القاهرة ـ بدأت مساجد مصر منذ الأحد الماضي في العودة لطبيعتها مع عودة دروس العلم وفتح الأضرحة والمزارات الدينية، وذلك وفقا لقرار من وزير الأوقاف لتعود المساجد كسابق عهدها قبل جائحة كورونا ومنذ الإجراءات الاحترازية التي فرضتها الوزارة على المساجد منذ بداية العام 2020.

وعلى مدى الشهور السابقة استمرت وزارة الأوقاف في تطبيق الإجراءات الاحترازية بحزم رغم تراجع حدة تنفيذها في ما يخص التجمعات الرياضية والفنية والاجتماعية، وهو ما أثار تساؤلات وغضبا على مواقع التواصل الاجتماعي.

وجاء قرار الوزير بعودة المساجد لما قبل كورونا استمرارا لسلسلة إجراءات وصفها مغردون بتراجع الوزارة تحت ضغط الرأي العام والانتقادات الواسعة التي وجهت للوزير.

وإثر غضب شعبي واسع وصل صداه لمؤيدي السلطة وإعلاميين مقربين من الأجهزة الأمنية تراجع وزير الأوقاف عن منع صلاة التهجد بالمساجد وأتاحها في أواخر شهر رمضان الماضي، كما تراجع عن قرار بمنع صلاة العيد بالساحات، بل إنه دعا مسؤولي الوزارة إلى التبكير بإعداد خطة صلاة عيد الأضحى في الساحات والمساجد الكبرى، وسط تساؤلات لمغردين عن دوافع التراجع المتتابع واللهجة الهادئة الطارئة في خطاب الوزير بعد حدة واضحة اتسمت بها خطاباته سابقا.

 

مثير للجدل

وتباينت التقديرات في ما يتعلق بتفسير القرارات الجديدة واللهجة الطارئة للوزير الذي يصفه البعض بأنه عابر للحكومات، في إشارة إلى استمراره في الوزارة منذ عام 2013، إذ تم تعيينه في أول حكومة أعقبت تدخل الجيش لعزل الرئيس المنتخب محمد مرسي، وذلك دون أن تطاله التغييرات الوزارية، فيما قال آخرون إن تراجعات الوزير جاءت وفقا لرؤية حكومية تسعى إلى تهدئة الشارع والرأي العام، خاصة مع تفاقم الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد وموجة ارتفاع الأسعار.

بالمقابل، رأى مغردون أن قرارات الوزير الأخيرة جاءت تلبية لأشواق المتدينين عامة ومحبي آل البيت بصفة خاصة، وأن هذه القرارات تأتي دحضا لـ”ادعاءات” منتقدي الوزير.

وكان الأمر قد وصل في 28 أبريل/نيسان الماضي إلى حد إصدار منظمة هيومن رايتس ووتش الحقوقية بيانا تطالب فيه وزارة الأوقاف بإنهاء جميع القيود التعسفية على التجمعات الدينية والصلاة والشعائر خلال العشر الأواخر من رمضان واحتفالات العيد.

دعم السلطة

ويعد جمعة من أكثر الوزراء حضورا بنفسه وبتغريداته على مواقع التواصل الاجتماعي، وتأتي معظم تغريداته تأكيدا على حرصه على تنفيذ توجيهات القيادة السياسية وحب الأوطان في مقابل كراهية جماعات الإسلام السياسي، إلى حد مطالبته المواطنين بعدم “التستر” على أي منتم لجماعة الإخوان المسلمين، معتبرا ذلك خيانة للدين والوطن.

وفي عدة تغريدات طوال الشهر الكريم حرص الوزير على مدح وتمجيد دور الأجهزة الأمنية في مقابل ذم قيادات جماعة الإخوان والرئيس الراحل محمد مرسي، مستدلا بأحداث مسلسل “الاختيار 3” والتسريبات التي أذيعت في نهايات الحلقات، وكرر الوزير إشادته بالرئيس عبد الفتاح السيسي، معتبرا أنه أنقذ البلاد.

اتهامات ونفي

في عام 2017 كان الوزير على موعد مع جدل عاصف وصل إلى البرلمان وشاشات الفضائيات المحلية، وتسببت به هذه المرة ابنته شيماء عقب تعيينها في إحدى شركات البترول رغم أنها خريجة كلية الآداب البعيدة عن هذا المجال.

وقتها قال معلقون إن آلافا من خريجي كليات البترول والتعدين الحاصلين على تقديرات مرتفعة يبحثون عن فرص عمل دون جدوى.

وفي مطلع 2018 تفجرت قضية فساد بوزارة الزراعة، ورد فيها اسم وزير الأوقاف، مما دعا المحامي الشهير فريد الديب خلال مداخلة هاتفية بإحدى الفضائيات للإعراب عن دهشته من عدم إقالة الوزير بعد هذه الواقعة، مؤكدا أن هناك مضبوطات تدينه.

وتناولت تقارير رقابية عدة خلال السنوات الماضية وقائع إهدار للمال العام تقدر بمليارات الجنيهات في الوزارة، وبعضها طال الوزير نفسه.

وقالت صحيفة التحرير (مستقلة توقفت عن الصدور) إن وزير الأوقاف أنفق من ميزانية الوزارة نحو 772 ألف جنيه (الدولار نحو 19 جنيها) لتجهيز منزله الخاص، وهو ما نفاه الوزير في حينه.

علاقة مع الأجهزة الأمنية

وفي هذا السياق، يرى مستشار وزارة الأوقاف الأسبق محمد الصغير أن الوزير تراجع عن قراراته التي سببت حزنا للمتدينين تحت جلد سياط وسائل التواصل وعقب تداول صور لحملات التفتيش التي أطلقتها الوزارة للتأكد من خلو المساجد من المعتكفين أو المتهجدين.

وأشار الصغير في مقال له إلى ذكرياته مع مختار جمعة قبل ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011 أثناء العمل معا في الجمعية الشرعية لتعاون العاملين بالكتاب والسنة، وكانت من أهم المحاضن الدعوية والاجتماعية العاملة في مصر.

كان جمعة هو المسؤول عن استكمال إجراءات الانضمام للجمعية، مؤكدا أنه ثبت على الملأ بعد ذلك أنه كان عينا للجهات الأمنية داخل الجمعية، لافتا إلى افتضاح أمره عندما طلب من إمامها الراحل الشيخ محمد المختار المهدي إصدار بيان ضد ثورة يناير ودعم الرئيس آنذاك حسني مبارك فرفض المهدي.

وبعد خلع الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك خرج علماء الجمعية في مظاهرة تطالب بطرد مختار جمعة وآخرين، وهو ما حدث بالفعل.

وذكر الصغير أن الأجهزة الأمنية عوضت جمعة لاحقا بمنصب عميد كلية الدراسات الإسلامية والعربية، وهي الكلية التي حصل منها مختار جمعة على درجة الدكتوراه في الدراسات الأدبية، وكان تخصصه في شعر الصعاليك، كما جرى “زرعه” في مكتب شيخ الأزهر، مما ساعده على الوصول إلى كرسي وزارة الأوقاف عام 2013.

واعتبر الصغير أن جمعة تنكر بعدها لشيخ الأزهر الذي زكى ترشيحه للوزارة، وانضم إلى أجهزة الدولة في بعض حملاتها على المشيخة، كما تنكر لمواقفه السابقة التي ظهر فيها داعما لثورات الربيع العربي، وإظهاره الانتماء إلى التيار الإسلامي، والتقرب من جماعة الإخوان المسلمين حينما كانوا في الحكم.

نجاح مالي وإداري

في المقابل، حققت هيئة الأوقاف المصرية -بحسب تغريدة للوزيرـ رقما قياسيا جديدا في الأرباح عن الفترة من بداية يوليو/تموز 2021 حتى نهاية أبريل/نيسان الماضي بلغت مليارا و600 مليون جنيه “نحو 90 مليون دولار”، وهو أعلى محصلة أرباح في هذه الفترة منذ إنشاء الهيئة.

ونشر الإعلام التابع للسلطة أو القريب منها عدة مقالات تحاول تحسين صورة الوزير كان منها مقال للكاتب أحمد الصغير في جريدة الدستور اعتبر فيه أن الوزارة نجحت في القضاء على مظاهر انفلات ديني عديدة، منها “جمع التبرعات بغير سند لصالح الجماعات الإرهابية، والخطب المناهضة لسياسات الدولة، وعادات المصريين، كما قضى على فوضى المنابر ومكتبات المساجد التي كانت تفيض بأفكار المتشددين، مما ساهم في وصول الجماعة الإرهابية للبرلمان والرئاسة”، بحسب وصفه.

وقال الكاتب إنه كلما حقق الوزير نجاحا تعرض لحملة هجوم ممنهجة تثبت أنه يوجع الذين كانوا يستفيدون من الأوضاع المنفلتة السابقة لدرجة وصفه بأنه عدو للدين.


المصدر: وكالات + الجزيرة نت

Share.

صحفية عراقية من اربيل خريجة وزارة الاعلام في اربيل سنة 2004

Comments are closed.