يشكل القانون الدولي الإنساني جزءا رئيسيا من القانون الدولي العام، كما يشكل واحدا من أقدم كيانات الأعراف الدولية. لذلك نجد أن محكمة العدل الدولية بوصفها الهيئة القضائية الأساسية للقانون الدولي العام تسهم في فهم قيم المجتمع الدولي الأساسية المعبر عنها في القانون الدولي.

وعليه نجد من منظور القانون الدولي العام، أنه يكون حول النزاعات الدولية ما بين الدول، فمحكمة العدل الدولية لها سوابق قضائية كثيرة حول النظر بالنزاعات الدولية، وكانت أول قضية ناقشتها المحكمة قضية “قناة كورفو” التي رفعت أمامها كأول قضية قانونية دولية عامة عرضت أمام محكمة العدل الدولية بين عامي 1947 و1949، وتتعلق بمسؤولية الدول عن التلوث البحري، إضافة إلى مبدأ المرور البريء للسفن، وكانت هذه القضية المثيرة للجدل أول قضية من أي نوع تنظر فيها محكمة العدل الدولية بعد إنشائها عام 1945.

كما كان أمام المحكمة فرصة لتناول المسائل المتعلقة بالقانون الدولي في قضيتين مثيرتين لكثير من النقاش، وهما: الحكم الصادر في 27 يونيو/حزيران 1986 والرأي الاستشاري المقدم بعد ذلك بشأن “الأنشطة العسكرية وشبه العسكرية في نيكاراغوا وضدها”، وبعد 10 سنوات في الثامن من يوليو/تموز 1996 تناولت المحكمة “قانونية التهديد باستخدام الأسلحة النووية أو استخدامها”.

لذلك لا أريد بهذا المقال دراسة النواحي القانونية لكل من القضيتين بشكل مطول، ولكن ما يهمني هو التعليق القانوني على قرار المحكمة الدولية الجديد حول الحرب القائمة بين روسيا وأوكرانيا.

نجد أن بداية القضية تتمثل عندما رفعت أوكرانيا لمحكمة العدل الدولية طلبا لإقامة دعوى ضد روسيا في 26 فبراير/شباط 2022، بشأن تفسير اتفاقية “منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها” لعام 1948. من أجل أن تقوم محكمة العدل الدولية باستخدام التدابير المؤقتة حول وقف الغزو الروسي لدولة أوكرانيا، وتحديدا بولاية لوغانسك، ودونيتسك.

ولكن روسيا قاطعت أولى جلسات المحكمة التي عقدت بطلب من أوكرانيا على خلفية غزوها من قبل روسيا. وقد عقلت المحكمة على غياب روسيا بالاستغراب؛ لأنها دولة عضو دائم بمجلس الأمن، وكان هذا التعليق من القاضية جوان دونوهيو رئيسة المحكمة، حيث قالت “كيف تغيب روسيا عن الإجراء الشفوي أمام المحكمة؟”، كما اعتبرت محكمة العدل الدولية أن تغيب دولة روسيا لا يمكن أن يقف عقبة حقيقية باستخدام المحكمة التدابير المؤقتة أو أن يؤثر على صحة قرارها ومشروعها حول الحرب القائمة بين روسيا وأوكرانيا.

وربما تغيب روسيا عن الجلسة كان الهدف منه من أجل تعطيل وإبعاد عمل محكمة العدل الدولية عن اختصاصها بالحرب القائمة، والتمسك أمامها بدفوع قانونية، بحجة أن روسيا قامت بالتدخل العسكري في أوكرانيا من أجل حماية السكان الناطقين باللغة الروسية، وبسبب جرائم الإبادة الجماعية بحق هؤلاء من قبل دولة أوكرانيا، وفق ادّعاء موسكو.

وأيضا ربما كانت دولة أوكرانيا تريد وضع روسيا أمام محكمة العدل الدولية لانتزاع عدم مشروعية الوجود الروسي من خلال القضاء على أحلام بوتين بعودة الاتحاد السوفياتي مهما كلف الأمر، والقضاء عليها قبل ولادة دولة جديدة ليس لديها أي مشروعية قانونية، وأيضا إغراق بوتين بالتعويضات المالية الكبيرة من خلال إصدار قرار ملزم لدولة روسيا بدفع تعويضات مثل قضية نيكاراغوا لعام 1986 ضد الولايات المتحدة، مع العلم أن هذه القضية  تتلخص عندما قامت محكمة العدل الدولية بإصدار حكم لصالح حكومة نيكاراغوا التي أقرت خرق أميركا للقانون الدولي من خلال دعم المعارضة المسلحة في الحرب ضد حكومة نيكاراغوا وبتفخيخ الموانئ في ذلك البلد ، ولكن الولايات المتحدة الأميركية رفضت الحكم.

إنّ تغيّب روسيا لا يعطل مشروعية القرار الصادر عن المحكمة، لأن قرارات محكمة العدل الدولية تعدّ ملزمة ونهائية فيما يتعلق بدولة أوكرانيا، ويمكنها اللجوء لمجلس الأمن الدولي، بناء على طلبها، لتنفيذ تدابير خاصة من أجل إنفاذ الحكم الصادر من محكمة العدل الدولية.

لذلك نرى أن قرار محكمة العدل الدولية جاء بالكثيرة من الملاحظات القانونية المهمة على النحو التالي:

  1. نجد أن محكمة العدل الدولية رأت أن بيان وزارة الخارجية الروسية حول غزو أوكرانيا ادعاءات غير صحيحة ولا تعطي مشروعية قانونية للأعمال العسكرية بدولة أوكرانيا.
  2. نجد أن محكمة العدل الدولية طالبت روسيا بتعليق جميع الأعمال العسكرية في أوكرانيا.
  3. رأت محكمة العدل الدولية عدم وجود استنتاجات قانونية في المرحلة الحالية لأي انتهاكات تتعلق باتفاقية “منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها” من قبل روسيا، وأيضا نفت بطريقة أخرى الادعاءات الروسية حول قيام مسؤولين بدولة أوكرانيا بارتكابهم جرائم إبادة جماعية في لوغانسك، ودونيتسك.
  4. نجد أيضا أن المحكمة أكدت على اختصاصها بالنظر بالقضية من خلال تمسكها بالمادة التاسعة من اتفاقية “منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها” التي تنص على تدخل محكمة العدل الدولية بناء على طلب أي من الأطراف المتنازعة بشأن تفسير أو تطبيق أو تنفيذ هذه الاتفاقية، بما في ذلك النزاعات المتصلة بمسؤولية دولة ما عن إبادة جماعية أو عن أي من الأفعال الأخرى.
  5. نجد أن المحكمة طالبت روسيا بممارسة سلطتها المباشرة على كل الوحدات والأفراد والمجموعات العسكرية التابعة لها، أو التي تحت سيطرتها، لضمان تعليق جميع الأعمال العسكرية.
  6. نجد أن محكمة العدل الدولية لم تستخدم كلمة الغزو أو الاحتلال في قرارها، إنما العمليات العسكرية، ربما كان الهدف من ذلك لإعطاء فرصة كبيرة للجهود الدبلوماسية من أجل وقف الحرب والتمسك بالفصل السادس الوارد بميثاق الأمم المتحدة.

 

المصدر: وكالات + الجزيرة نت

Share.

صحفية عراقية من اربيل خريجة وزارة الاعلام في اربيل سنة 2004

Comments are closed.