قبل بضعة أيام، وفي أحد أكثر البرامج مشاهدة على التلفزيون الروسي الرسمي، أقدم عقيد متقاعد في الجيش الروسي على انتقاد الحرب في أوكرانيا، قائلا “في ساحة المعركة، النصر يكون في النهاية لمن لديهم معنويات مرتفعة، أما نحن فالعالم ضدنا وحتى لو أنكرنا تلك الحقيقة فإنها لا بد أن تصعقنا عاجلًا أو آجلًا”.

وفي لحظة نادرة للتعبير النقدي عما يحدث في هذه الحرب، نسبت مجلة “لوبوان” (Le Point) الفرنسية في تقرير لها إلى العقيد ميخائيل خوداريونوك (68 عاما) قوله في البرنامج الذي بُث في 17 مايو/أيار على القناة الأولى للتلفزيون الروسي “لا بد أن نتوقف عن ابتلاع المعلومات المهدئة، فالوضع عندنا يزداد سوءا وبإمكان أوكرانيا حشد أكثر من مليون رجل مدرب وعلى استعداد للتضحية بأنفسهم من أجل وطنهم”.

وذكرت “لوبوان” أن هذه الملاحظات جعلت ضيوف البرنامج يتململون ويظهرون عدم الارتياح، لتقاطع مقدمة البرنامج أولغا سكابييفا (37 عامًا) -الملقبة بـ”دمية بوتين الحديدية” لمهاراتها الدعائية- العقيد خوداريونوك قائلة “لكن جيش أوكرانيا ليس جيشا من المحترفين”، وهو ما رد عليه خوداريونوك بالقول “لا يهم فالأوكرانيون مستعدون للقتال حتى النهاية، ولا ينبغي أن نصدق كل ما يقوله خبراؤنا عن معنوياتهم المنخفضة، فهذا ليس صحيحًا”.

وعلقت المجلة الفرنسية على ما حدث بالقول إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لم يكن ليتخيل مثل هذه الدعاية السيئة في أحد أكثر البرامج مشاهدة في البلاد، مرجعة جرأة الضيوف إلى نفاد صبر بعض المعلقين في ظل ما يعدّونه انتكاسات للجيش الروسي وبطئًا في تقدمه.

ويرى أندريه كوليسنيكوف المتخصص في السياسة الروسية في معهد كارنيغي الأميركي أن منطقة دونباس أصبحت مصدر قلق متزايد لموسكو، مشيرا إلى أن هذا العقيد لم يكن ليظهر أمام الكاميرات في فترة الرقابة المشددة “لو لم يكن من المحافظين المعروفين بولائهم لبوتين”، لكنه أردف بأن ما قاله هذا الرجل “يعكس ببساطة مشاعر أنصار بوتين”.

وحتى المذيع النجم فلاديمير سولوفييف (58 عامًا) عبّر -حسب المجلة- عن سخطه مرات عدة، فقد تساءل بعيد إغراق الأوكرانيين للطراد الروسي موسكفا “أريد من يوضح لي فقط كيف خسرتم هذه السفينة؟”، في نبرة عكست تشكيكه في الرواية الرسمية للحادثة، متسائلا كذلك: “لماذا لم يكن هناك نظام دفاع صاروخي للدفاع عن هذا الطراد؟”.

وفي برنامج آخر له، صبّ سولوفييف جام غضبه على طائرات “بيرقدار” التركية المسيّرة التي يبدو أن أوكرانيا تزوّدت بعدد كبير منها في حين يفتقر الجنود الروس إلى المعدات، متسائلا “الجنود في الجبهات الأمامية يقولون لنا: وفروا لنا طائرات مسيرة! فلماذا لا يمكننا إنتاج هذه المعدات بكميات كبيرة؟”.

وحسب “لوبوان”، فإن الانتقادات لا تنحصر على التلفزيون بل إن مدوّنين معروفين خرجوا عن تحفظهم، فقد أصابت الهزيمة التي تعرضت لها كتيبة روسية كانت تحاول عبور نهر سيفيرسكي دونيتس في منطقة لوغانسك في العاشر من مايو/أيار الحالي المراقبين الروس بصدمة نفسية، حيث يقدر قتلى الروس في ذلك اليوم بأكثر من 400 جندي مع تدمير ما يقرب من 80 عربة مصفحة.

وقد علّق المدوّن يوري بودولياكا الذي لديه 2.1 مليون مشترك على تليغرام في مقطع فيديو يتعلق بتلك الحادثة قائلا “ظللت هادئا مدة طويلة، لكن ما يحدث الآن لا يمكن تفسيره إلا بغباء القيادة العسكرية الروسية، إذ ما زالت المشاكل التي تكشفت في بداية الحرب هي هي ولم يتغير شيء، وهذا يدفعنا إلى التساؤل عن قادة هذه العملية العسكرية”.

وفي هذا السياق القاتم، وفقا للمجلة، كشف الكرملين عن خطوات تستهدف تعزيز الثقة بقواته، فقد أعلن نشر جيل جديد من الدبابات من طراز “ترميناتور” (Terminator) في دونباس ووصول أنظمة الليزر التي تهدف إلى تدمير طائرات العدو من دون طيار، حسب الكرملين.

لكن، يبدو، حسب المجلة، أن العقيد المتقاعد ميخائيل خوداريونوك تلقى تعليمات فظهر من جديد على قناة “روسيا” مغيّرا من لهجته، ومعلنا أن الأوكرانيين لم يعد بإمكانهم الانتصار، و”أننا سنقوم بتدمير كل المدفعية التي يزوّدهم بها الأميركيون”.

المصدر: وكالات + الجزيرة نت

Share.

صحفية عراقية من اربيل خريجة وزارة الاعلام في اربيل سنة 2004

Comments are closed.