يحسب المصريون الأزمات الاقتصادية بسعر اللحوم وصدور الدجاج، فالذهب والدولار ليسا باستطاعة الجميع.

القاهرة- السير في أسواق القاهرة قبل أيام من استقبال شهر رمضان المبارك، بهجة لا تعادلها أي من مباهج الحياة، لما فيها من المرور بالمحال التي تزينت بأشكال الزينة الرمضانية المختلفة، وأنواع الياميش (التمر والمكسرات والفواكه المجففة)، والذبائح التي كانت تملأ مداخل الحارات الضيقة، استعدادا لمواسم التخزين والتوزيع. لكن، لم تأت الرياح هذا العام بما تشتهي السفن ولا الأنفس، فقد ضاقت على المصريين فلما استحكمت حلقاتها، ارتفع الدولار فضاقت أكثر.

شهد الثلاثاء 21 مارس/آذار انخفاض الجنيه المصري أمام الدولار. الانخفاض الذي تحدثت عنه البرامج المتلفزة في الليلة السابقة، لم يحدث مرة واحدة، لكنه استمر على مدار اليوم، ليصل سعر الدولار إلى 18.54 جنيها، بعد أن كان 15.65 في صباح نفس اليوم.

البضائع في الأسواق راكدة لا تجد من يشتريها، والوجوم هو العلامة المميزة لأغلب الوجوه، وحديث الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يتردد في التلفاز “ادعوا ربنا يفرجها علينا”.

اعتاد المصريون في هذا الوقت من العام على الشوارع المزدحمة بالزبائن، لكن ارتفاع الأسعار حال دون ذلك (الجزيرة)

أسواق القاهرة بلا زبائن

في شارع الحمزاوي، أحد أشهر الأسواق في القاهرة القديمة لتجارة الجملة والقطاعي، كان المكان في مثل هذا الوقت من العام يكتظ بالباعة والمشترين.

بضائع رمضان، وتجارة العطارة والأعلاف، وأكياس الأرز والمعكرونة بمختلف أنواعها وأشكالها، كانت تحمل على عربات النقل استعدادا لموائد الرحمن، رغم الأزمات الاقتصادية التي مرّ بها العالم مؤخرا، منذ ما فعله كوفيد-19 بظروف الاقتصاد العالمي، إلا أن شارع الحمزاوي لم تمر عليه أيام أسوأ من تلك التي تمر به الآن، كما يقول الحاج محمود -وهو أحد تجار السوق- للجزيرة نت: “ليس هذا هو حال موسم رمضان الذي اعتدنا عليه طوال عمرنا. لأول مرة نرى السوق المزدحم طوال العام يعاني من الكساد في أحد أهم مواسمه”.

منذ 50 عاما يقبع الحاج محمود في محل العائلة، إرثه عن والده، وميراثه لأبنائه من بعده. يبيع الرجل السبعيني المواد التموينية وياميش رمضان وأنواعا من العطارة، مثل بقية التجار، لكنه متابع جيد لأخبار السياسة في الجرائد اليومية وبرامج التلفزيون.

منذ أن بدأت الحرب في أوكرانيا، كان الحاج محمود يحلل الأمر بشكل أذهل الكثيرين من جيرانه التجار، فقد أكد لهم أن الأمور ستنقلب بين عشية و ضحاها، وأن الأمر لن يتوقف عند زيادة مؤقتة وطارئة، لكن الأمور ستزداد سوءا.

يقول الحاج محمود إنه وغيره من عامة الشعب يعلمون أن أثر الحرب الروسية ليس على مصر فقط، وأن الأزمة ستطال الجميع، لكنه يؤكد للجزيرة نت “لسنا مثل الجميع، نحن ننتظر فرج الله في المواسم، ودخول الموسم هذا العام لم يكن بذات الفرحة المنتظرة”.

أصحاب المحال التجارية ينتظرون زبائن لا يأتون بسبب ارتفاع أسعار السلع الرمضانية (الجزيرة)

الفلفل الأسود عملة قياس

يحسب المصريون الأزمات الاقتصادية بسعر اللحوم وصدور الدجاج، فالذهب والدولار ليسا باستطاعة الجميع، لكن ما إن يرتفع سعر “البانيه” (صدور الدجاج الخالية من العظام) ليتجاوز 100 جنيه، هنا يشعر المواطن بالقلق.

أما في سوق الحمزاوي، فإن هناك مقياسا آخر للأزمات، يعتمد على سعر الفلفل الأسود الذي كان وصل أوائل مارس/آذار إلى 80 جنيها، ليشهد يوم الاثنين الماضي ارتفاعا غير مسبوق ويصل إلى 100 جنيه للكيلوغرام الواحد (5.39 دولارات).

في سوق العطارة، قرر بعض تجارها أن يثبتوا السعر عند حدود 90 جنيها للكيلوغرام، فالمواطن الذي يأتي لشراء احتياجاته من أرخص مكان في مصر، لن يتحمل تلك الزيادة مرة واحدة.

أسعار الياميش ضعفا العام الماضي

تجاوزت زيادة أسعار ياميش رمضان الضعف عن العام الماضي، وسجل “قمر الدين” السوري 50 جنيها (2.70 دولار) للعبوة التي يطلق عليها “اللفة”، بينما سجل المصري 35 جنيها (1.89 دولار) وذلك للدرجة الأولى. وتتراوح باقي الأنواع ما بين 30 و25 في أقل المعروض. وسعر المشمشية (المشمش المجفف) والقراصيا (البرقوق المجفف) يتراوح بين 180 و200 جنيه (9.71-10.79 دولارات)، والزبيب وجوز الهند 80 جنيها للكيلوغرام الواحد (4.31 دولارات).

أما المكسرات بأنواعها فسعرها 200 جنيه للكيلوغرام الواحد (10.79 دولارات)، ووصل سعر الكاجو إلى 560 جنيها (30.20 دولارا)، بينما يفضل بعض المصريين شراء الفول السوداني، ولون الفستق الحلبي لخلطه بحبات الفول المجروش، لإضفاء نكهة شامية مختلفة على حلواهم الرمضانية.

محلات بيع العطارة وياميش رمضان خالية من الزبائن (الجزيرة)

بأي حال عدت يا عيد

في محال الحمزاوي الضيقة، تتلفت السيدة ذات العباءة السمراء و الطرحة التي امتزج سوادها الحالك بلون التراب، في إشارة إلى عنائها -وهي التي تجاوزت الخمسين- وتسأل عن أرخص أنواع البلح والتمر، لأنها لن تستطيع شراء حبات التمر هندي هذا العام. جاءت وحدها هذا العام بعدما كانت معتادة على مرافقة زوجها لها في شراء مستلزمات رمضان، لكنه أخبرها أن الأمر لا يستحق هذا العام، وأجر يومية إضافية في عمله، هم أولى بها على حد وصفها. لذلك ذهبت وحيدة لشراء البلح وما لا تستطع عليه صبرا، أما البقية فعلى الله تدبيره.

تقول السيدة التي رفضت أن تفصح عن اسمها -للجزيرة نت- “زوجي يعمل باليومية؟ لا عندنا وظيفة مرتبها سيزيد ولا أهل نتكل عليهم لو الحال مال، فهم أيضا حالهم من حالنا. 3 فقط من الأبناء يعولهم الزوج وترعاهم الأم التي نسيت في زحام الهموم أن 21 مارس/آذار يوافق ذكرى عيد الأم. تبتسم وهي تتذوق البلح “أنا مش عاوزة هدية.. أنا عاوزة أأكِّلهم”.

التجار ليسوا سبب الزيادة

في المحل الضيق، يقف وليد ذو الثلاثين عاما، وحيدا يبيع البضائع المكدسة في محل والده. في مثل هذا الوقت من العام، كان يستعين ببعض المساعدين بسبب ازدحام المحل بالزبائن، لكن الوضع هذا العام تغير تماما، فلا زحام ولا شراء، ودخول الزبون للمحل حدث يستوجب من وليد المزيد من الضيافة وسعة الصدر في استقبال الأسئلة المتوالية عن سبب رفع أسعار العطارة والياميش.

وعن سبب تأثر سعر الحبهان (الهيل) في شارع الحمزاوي بما يدور في كييف بأوكرانيا، يقول الشاب الثلاثيني للجزيرة نت “الناس معتقدة أن التجار هم الذين رفعوا الأسعار من دون مبرر، وهذا ما يقال في التلفزيون ليلا ونهارا، لكن الحقيقة التي يعلمها الجميع أن الأسعار ارتفعت في العالم بأكمله، وليس تجار شارع الحمزاوي هم السبب، بل ساسة العالم وأطماعهم”، على حد قوله.

وتابع وليد “أسعار المنتجات المعروضة في أسواق أهلا رمضان التابعة لوزارة التجارة والتموين المصرية، لا تختلف إطلاقا عن الأسعار التي نبيع بها”، واختتم حديثه “لو أننا فعلا السبب في رفع الأسعار، لماذا لا تخفض الحكومة أسعار ياميش رمضان في معارضها، لكن كيف يحدث ذلك والمستورد واحد؟!”.

قبل أيام من الشهر المبارك، لا يعبأ المصريون بحرب روسيا وأوكرانيا، ولا بأهداف حلف الناتو، ما يشغلهم اليوم هو قوت يومهم، وربما أيامهم القادمة، بعد الارتفاع المخيف في سعر الدولار أمام عملتهم المحلية.

المصدر: وكالات + الجزيرة نت

Share.

صحفية عراقية من اربيل خريجة وزارة الاعلام في اربيل سنة 2004

Comments are closed.