لكل منا طريقة خاصة في استكشاف ما يحيط به من مخاطر أو حتى للتواصل مع جيرانه وبيئته، إذ يستخدم الكائن الحي في ذلك حواسه المختلفة لاستبصار محيطه ومن ثم تحديد حركته وتصرفه، وينطبق الحال أيضا على الخلايا التي تكوّن أجسامنا، إذ لا تتصرف الخلايا داخل أجسامنا بمعزل عن غيرها، بل إنها تتنقل وتستشعر بعضها دوما وتتداعى لمصاب بعضها البعض.

أقدام تساعد على الحركة

ولدى الخلايا “أرجل خيطية” (Filopodia) عبارة عن زوائد تمتد عند الحافة الأمامية للخلية لتدفعها إلى التحرك للأمام. وتتكون هذه الأرجل الخيطية من بروتينات الميوسين وبروتينات الأكتين التي تتضافر وحداتها وتتشابك معا لتكون خيوطا طويلة من الأكتين التي تدفع بدورها مقدمة الأرجل الخيطية إلى التحرك للأمام.

وتشبه هذه الأرجل الخيطية أذرع الأخطبوط، إذ تدفع الخلية نحو هدفها وكأنها حيوان مفترس يتعقب فريسته. ولكن كيف تتمكن هذه الأرجل الخيطية من استشعار البيئة المحيطة بها من دون امتلاكها حواس تساعدها على ذلك؟

تدفع الأرجل الخيطية الخلية نحو هدفها وكأنها حيوان مفترس يتعقب فريسته (غيتي)

حديثا، كشفت دراسة بحثية -نشرت في دورية “نيتشر كوميونيكيشنز” (Nature Communications) في 28 مارس/آذار الجاري- عن الآلية التي تستكشف بها هذه الأرجل الخيطية الأبعاد من حولها، إذ أشارت الدراسة إلى أن هذه الأرجل تتبني آليات حركية مرنة عديدة من بينها الالتواء والدوران والتمدد والانكماش حتى تتمكن من ذلك.

حركات مرنة

وطبقا للتقرير الذي نشره موقع “ساينس ألرت” (Science Alert)، يقول الباحثون إن “هذه التراكيب الخلوية تلعب دورا محوريا في استكشاف البيئة المحيطة وفي توليد القوى الميكانيكية اللازمة لحركة الخلية وفي نقل الإشارات الكيميائية عبر القنوات النانوية الموجودة بين الخلايا” وهي جميعا أدوار راسخة أظهرتها الدراسات السابقة، غير أن كيفية دوران هذه التراكيب وتحركها الميكانيكي لم يكن معروفا.

ووفقا للبيان الصحفي الذي أصدرته “جامعة كوبنهاغن” (University of Copenhagen) الدانماركية تعقيبا على الدراسة، فإن خيوط الأكتين المكونة لتلك الأرجل الخيطية تجمع بين عدد من حركات الالتواء والدوران التي تم ملاحظتها في مراحل مختلفة من تطور الخلايا، بدءا من الخلايا المبكرة إلى الخلايا شديدة التمايز.

خيوط الأكتين المكونة للأرجل الخيطية تتمتع بمرونة تساعدها على الالتواء والدوران (الجزيرة)

وقد أشار الباحثون -في ورقتهم البحثية- إلى أن “المرونة الخاصة بهذه الأرجل معقدة للغاية، إذ إنها تظهر سلوكا خصبا يجمع بين الالتواء والدوران والانكماش والتمدد وكذلك تغيير الشكل، وهو ما يمكنها من استكشاف الفضاء ثلاثي الأبعاد من حولها”.

دور فيسيولوجي وآخر مرضي

وقد استند الباحثون في دراستهم إلى الخلايا السرطانية، التي تتميز بنشاط وقدرة أكبر على الحركة والانتشار، ولذلك فإن تثبيط هذه الآلية في الخلايا السرطانية يعد مسلكا لمهاجمة السرطان ووقف انتشاره.

ولتبسيط الأمر، فإنه من الممكن تشبيه هذه الأرجل الخيطية بشريط مطاطي مرن، وعندما يكون الشريط المطاطي غير ملتو فإنه ليس لديه أي قوى، ولكن عندما تقوم بلف هذا الشريط وأنت ممسك بطرفيه ومحرك لكليهما بشكل دوراني عكس اتجاه الآخر، فإنه سينكمش. ومن ثم فإن هذا اللف والانكماش يولد قوة تساعد الأرجل الخيطية على التحرك في اتجاه محدد وتجعلها مرنة للغاية.

تعتمد خلايا الدماغ أيضا على الأرجل الخيطية في نموها وتحركها (بيكسابي)
تعتمد خلايا الدماغ أيضا على الأرجل الخيطية في نموها وتحركها (بيكسابي)

وعن هذه الحركة المرنة تقول ناتاشا لايجنس، المؤلف الأول في الدراسة إن “قدرة خيوط الأكتين على الانحناء والالتواء تمكن الأرجل الخيطية من استكشاف الفضاء المحيط بها كاملا، كما تتيح لها اختراق الأنسجة الأخرى الموجودة في بيئتها لو رَغِبَت في ذلك”.

ويبدو أن هذه الآلية المكتشفة موجودة في جميع أنواع الخلايا الطبيعية وكذلك أيضا السرطانية. غير أنه من المهم أيضا دراسة هذه الآلية في الخلايا الجذعية الجنينية وفي خلايا الدماغ التي تعتمد أيضا على الأرجل الخيطية في نموها وتحركها.

المصدر: وكالات + الجزيرة نت

Share.

صحفية عراقية من اربيل خريجة وزارة الاعلام في اربيل سنة 2004

Comments are closed.