاعر السعيد أبو خالد -في حديث للجزيرة نت- أن هذه القصة عريقة، فمنذ الإغريق كانت الملاحم شعرا تحكي أمجاد وبطولات عديدة، وكانت التراجيديا عند “سوفكلس” أيضا حوارا شعريا، ولدى العرب كذلك بعض كتب السير (العنترية، الأزلية)، كما كان كتاب ألف ليلة وليلة يحوي العديد من الحكايا التي يمتزج فيها السرد بأبيات شعرية تناسب مواقف الشخصيات وتلخص أحوالهم ضمن مسار حكائي.

السعيد أبو خالد
الناقد المسرحي والشاعر السعيد أبو خالد (الجزيرة)

فيما يقول الباحث المغربي صاحب كتاب “أسرار الحكواتي: جماليات الحكي وذخائر السير الشعبية” أسامة الخضراوي، للجزيرة نت، إن الشعر كان دائما ملازما للحكواتي الذي ينهل نصوصه من قصائد محلية أو عربية بل عالمية.

تجارب رائدة

في تلك الأمسية، تُناوِل حجيبة الكلمة إلى الحكواتي مصطفى الحنش، وتتناوب مع الشاعرين إدريس الطلبي وفاطمة بصور في إبهار الجمهور بـ”حكايات وأشعار”.

الطالبي
المسرحي والشاعر إدريس الطلبي (الجزيرة)

تستحضر الأزلية في حديثها للجزيرة نت بداياتها مع الحكي وهي في سن صغيرة، مبرزة أن نشأتها بين كتب السير والحكايات وقربتها من أبيها عبد الرحيم الأزلية -وهو مؤسس مدرسة للحكاية قائمة بذاتها بحسب نقاد- مما أكسبها ذلك الحس الشعري المرهف.

مثلها مثل أبيها وحكواتيين باتوا على رؤوس الأصابع في المدينة الحمراء، تعمل حجيبة على “خلق جسر تواصل يجمع فن الحكاية بالشعر”. ويضيف أبو خالد أنهما نجحا في دمج المتن الصوفي في حكايا شعرية جميلة معتمدة على نص حكائي من كتاب “منطق الطير لفريد الدين العطار” الذي أعده الدكتور إبراهيم الهنائي، وحكى الاثنان أطواره في مجموعة من الحكايات خاصة في حكاية الشيخ صنعان، متسلحين بفن الحكاية لصنع الفرجة والمتعة بجميع تجلياتها بنجاح.

تقارب وتباعد

للشعر سحره الخاص وللحكاية وجهها المشرق، لكن يجمع بينهما الحس الفني والأدبي والبحث عن إمتاع وإيناس المتلقي.

ويبرز الخضراوي أن الشعر كان دائما في حياة الإنسان، والعلاقة بين الشعر والحكاية أو “فن القول” مثل الوجه والظهر لا يمكن الفصل بينهما، حيث نجدهما معا في الحكايات القديمة والسيَر الشعبية. والحكواتي له فضل الحفاظ على الموروث الثقافي ومنه الشعري، والصلة بين الأجيال والحوار بين الثقافات والحضارات بلغة راقية.

فيما يشير أبو خالد إلى أن الحكواتي يوظف الإيقاع الموسيقي الناجم عن تكرار القوافي وحروف الروي، كما يستعمل السجع ليجذب المتلقي ويوقظ انتباهه.

ويرى أن قواعد الشعر وضوابطه تختلف عن قواعد السرد والحكي، لكن التداخل و التقاطع بين الجنسين قائم، فقد يستثمر الشاعر تقنيات الحكي في موقف شعري معين، فنجد بعض مكونات الحكي من شخوص وأحداث وفضاءات لخدمة الرؤية الشعرية التي يصدر عنها الشاعر. وكذلك الأمر بالنسبة للحكواتي الذي يستهدف دوما شد انتباه السامع، فيلجأ إلى استثمار كل ما يخدم هذا الهدف بما في ذلك الشعر.

الحكواتي مصطفى
الحكواتي مصطفى الحنش (الجزيرة)

رأي آخر

في مقابل ذلك، ترى الأكاديمية المغربية نجيمة طايطاي -في حديث للجزيرة نت- أن الشعر يختلف عن الحكاية جوهريا، لأن كلا منهما يعتمد على خصائص وقواعد وبنية سردية، فإذا الشاعر مبدع لقصيدته باسمه الفردي، فإن الراوي ينوب عن الضمير الجمعي بصيغة “الهو”. لكنهما يلتقيان في التعبير ببساطة ومرونة عن خوالج النفس والمواقف الإنسانية وطرق العيش، وعلاقاتهما مع الذات والطبيعة، واختيار شخصيات غرائبية، من الموروث الحكائي، مع القدرة على الاستمرار والانتقال من جيل إلى جيل.

وتشرح الخبيرة الدولية في التراث غير المادي أن أمير الشعراء أحمد شوقي كتب مجموعة من الأشعار على شكل حكايات، منطلقا من حكايات شعبية موروثة، ناجحا في إعادة بنية الحكاية الشعبية وصيغتها بطابع موسيقي مرن ومشوق على لسان الحيوان والجماد، لكن ذلك لا يسري على كل الشعراء الذين استلهموا بعض الأسماء والرموز والأدوات من الحكايات الشعبية، واستعملوا خصائص الحكاية لإغناء قصائدهم وخدمة نصهم الشعري والتخلص من بعض قيود النظم التقليدية والصنعة النظمية، مثل نزار قباني وتوفيق زياد وسميح القاسم.

أما الحكواتيون والرواة “شيوخ الكلام”، كما هي حال حجيبة، فإنهم يستلهمون حكاياتهم من الموروث الشعبي، أو من بنات الكتب المعروفة، ويعيدون حكايتها بطريقتهم وأحاسيسهم.

المصدر: وكالات + الجزيرة نت

Share.

صحفية عراقية من اربيل خريجة وزارة الاعلام في اربيل سنة 2004

Comments are closed.