رام الله- استنادا إلى تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزيرة الاستيطان أوريت ستروك ومسؤولين آخرين، فإن من بين أهداف اقتحام مخيم جنين: استعادة معادلة الردع، وتحقيق حرية الحركة للجيش الإسرائيلي في المخيم والأمن للمستوطنين على الطرقات، و”تدمير البنية التحتية للإرهاب وإنتاج المتفجرات”.

ووفقا لخبيرين اثنين تحدثا للجزيرة نت، فإنه بالنظر إلى نتيجة الاقتحام، فإن النهاية كانت “فضيحة كبرى” وشكلت “فشلا ذريعا” وفق المعيطات على الأرض بالمَعنيين السياسي والعسكري، مما خلق حالة ومعادلة جديدة خرج بها المخيم أقوى من ذي قبل.

وفجر الاثنين الماضي، اقتحم جيش الاحتلال مخيم جنين، في أوسع عملية له منذ عملية السور الواقي عام 2002، وشارك في الاقتحام أكثر من 3 آلاف جندي و200 آلية عسكرية وعشرات الطائرات.

وفجر اليوم الأربعاء، انسحب الجيش من المدينة ومخيمها تحت النار، مخلفا 12 شهيدا ونحو 120 جريحا، ودمارا هائلا في المنازل والبنية التحتية.

هروب تحت النار

يقول مدير البحث في المركز الفلسطيني للدراسات والبحوث الإستراتيجية خليل شاهين، إن الأهداف المعلنة من الجانب الإسرائيلي “كبيرة وذات طابع إستراتيجي”.

وأضاف أن هدف “استعادة الردع” جاء إثر تآكله، خاصة بعد معركة جنين يوم 19 يونيو/حزيران الماضي وإعطاب مركبة “النمر” وإصابة مروحية بالرصاص، في مشهد ظل حاضرا في ذهن قادة المؤسستين العسكرية والسياسية بإسرائيل، لكن هذا لم يتحقق بسبب خسائر الجيش أثناء انسحابه.

وتابع أن هدف الاحتفاظ بالقدرة على حرية الحركة للجيش دون أي مقاومة في جنين، من حيث إمكانية الاقتحام والدخول والخروج من المدينة والمخيم، يعني القضاء على المقاومة، لكنه باء بفشل ذريع.

ويقول شاهين إن الجيش تحدث بداية عن ملاحقة 350 مسلحا فلسطينيا، ثم تراجع إلى 160 مطلوبا، وفي الواقع قتل 12 فلسطينيا بينهم أطفال.

أما عن هدف “الحفاظ على بيئة آمنة” للمستوطنين ومنع إطلاق النار عليهم وفي الطرق التي يمرون منها، فقد كان العكس، وتزايدت عمليات إطلاق النار أثناء الاقتحام، وفق شاهين.

ويرى المحلل الفلسطيني أن العملية الإسرائيلية “فاشلة تماما بالمعنى العسكري، وشاهدنا انسحابا تحت النار أقرب إلى الهروب، قتل خلاله جندي وأصيب آخرون، في فضيحة مدوية للجيش وقياداته”.

وأضاف “لم يتمكن الجيش الذي يبحث عن حرية الحركة من التقدم في المخيم، وانحصرت عملياته في أقل من كيلومتر مربع  جنوب غرب المخيم، بل إن كتيبة جنين استعادت زمام المبادرة وواصلت شنّ الهجمات”.

وأشار إلى تسريبات استبقت الانسحاب، تتحدث عن توصيات من المستوى العسكري بضرورة إنهاء العملية لعدم تحقيق أهدافها، وأن “الجيش ذهب لاستعادة الردع فخرج بطريقة مهينة، وتضرر أكبر في الردع”.

دلالة صواريخ غزة

وفي قراءته لإطلاق 5 صواريخ من قطاع غزة بالتزامن مع إنهاء العملية، يقول شاهين إن ذلك شكل ضربة لنتنياهو الذي صرّح بأن حماس والجهاد رُدعتا وتلقتا ضربة قاصمة.

وتابع “ذكّرته المقاومة في غزة أنها حاضرة، وأنه كان يمكن لها أن تتدخل من البداية، لكنها انتظرت حتى يتم صدهم ببسالة في جنين”.

ويرى شاهين أن “ما تحقق عكس ما أرادته المؤسسات السياسية والعسكرية في إسرائيل، فالمقاومة لم تنته وظل المقاومون يطلقون النار طوال فترة الاقتحام، ثم جاءت عملية الدعس والطعن في تل أبيب كنتيجة لتلك العملية”، لافتا إلى أنه في الوقت الذي ذهبت فيه النخبة العسكرية إلى مخيم جنين، تمكن فلسطيني واحد من إيقاع أكبر عدد من الخسائر بين الإسرائيليين في تل أبيب.

هل يتجرع الجيش مرارة الهزيمة؟

وعن شكل التعامل الإسرائيلي مستقبلا مع مخيم جنين، يرى شاهين أنّ من الصعب عليه تجرُّع مرارة هذه الهزيمة، وسيحاول استعادة صورة الردع ولو بشكل شكلي من خلال محاولة المس بالمقاومين أو تحقيق “صيد ثمين” من خلال الجو أو الوحدات الخاصة، لأن التقدم البري بات مكلفا جدا ونتائجه عكسية.

مع ذلك لا يستبعد استمرار الاجتياحات ومحاولة دخول جنين أو أجزاء منها بطريقة تشكل حالة ضغط على المخيم من أطرافه، وهنا يشير إلى محاذير تتعلق بالعبوات “التي باتت تخلق حالة من الردع للقوات، والقلق والخوف لدى الجنود الذين اختبؤوا في البيوت ولم يتجرؤوا على النزول إلى الشوارع”.

وعلى صعيد الفصائل الفلسطينية، يقول شاهين إن المعركة أظهرت مدى تطور قدرات كتيبة جنين والمقاومين بشكل عام، من حيث التخطيط والتنظيم والأدوات وخاصة البنادق الرشاشة واستخدام العبوات الناسفة، مشيرا إلى أن الجيش فشل في العثور على مخازن أسلحة أو عبوات كبيرة، وما عرضه يسمى محليا “أكواع”، ويمكن تصنيعها من أصغر الفتية وفي ساعات.

رسالة للحواضن الشعبية

من جهته، يقول الكاتب والمدوّن الفلسطيني سَري سمور، وهو من مخيم جنين وعايش عن قرب الاقتحام الإسرائيلي، إن جيش الاحتلال استخدم مصطلح “الردع” دون أن يحدد مفهومه أو معياره.

وأضاف سمور في حديثه للجزيرة نت أن “الاحتلال توعد بعدم جعل المخيم بؤرة للإرهاب، بحسب وصفه، لكنه لم يصل للمطلوبين والمسلحين وهذا مؤكد، وانسحب تحت الرصاص، وكانت ساعاته الأخيرة هي الأشد في المواجهة، وتخللها مقتل أحد جنوده”.

ويرى الكاتب أن الجيش الإسرائيلي حاول البحث عن “صورة نصر” بنشر صور نفق أو أكواع (قنابل محلية) تارة، وتارة أخرى بنشر صورة جماعية للجنود على مدخل المخيم.

وشدد المتحدث على أن تدمير البنية التحتية وطرد وملاحقة الحاضنة الشعبية للمقاومة يحمل رسالة لأهل المخيم وسكانه، مفادها أن من يسير في طريق المقاومة أو يوفّر بيئة عمل وحماية للمقاومين سيكون مشرّدا وبلا مقومات حياة من ماء وكهرباء، وستدمر منازلهم وشوارعهم.

وتابع أن الاحتلال أراد أيضا إيصال رسالة مبطنة لباقي الحواضن الشعبية في الضفة بهدف ردعها عن التحول إلى حواضن للمقاومين، فجاء الرد على شكل حملات دعم وإسناد لمخيم جنين، موضحا أن ما يميّز مخيم جنين عن غيره أنه “يوفر للمقاومة حرية في الحركة بالسلاح وحرية اتصال وإقامة الحواجز، وكان ملاذا لكثير من منفذي العلميات في الآونة الأخيرة، وهذا لا يتوفر في أماكن أخرى”.


المصدر: وكالات + الجزيرة نت

Share.

صحفية عراقية من اربيل خريجة وزارة الاعلام في اربيل سنة 2004

Comments are closed.