تتمتع الكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية التابعة لبطريركية موسكو بالحكم الذاتي داخل الكنيسة الأرثوذكسية الروسية، لكن رد فعل الكنيسة الأرثوذكسية الروسية كان سلبيا للغاية تجاه مشاريع قوانين خاصة -تم تقديمها إلى البرلمان الأوكراني- بحظر أنشطة بطريركية موسكو على الأراضي الأوكرانية.

موسكو- لم يكن للحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا إلا أن تلقي بظلالها على مواقف ضفتي الكنيسة الأرثوذكسية وعلاقاتهما في كلا البلدين، والتي شكلت بدورها أكبر حدث سياسي يُخرج إلى العلن ملف التباينات التي تراكمت في السنوات الأخيرة داخل الكنيسة الأرثوذكسية هناك.

وبلغ هذا التباين أقصى حدوده مع بدء العملية العسكرية الخاصة -كما تسميها روسيا- في أوكرانيا، وذلك من خلال تصريحات أساقفة الكنيسة الأرثوذكسية في البلدين، وغيرهم من رجال الدين، حيال الحرب الدائرة، والتي عكست بشكل لا لبس فيه، تتطور الاختلافات الناشئة.

خطيئة قابيل

أدان بطريرك القسطنطينية المسكوني برثلماوس الأول، الزعيم الروحي للأرثوذكس في العالم -خلال لقاء له في وارسو مع لاجئين أوكرانيين- ما وصفه بـ”الغزو الرهيب” الذي يتعرّض له بلدهم منذ أكثر من شهر من جانب القوات الروسية، مشيرا إلى أن “الشعبين الأوكراني والروسي خرجا من جرن معمودية دنيبر”، وواصفا الحرب الدائرة بين هذه الشعوب بتكرار لخطيئة قابيل، الذي قتل شقيقه بدافع الحسد، مضيفا أن الكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية تدافع عن سيادة وسلامة أوكرانيا.

في المقابل، حرص كيريل بطريرك موسكو وعموم روسيا على وصف الصراع الدائر الآن بأنه “ليس ماديا بل هو ميتافيزيقي”، موضحا أن موقف الكنيسة الأرثوذكسية الروسية “ينطلق من الإخلاص لشريعة الله، ولقانون المحبة والعدالة، وأنها إذا رأت انتهاكا لذلك، فلن تتحمل أبدا أولئك الذين يدمرون هذا القانون، بما في ذلك طمس الخط الفاصل بين القداسة والخطيئة، وحتى مع أولئك الذين يروجون للخطيئة كنموذج”.

وفي قداس له تحدث البطريرك كيريل بشكل مباشر عما وصفه بقمع الناس وإبادتهم في الدونباس على مدار 8 سنوات، بينما “العالم كله صامت تجاه هذه المعاناة”، مضيفًا أنه يدعو الجميع للتسامح، ولكن مع تحفظ، فـ”الغفران بدون عدالة هو استسلام وضعف. لذلك، يجب أن يكون الغفران مصحوبا بالحفاظ على الحق”.

وكانت بطريركية موسكو، في أول تعليق على الأحداث، نشرت نداء وجهه البطريرك كيريل من موسكو إلى جميع القساوسة و”المخلصين للكنيسة الأرثوذكسية الروسية”، حث فيه الجميع على الصلاة من أجل “استعادة السلام” ومساعدة اللاجئين، مشيرا إلى أنه “يتعاطف بشدة مع كل من تضرر من الكارثة”، وأنه “يشعر بألم عميق وصادق معاناة الناس من جراء الأحداث”.

حكم ذاتي

من الجدير بالذكر أن الكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية التابعة لبطريركية موسكو هي كنيسة تتمتع بالحكم الذاتي داخل الكنيسة الأرثوذكسية الروسية؛ لكن رد فعل الكنيسة الأرثوذكسية الروسية كان سلبيا للغاية تجاه مشاريع قوانين خاصة -تم تقديمها إلى البرلمان الأوكراني- بحظر أنشطة بطريركية موسكو على الأراضي الأوكرانية، وقامت بتحذير كييف من “مواجهة جماعية مع عواقب لا يمكن التنبؤ بها”.

وهذه ليست المرة الأولى التي تبرز فيها بوادر انشقاق هيكلي داخل الكنيسة الأرثوذكسية بشقيها الروسي والأوكراني؛ حيث شهد العام 2016 منعطفا مهما ألقى بظلاله على وحدة الكنيسة، عندما دعا الرئيس السابق بيوتر بوروشينكو إلى إنشاء كنيسة محلية (مستقلة) على أساس ما يسمى ببطريركية كييف، ولكن دعوته قوبلت بالتجاهل من قبل الأرثوذكسية العالمية، ورأت موسكو في هذه الخطوة آنذاك محاولة انقلاب كنسي.

دمار جزئي بكنيسة أرثوذكسية في مالين بأوكرانيا بعد تعرضها للقصف (الأوروبية)

تمسك بالوحدة

وفي لقاء أجرته معه الجزيرة نت، قال الأب أيغور ياكيمتشوك -وهو رئيس الكهنة وسكرتير قسم العلاقات الكنسية الخارجية في بطريركية موسكو- إن موقف الكنيسة الأرثوذكسية الروسية ثابت، وينطلق من التأكيد على وجوب إحلال السلام في أوكرانيا، والحفاظ على الوحدة الروحية للشعوب التي توحدها الكنيسة الأرثوذكسية الروسية.

وأوضح ياكيمتشوك أن الكنيسة الأرثوذكسية الروسية تنشط في الظروف الراهنة -من جملة نشاطات أخرى- على تقديم كافة أشكال العون إلى جميع من تعرض لضرر نتيجة الأوضاع الحالية، بغض النظر عن جنسيته.

وردا على سؤال فيما إذا كانت التصريحات الصادرة عن بعض رجال الدين في أوكرانيا يمكن أن تمهد لحصول انشقاق داخل الكنيسة، قال إنه “من المبكر في الظروف الراهنة إعطاء تقييمات حيال ذلك، والمهم هو استعادة العلاقات الأخوية الجيدة بين شعوبنا”.

لكنه أشار إلى أن الكنيسة الأوكرانية، كونها كنيسة الشعب الأوكراني، تصلي من أجله ومن أجل وطنها، معتبرا أنه لا غرابة في ذلك.

تجاهل

ومن اللافت أن كنائس الكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية التابعة لبطريركية موسكو في كييف، توقفت عن ذكر اسم بطريرك موسكو وسائر روسيا، كيريل، أثناء الصلوات والقداسات.

علاوة على ذلك، تتوارد أنباء عن رفض أساقفة الكنيسة الأرثوذكسية في أوكرانيا المشاركة في مجلس أساقفة الكنيسة الأرثوذكسية الروسية المقرر عقده في مايو/أيار المقبل بموسكو، ما دعا بعض المراقبين للشأن الكنسي إلى الاعتقاد بوجود محاولة فصل كامل للحدود بين الكنيستين الأرثوذكسيتين الروسية والأوكرانية.

المصدر: وكالات + الجزيرة نت

Share.

صحفية عراقية من اربيل خريجة وزارة الاعلام في اربيل سنة 2004

Comments are closed.