تاريخيا طُرح مشروع جونقلي منذ الاحتلال الإنجليزي لمصر والسودان في القرن الـ19 من أجل تغيير مجرى النيل الأبيض، ليتجاوز منطقة السدود ولحل مشكلة فقدان المياه منه.

القاهرة – “دعونا نسمح لهذه المياه بالتدفق إلى أولئك الذين يحتاجون إليها في مصر”، بهذه الكلمات دعا تعبان دينق نائب رئيس دولة جنوب السودان للبنية التحتية إلى استئناف العمل في حفر قناة “جونقلي” الواقعة في بلاده، حسب تصريحات نقلتها الصحافة المحلية في جنوب السودان.

وقناة جونقلي مشروع مائي يقوم على النيل الأبيض، الرافد الثاني لنهر النيل، بُدئ العمل عليها منذ عقود وتم تنفيذ نحو 70% منها، قبل توقفها إثر الحرب الأهلية بالسودان (1983-2005) التي أفضت إلى استقلال الجنوب عام 2011.

كان مشروع القناة يهدف إلى تحويل مجرى النيل الأبيض بعيدا عن منطقة المستنقعات الشاسعة التي تمثل مصدرا مائيا مهما بجنوب السودان، إضافة إلى توفير عشرات الآلاف من الأفدنة الصالحة للزراعة، كما تستطيع عند اكتمالها توفير 10 مليارات متر مكعب على الأقل من المياه سنويا، وفق مختصين.

وهذه المرة الأولى التي يطالب فيها مسؤول حكومي كبير في جوبا باستئناف المشروع، كما يتزامن ذلك مع تصريحات مسؤولين حاليين وسابقين في القاهرة والخرطوم عن الأمر ذاته، مما أثار تساؤلات عن دلالة ذلك في ضوء تزامنه مع تعثر مفاوضات سد النهضة الإثيوبي وإعلان أديس أبابا قبل أيام التشغيل الجزئي للسد، وما يثار عن شروعها في الملء الثالث لبحيرة السد.

وفي السنوات الأخيرة سعت القاهرة مع تأزم ملف السد إلى بدائل غير تقليدية لحل مشكلة المياه، فإلى جانب التفكير في إحياء قناة جونقلي طرحت مشروع ربط نهر الكونغو بنهر النيل، لكن لا تزال هذه الأفكار بعيدة عن أرض الواقع وبعضها يتلاشى ثم يعاد تسويقه من وقت إلى آخر.

تحولات ونقاش مخابراتي

سبق لحكومة جوبا -حين كانت حركة مسلحة- أن أوقفت المشروع باستهداف الحفارة الفرنسية العملاقة التي استأجرتها القاهرة والخرطوم لحفر القناة، كما أن مسؤولين كبارا في جنوب السودان دعوا أخيرا إلى إحياء المشروع، ومن بينهم تعبان دينق الذي يعدّ أحد المؤثرين السياسيين والعسكريين في بلاده قبل الانفصال عن الشمال وما بعده.

وسبق أن حصل زعيم الحركة الانفصالية لجنوب السودان والقائد التاريخي للجنوب جون غارنغ على درجة الدكتوراه بأطروحة عن الآثار السلبية لمشروع القناة على السكان التقليديين في ولاية جونقلي.

ومنذ استقلال جوبا أكد مسؤولون جنوب سودانيون في أكثر من مناسبة أن بلادهم تدرس آثار القناة ومدى قدرتها على الحد من أخطار الفيضانات، لتأتي تصريحات دينق معبرة عن الحاجة المحلية للمشروع؛ لتخفيف الفيضانات في منطقة المستنقعات، بتمريرها عبر القناة إلى السودان ومصر.

وهو ما يتضح في تأكيده أن “الحل يكمن في فتح الممرات المائية واستئناف حفر قناة جونقلي، على أساس شروط ومصلحة جنوب السودان في المقام الأول”، داعيا إلى “السماح لهذه المياه بالتدفق إلى أولئك الذين يحتاجون إليها فى مصر”.

ويعزز ذلك التحول تجاه ملف مشروع القناة تقرير أممي أشار إلى تضرر أكثر 380 ألف شخص من الفيضانات في 6 ولايات، كانت جونقلي أكثرها تضررا.

وتزامنت تصريحات دينق مع ما ذكره في وقت سابق من الشهر الجاري محمد حمدان دقلو نائب رئيس مجلس السيادة السوداني من أنه ناقش مع مدير المخابرات المصرية عباس كامل قضية سد النهضة، ومشروع قناة جونقلي، مشيرا إلى أن المشروع سيشهد خطوة للأمام في الأيام المقبلة.

قناة جونقلي

  • تاريخيا طُرح مشروع جونقلي منذ الاحتلال الإنجليزي لمصر والسودان في القرن الـ19 من أجل تغيير مجرى النيل الأبيض، ليتجاوز منطقة السدود ولحل مشكلة فقدان المياه منه.
  • بدأت دراسة مخطط المشروع أول مرة في منتصف القرن الماضي، وهو أحد مشاريع “زيادة إيراد النيل” تحت مظلة اتفاقية 1959 بين مصر والسودان لتقسيم مياه النيل، التي بموجبها تحصل مصر على 55.5 مليار متر مكعب والسودان على 18.5 مليارا.
  • بدأت أعمال الحفر أواخر السبعينيات، حيث تمكنت شركة فرنسية من حفر 260 كيلومترا من 360 كيلومترا تمثل طول القناة قبل أن تتوقف عام 1983 مع اندلاع الحرب الأهلية.
  • كان مشروع القناة هدفا للانفصاليين ومن أسباب اندلاع الحرب الأهلية، وكانت جونقلي نقطة انطلاق للمتمردين على حكومة الخرطوم.
  • بحلول عام 2011 استقل جنوب السودان فأدى ذلك إلى إنهاء دور الخرطوم في ما يتعلق بالمشروع، ثم حاولت مصر التفاوض مع جوبا لاستئناف العمل في القناة من دون حدوث اختراق حتى الآن.

فوائد ومخاوف

الفوائد الرئيسة للمشروع كما ذكرها العديد من الباحثين يمكن تلخيصها على النحو الآتي:

  • حفظ كميات كبيرة من المياه المفقودة بسبب التبخر.
  • تقليل مخاطر الفيضانات المنتظمة، والحد من انتشار نواقل الأمراض.
  • توفير رابط ملاحي وتعزيز التجارة وتوفير فرص عمل للسكان المحليين.

في المقابل هناك تداعيات سلبية ومخاوف أخرى منها:

  • المشروع قد يقلل من حجم المستنقعات ويؤثر سلبا في أنشطة الرعي.
  • يمكن أن تصبح القناة حاجزا بين القرى، وتعيق مسارات هجرة الحيوانات.
  • قد تؤثر على النظام الهيدرولوجي وتقلل من هطل الأمطار في المنطقة؛ بما يؤثر في جودة المياه ونقل الرواسب.

أمان ومنفعة متبادلة

وردا على سؤال عن مدى قدرة جونقلي على تعويض فواقد النيل الأزرق المتأثرة بسد النهضة، قال وزير الري المصري الأسبق محمد نصر علام إن القناة بعد اكتمالها بكامل سعتها ستوفر 10 مليارات متر مكعب على الأقل سنويا.

وفي تصريحات للجزيرة نت، أوضح علام أن المرحلة الأولى منها ستوفر على الأقل 4 مليارات متر مكعب مقاسة عند محافظة أسوان (جنوبي مصر) وبما يعادل نحو 5 مليارات أو أكثر قليلا عند القناة.

وعن أهمية المشروع، شدد على أنه ليس مصدرا للمياه للتقاسم بين دول حوض النيل، لكنه وسيلة لتحريك مياه البرك والمستنقعات الراكدة في جونقلي لتمريرها إلى مسار النيل الأبيض، بدلا من فقدها بالبخر في المستنقعات وانتشار التلوث والأمراض.

وتبعا لاتفاقية 1959، حسب علام، فإنه هذه المياه ستكون مناصفة بين مصر والسودان، وفي المستقبل يمكن توسيع القناة أو إنشاء قناة موازية لتوفير بقية الكمية المقدرة بـ10 مليارات متر مكعب.

وأضاف الوزير الأسبق أن هذه الكمية لا تتعدى نحو 50%؜ من الفواقد، وسيُترك الباقي للمحافظة على المعالم البيئية للمنطقة والمراعي الطبيعية.

وبشأن كيفية استثمار مشروع جونقلي في تهدئة أزمات دول حوض النيل، أوضح علام “نحن لا نتحدث عن نصيب من المياه لإثيوبيا لاستغلاله في سد النهضة، ولكن نتحدث عن أن جونقلي تمثل صمام أمان للأمن المائي المصري السوداني في حالات الجفاف المؤثر أو عند حدوث أخطاء فى تشغيل السد أو لأي سبب آخر بحيث لا تنبعث مجاعات في أي من البلدين”.

وتابع علام أنه إذا احتاجت إثيوبيا لبعض مياه النيل بصفة ضرورية، وبعد موافقة مصر والسودان، فمن الممكن حفر قناة مماثلة في مستنقعات “مشار” بين إثيوبيا وجنوب السودان لتوفير نحو 4 إلى 5 مليارات متر مكعب من الفواقد لمصلحة الدول الثلاث.

وأكد أن من الطبيعي استغلال مثل هذه المشاريع في تعزيز التعاون بين الدول الأربع (مصر والسودان وجنوب السودان وإثيوبيا) ولمصلحتها مجتمعة وإنشاء مشاريع زراعية وصناعية وتجارية تفيد سكانها، مع أهمية توفر الرغبة السياسية في التنمية والتعاون.

ودعا علام إلى عقد اجتماع عاجل لدراسة كيفية تنفيذ واستغلال جونقلي لمساعدة جوبا والتغلب على مشاكل التفاوض المائية بين دول حوض النيل الأزرق الثلاث.


المصدر: وكالات + الجزيرة نت

Share.

صحفية عراقية من اربيل خريجة وزارة الاعلام في اربيل سنة 2004

Comments are closed.