دوّت في 2017 واحدة من كبرى الفضائح في تاريخ هوليود، سقط إثرها أشهر منتج أميركي، هو هارفي واينستاين الذي أنتج أفلاما فازت بأهم الجوائز، وكان وراء إطلاق مسيرة مخرجين مهمين منهم كوينتين تارانتينو.

القصة وراء الكشف عن خطايا واينستاين المرعبة، وفساد النظام الذي حماه طوال عقود؛ هي حبكة فيلم “قالت” (She Said) الذي عُرض في مهرجان نيويورك السينمائي قبل عرضه في دور السينما، وحصل على معدل 87% على موقع “روتن توماتوز” (Rotten Tomatoes) ونال إعجاب النقاد، خصوصا من جهة التمثيل والسيناريو، فأين الحقيقة والخيال في الفيلم؟

“قالت” كيف سقط المعتدي المرعب؟

في أكتوبر/تشرين الأول 2017 نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” (New York Times) الأميركية تحقيقا لم يعد عالم السينما بعده كما كان قبله، إذ أثبتت الكاتبة بالأدلة اتهامات عشرات النساء للمنتج هارفي واينستاين بالاغتصاب والاعتداءات الجنسية على مدار 30 عاما على الأقل. وإثر نشر المقال، قُدّمت دعاوى قضائية ضد المنتج، وفُصل من شركة “واينستاين” (Weinstein) وطُرد من أكاديمية فنون وعلوم الصور المتحركة وغيرها من الجمعيات المهنية، ثم تقاعد.

أجريت تحقيقات جنائية في شكاوى النساء، وفي مايو/أيار 2018 قُبض على واينستاين في نيويورك ووُجّهت إليه تهمة الاغتصاب وجرائم أخرى. وفي فبراير/شباط 2020 أدين بجريمة اغتصاب من الدرجة الثالثة وفعل جنسي إجرامي، وفي مارس/آذار 2020 حُكم عليه بالسجن 23 عاما.

نالت نيويورك تايمز جائزة “بوليتزر” لعام 2018 عن تحقيقها الشهير، ولكن ذلك لم يكن نهاية المطاف، إذ حرّكت الفضيحة عددا من الدعاوى القضائية المماثلة ضد رجال أصحاب نفوذ في العالم، وأدت إلى عزل بعضهم من مناصبهم.

كذلك أدت إلى قيام عدد كبير من النساء بمشاركة تجاربهن الخاصة بالاعتداء الجنسي أو التحرش أو الاغتصاب على وسائل التواصل الاجتماعي تحت وسم “أنا أيضا” (#MeToo)، وأصبح تأثير الفضيحة على الرجال الأقوياء في مختلف الصناعات يُسمى “تأثير واينستاين”.

تناول فيلم “قالت” قصة الصحفيتين اللتين كتبتا التحقيق الذي أشعل الحرب الشعواء وكشف الستار عن النظام الهوليودي الفاسد الذي علم بتجاوزات المنتج الكبير طوال عقود، ولكن لأهميته ونفوذه تم التستر عليه بأشكال مختلفة، منها التسويات المادية التي تم إجبار الضحايا على التوقيع عليها، أو إفساد المسيرة المهنية لغيرهن.

نساء حققن المستحيل

فيلم “قالت” من إخراج ماريا شريدر، وهي مخرجة ألمانية استطاعت اقتحام حصون هوليود الصعبة المنال على المخرجات حتى الأميركيات منهن. وكانت قدمت أعمالا شهيرة، مثل المسلسل التلفزيوني “هاربة من الماضي” (Unorthodox) الذي عُرض على منصة “نتفليكس” ونالت عليه جائزة “برايم تايم إيمي” (Primetime Emmy).

وهي كذلك ممثلة، ولكن هذه المرة عملت ضمن إنتاج كبير، مع النجمتين زوي كازان وكاري موليجان في دوري جودي كانتور وميغان توهي على التوالي، وهما الصحفيتان اللتان كتبتا التحقيق الشهير.

ففي مثل هذه التحقيقات الصحفية الحساسة يكون جمع الوقائع والشهادات والإثباتات أهم من اختيار الكلمات وأسلوب الصياغة، وهو ما عملت عليه كلٌ من جودي وميغان اللتين حاولتا مسك خيط دخان.

فقبل سنوات من ظهور التحقيق في “نيويورك تايمز” كانت تنتشر أقاويل حول المنتج الكبير، ولكن من دون إثبات أي شيء. فهو بنفوذه، والنظام الهوليودي الذي يحميه وغيره من الكيانات الكبرى، يجعل كل تحقيق مشابه أو قضية حقيقية تسوّى قبل ظهورها إلى العلن.

كان التحقيق الصحفي، بما أحدثه من ضجة، بمنزلة معجزة حقيقية في ذلك الوقت. وعمل سيناريو الفيلم على إظهار كيف حدثت تلك المعجزة بالتفصيل، من سعي الصحفيتين وراء الضحايا ومحاولة إقناعهن بضرورة الإفصاح عن تجاربهن المكبوتة، وخوف هؤلاء النسوة اللواتي تعرضن لاعتداءات جسدية دمرت حياتهن ومستقبلهن في مجال السينما، ومحاولة تجاوز المصاعب القانونية لإقامة دعاوى قضائية مشابهة. كان الأمر لدى هاتين الصحفيتين كمن يمشي في حقل مملوء بالألغام.

تفاصيل كثيرة تتبّعها سيناريو الفيلم بإحكام، وبطريقة مثيرة؛ فواحدة من كبرى مشكلات الأفلام السينمائية التي تتناول قضايا التحقيقات الصحفية هو سقوطها في الملل، ومن أشهر الأمثلة على ذلك فيلم “سبوت لايت” (Spotlight)، إنتاج 2015، الذي فاز بجائزة “أوسكار” لأفضل فيلم.

قدّم الفيلم آنذاك قصة تحقيق صحفي كشف قيام مجموعة من القساوسة باعتداءات جنسية على قُصّر، وهي قصة تبدو مثيرة ومهمة للغاية، لكن تقديمها جاء في قالب سينمائي غير مشوّق على الإطلاق. فعلى الرغم من أهمية فيلم “سبوت لايت”، لم ينجح في إمتاع المشاهد، على عكس ما حدث في فيلم “قالت”.

أضفى فيلم “قالت” على القصة الصحفية لمسة إنسانية، إذ لم يجعل النساء اللواتي طُلب منهن الشهادة مجرّد ضحايا، بل شخصيات كانت لهن حياة مشابهة لأي امرأة أخرى، تغيرت جراء ما حدث لهن. وربط بين عملية البحث والإثبات وحياة البطلتين أيضا، مثل اكتئاب ما بعد الولادة الذي مرت به الصحفية ميغان وجعلها منهكة تبحث عن ذاتها مجددا بعد الأمومة، فتنغمس في عملها، والتحديات التي تخوضها جودي الأم لابنتين، إحداهما على حافة المراهقة، فتشعر بالمسؤولية تجاهها لحمايتها من اعتداء مشابه قد يتكرر لعدم الكشف عنه.

 

فيلم “قالت” عمل مثير ومسلٍّ ومهم في الوقت نفسه. وعلى الرغم من مرور 5 سنوات فقط على أحداثه الحقيقية، فإن كثيرًا من التفاصيل لم تكن معروفة للمشاهدين، فجاء العمل طازجًا من دون أن يفقد بريقه، ومن المُرجّح أن يكون له نصيب في جوائز “الأوسكار” العام المقبل.


المصدر: وكالات + الجزيرة نت

Share.

صحفية عراقية من اربيل خريجة وزارة الاعلام في اربيل سنة 2004

Comments are closed.