طهران- الزائر لمدينة آبادان أو عبادان كما يسميها السكان المحليون الواقعة جنوب غربي إيران، قد لا يصدق في الوهلة الأولى أن المدينة التي لا تزال تعاني جراح الحرب العراقية الإيرانية (1980-1988)، إذ لا شيء فيها يعلو على اللون الأصفر والمنتخب البرازيلي لكرة القدم.

وبعد 34 عاما من أطول حرب نظامية شهدها القرن العشرين وخلفت أضرارا بالغة في الأرواح والممتلكات، لم تنفض مدينة عبادان غبار الحرب عنها بعد، لكنها واصلت تخريج لاعبين كبار إلى ملاعب كرة القدم، شارك بعضهم في نسخ سابقة من كأس العالم، وبقيت على العهد الذي قطعه أبناؤها بتشجيع الفريق البرازيلي.

وجولة في شوارع المدينة وساحاتها كافية ليستشعر المرء أنه في إحدى مدن البرازيل، حيث إن اللون الأصفر يحتل مساحة كبيرة من لافتات المحال التجارية وملابس الشباب، مثله مثل مفردة البرازيل التي تعلو العديد من محال بيع الفلافل الشهيرة.

مشجعون يرفعون علم البرازيل في مدرجات الملاعب بالمدينة (الصحافة الإيرانية)

برازيل إيران

ويعود ولاء أهل المدينة للفريق البرازيلي إلى قبيل اندلاع الثورة الإيرانية عام 1979، حيث تولى منوجهر ساليا قيادة نادي جم عبادان، وقرر اعتماد اللون الأصفر بدلا من اللون الأبيض لقمصان فريقه، وقال مقولته الشهيرة “يجب ألا نختار لونا يشبهنا بالفريق الإنجليزي أو الأرجنتيني، وإنما أن نرتدي الأصفر لنكون برازيليين”.

وبينما كان المشجعون الإيرانيون حينها منقسمين في الولاء بين فريقي العاصمة: تاج الأزرق (استقلال طهران) وبرسبوليس الأحمر (بيروزي طهران)، هتفت جماهير فريق جم عبادان “لا الأزرق ولا الأحمر، فقط الأصفر الذهبي”، و”عبادان البرازيلي”، ليصبح شعار “عبادان برازيل إيران” رمزا للفريق الذي تحول اسمه إلى “صنعت نفت آبادان” (صناعة نفط عبادان) عقب الثورة الإيرانية.

ومع نشوب الحرب العراقية الإيرانية عام 1980، انتقل الفريق الأصفر إلى مدينة شيراز الواقعة جنوبي إيران، وعاد إلى معقله بعد نهايتها في أغسطس/آب 1988، ليواصل مسيرته في رفد الفرق الوطنية الإيرانية بنجوم كبار شارك عدد منهم في النسخ السابقة لكأس العالم.

جماهير المدينة شغوفة بكرة القدم بشكل عام (الصحافة الإيرانية)

دبلوماسية رياضية

وبعيدا عن ملاعب کرة القدم، كشف السفير البرازيلي في إيران لودمار غونساليس داغيارينتو، في تصريحات سابقة، أنه ردد شعار “عبادان برازيل إيران” عقب تقديم أوراق اعتماده إلى الرئيس الإيراني السابق حسن روحاني.

ولدى حضوره مقر معسكر فريق صنعت نفط بالعاصمة طهران، ارتدى داغيارينتو قميص الفريق، وعبر عن أسفه لعدم استطاعته زيارة مدينة عبادان بسبب جائحة كورونا، وتعهد بمشاهدة إحدى مباريات المنتخب البرازيلي في مونديال قطر رفقة مشجعي الفريق الأصفر في المدينة التي أضحت تعرف بتشجيعها لمنتخب بلاده الوطني.

وتابع السفير البرازيلي أنه سمع بشغف المدينة الإيرانية بمنتخب بلاده من أول أيامه في البلاد، وأنه سرعان ما حفظ شعار “آبادان برزيلته” بالفارسية.

وكان السفير البرازيلي السابق في إيران رودريغو دي أزيردو سانتوس، قد قام بزيارة إلى مدينة عبادان عام 2018، التقى خلالها أعضاء فريق صنعت نفط وشارك أبناء المدينة مباريات ودية لكرة القدم.

وقال في نهاية زيارته التي استمرت يومين، إنه وجد قواسم مشتركة كبيرة بين البرازيل وعبادان لعل الرياضة والشغف بكرة القدم الأبرز بينها، وإنه لن ينسى متعة مشاهدة مباريات كرة القدم رفقة مشجعي هذه المدينة.

السفير البرازيلي السابق في إيران رودريجو دي أزيردو سانتوس زار المدينة عام 2018 (الصحافة الإيرانية)
السفير البرازيلي السابق في إيران رودريغو سانتوس (وسط) زار المدينة عام 2018 (الصحافة الإيرانية)

طراز بريطاني

وعن سبب تسمية عبادان، يكتب المؤرخ الإيراني عبد النبي قيم في مقاله “تاريخ مدينة عبّادان”، أنها “ترجع إلى عبادة أهل المدينة. وعبَّاد صيغة مبالغة من كلمة العابد، وبما أن أهل هذه البقعة كانوا من الزهاد والعبَّاد، فإنهم أطلقوا عليها عَبَّادان، بمعنى أرض العبـَّاد أو محل إقامة العـبَّاد”.

ورغم ما حل بالمدينة من دمار جراء الحرب العراقية الإيرانية، فإن المؤرخ قيم يستذكر حقبة ازدهارها في القرن المنصرم، ولا سيما عقب اكتشاف النفط في منطقة مسجد سليمان عام 1908، حيث صمّمت المدينة على طراز المدن البريطانية عقب إنشاء البريطانيين مصفاة لتكرير النفط فيها، حتى أصبحت من أهم المدن في المنطقة وزادت الهجرة إليها.

وبالرغم من الانتكاسات المتتالية التي لحقت بالفريق البرازيلي منذ فوزه بكأس العالم للمرة الأخيرة عام 2002، فإن هذه الخيبات لم تثن العبادانيين عن تشجيع الفريق الأصفر طوال العقدين الماضيين، وهم يعدون الساعات هذه الأيام لمشاهدة مباريات فريقهم المفضل إلى جانب المنتخب الإيراني في مونديال قطر 2022.

المصدر: وكالات + الجزيرة نت

Share.

صحفية عراقية من اربيل خريجة وزارة الاعلام في اربيل سنة 2004

Comments are closed.