ما إن دخل “الفصح اليهودي” موعده يوم الجمعة الماضي حتى تتالت اقتحامات المستوطنين لعشرات المواقع الأثرية والدينية الفلسطينية، كان أخطرها ظهر أمس الثلاثاء بعد أن اقتحم أكثر من 10 آلاف مستوطن إسرائيلي جبل الظهور (مستوطنة حومش المخلاة) الجاثم على أراضي قرية برقة قرب مدينة نابلس شمال الضفة الغربية.

وسبق ذلك اقتحامات مكثفة للمسجد الأقصى ومحاولات المستوطنين تقديم قرابين بداخله، فضلا عن تدنيس الحرم الإبراهيمي بمدينة الخليل، وسط حالة سياسية فلسطينية مشوبة بالحذر والخطر معا، خشية تصعيد يلوح بأفق الضفة الغربية وقطاع غزة.

ولم يكن اقتحام “حومش” وسواها خاطفا وسريعا، بل استمر لعدة ساعات جرى الإعداد لها بشكل كبير، حيث احتشد آلاف المستوطنين قرب مستوطنة “شافي شمرون” وانطلقوا عبر حافلات كبيرة إلى “حومش”، وسط حراسة مشددة من جيش الاحتلال الذي استبق هذه المسيرة وأغلق مدخل برقة والقرى المجاورة وطريق شارع جنين نابلس الرئيس لحماية المستوطنين.

وشارك بالاقتحام شخصيات سياسية إسرائيلية بينها إيتمار بن غفير النائب بالكنيست الإسرائيلي والمعروف بتحريضه ضد الفلسطينيين، والمتطرف بتسلال سموترتش رئيس حزب الصهيونية الدينية.

جانب من اقتحام المستوطنين لمستوطنة حومش المخلاة (مواقع التواصل)

دلالات الحشد

وهذا الحشد الاستيطاني يرجعه المختص الفلسطيني بالشأن الإسرائيلي عزام أبو العدس، للتعبئة والتحريض الكبير ولجهود متواصلة على مدى سنوات للجمعيات الاستيطانية التي أدرجت نحو 300 موقع أثري وديني بالضفة الغربية بالمناهج التعليمية الخاصة بها.

وأدت قوة هذه الجمعيات التي تحظى بدعم حكومي، لخلق تنافس بين الأحزاب الإسرائيلية لدعمها وكسب ودها.

يضاف لذلك قناعة المستوطنين ومحاولاتهم الكثيفة والمنصبة بضرورة العودة لمستوطنات الضفة (5 مستوطنات ومعسكرات للجيش) التي أخليت عام 2005 ضمن خطة الإخلاء أحادية الجانب التي نفذتها حكومة شارون آنذاك، ومنها مستوطنة حومش، وإعادة بنائها.

وحول هذا الأمر، كشف أبو العدس أن مفاوضات تجري الآن بين الجمعيات الاستيطانية وحزب الليكود بزعامة بنيامين نتنياهو، اشترط فيها المستوطنون أن يكون إعادة بناء المستوطنات المخلاة جزءا أساسيا من حملته الانتخابية.

كما استغل المستوطنون ركود المقاومة الفلسطينية بالضفة الغربية منذ عام 2007، حيث تعاظمت خلال هذه السنوات قوتهم وارتفعت أعدادهم من 130 ألفا إلى 800 ألف مستوطن الآن في أكثر من 300 مستوطنة وبؤرة استيطانية، ويسعون للوصول “لمشروع المليون مستوطن بالضفة والمخطط له منذ 4 عقود” نهاية 2025.

وسبق هذا الاقتحام الاستيطاني لحومش بالأمس اقتحام مماثل وبضعف العدد في ديسمبر/كانون الأول الماضي عندما توغل فيها أكثر من 20 ألف مستوطن عقب مقتل مستوطن إسرائيلي عند مدخلها على يد مقاومين فلسطينيين.

الشبان فلسطينيون حاولوا التصدي لاقتحام المستوطنين فتصدى لهم جيش الاحتلال وأصاب منهم العشرات (الجزيرة)

استعراض وابتزاز

ولعلَّ هذا التوقيت -وفق أبو العدس- هو الأنسب للأحزاب الاستيطانية، فهي من ناحية تريد أن تستعرض قوتها في الشارع وعلى الحكومة الإسرائيلية التي تشهد تفتتا وانهيارا تدريجيا بفعل الاستقالات المتلاحقة فيها.

كما أنها تبتز الأحزاب السياسية الأخرى وتدعم من يحقق مطالبها، خاصة أن تلك الأحزاب الاستيطانية أصبحت تعد من 12 إلى 15 مقعدا في الانتخابات، بسبب تراجع اليسار كقوة مكافئة لليمين الإسرائيلي.

ورغم ذلك لا تسعى حكومة الاحتلال لأي تصعيد، يقول أبو العدس، وتعتبر أن “الضربة القاضية” التي قد تصيبها هي الانتفاضة بالضفة وبالتالي صدام بين مليوني فلسطيني و800 ألف مستوطن، وهو ما لا يمكنها احتواؤه، “ولكن المستوطنين يريدون جرها لذلك”.

ورغم ذلك فإن “المتعقلين” بالمؤسسة الأمنية الإسرائيلية، بوصف أبو العدس، يرون في أي انتفاضة خطرا شديدا جدا، كون أن دولة الاحتلال لن تستطيع أن تحارب على 4 جبهات هي غزة والضفة والداخل الفلسطيني المحتل وجبهة الخارج (الشتات).

ولهذا خففت إسرائيل إجراءاتها الأمنية على مدينة جنين وبقية مدن الضفة وأعادت التسهيلات الاقتصادية وتجاوبت مع الوسيط المصري بوقف التصعيد بغزة واستخدام “الرد المحدود” عليه، ووقف الاقتحامات بالضفة.

من مسيرة ضخمة نظمها أكثر من 20 ألف مستوطن باتجاه حومش أواخر ديسمبر/كانون الأول الماضي (الجزيرة)

حشد وظروف

وفي حين اتفق السياسي الفلسطيني ووزير هيئة الجدار والاستيطان الأسبق وليد عساف مع أبو العدس على أن المستوطنين الآن يحشدون لاعتقادهم أن الظروف مواتية لتنفيذ برامجهم في الأقصى وبمشروع إعادة المستوطنات المخلاة عام 2005، فإ رأى أن لا فرق بين المستوطنين ومنظماتهم “الإرهابية” ومخططاتهم وبين الحكومة الإسرائيلية ومخططاتها.

ويقول عساف للجزيرة نت إن حكومة بينت الاستيطانية تنفذ برنامجها “غير المعلن”، لاعتقادها أن الظروف مواتية الآن أكثر مع انشغال العالم بالحرب الروسية الأوكرانية وبحالة التطبيع العربي المتهافت تجاه إسرائيل وظهر آخره في “قمة النقب” قبل رمضان.

ويعتقد عساف أن إسرائيل حسمت موقفها بأن لا سلام ولا حتى مفاوضات مع الفلسطينيين، وذهبت لتكريس الأمر الواقع عبر مخطط الكنتونات المغلقة والمعزولة عن بعضها بالضفة “وهذا دخل حيز التنفيذ”، وكذلك إقرار مخطط التقسيم الزماني والمكاني في المسجد الأقصى الذي أقرَّه المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر (الكابنيت) قبل أسبوعين والبدء بتنفيذه بشكل كامل.

وسياسيا يؤكد عساف أن الموقف الفلسطيني حتى الآن ليس بحجم الخطوات التي تتخذها الحكومة الإسرائيلية والمستوطنون، ويقول إن إسرائيل تنفذ مشروعا ضخما وتسعى لفرض واقع جديد بالضفة والأقصى، مستغلة العمليات الفدائية الأخيرة داخل تل أبيب، وهذا يشبه بحجمه “مشروع تشييد جدار الفصل العنصري قبل 20 عاما عندما استغلت العمليات الاستشهادية الفلسطينية لذلك”.

تجمع حافلات المستوطنين قبل انطلاقها إلى حومش (مواقع التواصل)

ضعف فلسطيني

وبالوقوف على وضع الفلسطينيين السياسي، فهم بحال لا يحسدون عليه أدى لمثل هذه الاقتحامات للمستوطنين والتوغلات بالآلاف، بحسب المفكر والسياسي الفلسطيني مصطفى البرغوثي.

ويضيف البرغوثي أن الحركة الصهيونية “فاشلة” لأنها لم تستطيع أن تلغي الوجود الإنساني الفلسطيني، فهو ليس مجرد وجود كمي بل وجود مقاوم أيضا.

ورغم ذلك فهو يدرك أن المستوطنين هم القوة الحاكمة سياسيا الآن، وهم من يقررون نجاح أو سقوط أي حكومة، وأن “بينيت” هو مستوطن ويمثل حركة مستوطنين، وبالتالي نتحدث عن حركة استيطانية أصبح لها اليد الطولى بتقرير السياسة الإسرائيلية وكل النظام السياسي الإسرائيلي يخضع لمصالحها.

وأمام كل هذا لا خيار أمام الفلسطينيين إلا بإنهاء الاحتلال وإسقاط نظام الفصل العنصري الإسرائيلي (الأبارتهايد) بكل فلسطين التاريخية، يقول البرغوثي.

المصدر: وكالات + الجزيرة نت

Share.

صحفية عراقية من اربيل خريجة وزارة الاعلام في اربيل سنة 2004

Comments are closed.