الهوايات شيء نمارسه بشكل متكرر ونستمتع به، وحسب صحيفة نيويورك تايمز فإن الهوايات والأنشطة الترفيهية في غاية الأهمية للبشر؛ إذ تؤدي إلى تحسين الصحة البدنية، وخفض مستويات التوتر، وبناء شبكة أكبر من الأصدقاء، وتحقيق النجاح والتميز في الحياة المهنية، والأهم من كل ذلك هو تحقيق السعادة؛ ذلك الهدف الأكبر للإنسان.

قد تحب هواية ما وترغب في ممارستها، لكنك لا تجد الوقت الكافي لذلك في خضم متطلبات الحياة المتزايدة والأعباء المتراكمة، فكم من البشر تخلوا عن كثير من هواياتهم، لا سيما النساء العاملات اللاتي يجدن أنفسهن مشتتات بين العمل خارج المنزل ومتطلبات الأولاد والعائلة.

البحث عن هوايتك

لعل الأصعب ألا تملك هواية معينة، أو ألا تعرف ما تريد ممارسته حقا، فتجبر نفسك على ممارسة هواية ما ثم تتخلى عنها بسهولة بعد فترة وجيزة من الزمن، لتحاول إشغال نفسك بهواية أخرى ثم تتركها أيضا، وهكذا دواليك.

الكاتبة والصحفية كاتي هيني مرت بهذه الحالة من عدم القدرة على الالتزام بممارسة أي هواية مهما كانت، وكتبت عنها مقالة مهمة في منصة “ذا كت” ( The Cut) وتقول “من الأشياء التي تثير قلقي وتفكيري أنني لا أستطيع القيام بنشاط ما حتى النهاية رغم  أنني أقرر وباندفاع أن أمارس هواية أو نشاطا لم أفعله من قبل، مثلا أحببت ذات مرة الرسم بالألوان، ومرة أخرى الحياكة، وفكرت في ممارسة فن الخزف، أو تعلم لغة جديدة، وأحيانا أرى شيئا جذابا على إنستغرام وأشتري الأدوات اللازمة لصنعه ثم أتوقف، وهو ما يشعرني بالأسى. والسؤال الذي يثار دائما في عقلي: لماذا لا يمكنني الالتزام بهواية ما؟ هل أنا امرأة بلا هوايات؟ ماذا ينقصني؟

وتضيف في مقالتها “ما يزعجني أكثر هو أنني أعرف أن الهوايات تجعلنا أكثر سعادة لأنها تسهم في إحساسنا بهويتنا وشخصيتنا المميزة عن الآخرين. ولأن امتلاك هواية معينة خارج نطاق العمل أو المسؤوليات المنزلية تجاه العائلة والأولاد يجعلنا نشعر بالمزيد من النشاط والرغبة عند ممارسة أعمالنا، فإن ممارسة نشاط ترفيهي ممتع أمر مفيد للصحة العقلية والجسدية”.

في ظل الحياة العصرية السريعة فإن إدخال هواية والحفاظ عليها يشبه السباحة ضد التيار (شترستوك)

ووجدت دراسة نشرت عام 2009 في مجلة ” الطب النفسي الجسدي” (Psychosomatic Medicine) أن الأشخاص الذين لديهم هوايات ويمارسونها بشكل منتظم يتمتعون بصحة أفضل، ولا يعانون من مشاكل ضغط الدم، كما أن لديهم حياة مهنية وعائلية سعيدة.

وللإجابة عن الأسئلة التي تحاصرها بسبب عدم قدرتها على الالتزام بممارسة أي هواية، تواصلت هيني مع أستاذ علم الحركة والتنمية البشرية في ولاية بنسلفانيا ديفيد كونروي الذي يركز بحثه على التحفيز والتدخلات السلوكية، فكان الخبر السار الذي أخبرها به هو أنها ليست وحدها.

يقول كونروي “أعتقد أنه من الصعب على الجميع إدخال نشاط أو هواية جديدة في حياتهم المزدحمة، لأنها لعبة محصلتها صفر، فمن أجل توفير الوقت لنشاط جديد عليك أن تجد المساحة الزمنية له، وهذا أمر ليس سهلا في ظل الحياة العصرية السريعة التي نعيشها”.

ويضيف كونروي “أن معظم الناس يعيشون بالفعل توازنا هشا للغاية بين العمل والأسرة والمسؤوليات الأخرى، لذلك فإن إدخال هواية جديدة والحفاظ عليها شيء يشبه السباحة ضد التيار”.

وينطبق هذا على النساء أكثر من الرجال؛ نظرا للمسؤوليات العديدة اللاتي يضطلعن بها، بين العمل خارج المنزل والعمل الشاق داخله، والعناية بالأطفال والأمور المنزلية العديدة التي تستهلك أغلب وقت النساء.

ومع ذلك، فإن هذا ليس مستحيلا؛ فنحن جميعا نعرف أشخاصا لا يجدون بانتظام وقتا لممارسة هواياتهم المفضلة. وهنا يقول كونروي إن هناك معيارين رئيسيين يجب أن نستخدمهما لتقييم جدوى أي هواية جديدة محتملة في حياتنا:

الأول: هل هي سهلة؟

بكلمة سهلة من المهم ملاحظة أن كونروي لا يعني أن الهواية يجب ألا تتطلب أي تفكير أو جهد على الإطلاق، بل المقصود عدم بذل كثير من الجهد في ممارستها؛ فكلما زاد المجهود المبذول لممارسة هواية ما زاد استهلاكها للوقت الذي قد نكون في أمس الحاجة إليه لإنجاز أعمالنا الأخرى.

على سبيل المثال؛ أن تضطر للذهاب لمكان معين لممارسة هوايتك، أو شراء معدات خاصة، أو ضرورة وجود مجموعة من الأشخاص كي تحقق هوايتك مثل لعبة كرة القدم، فهي لعبة جماعية ولا يمكن أن تمارسها وحدك؛ كل هذا ضد “معيار السهولة”، فكل مطلب تفرضه هواية هو عائق أمام استدامتها.

لكن مرة أخرى، كلمة “سهلة” لا تعني عدم بذل مجهود خاص، فمعظم الناس يفضلون الهوايات التي تتحداهم بطريقة ما، وتتطلب منهم التعلم والنمو والمحاولة.

الثاني : هل هي ممتعة؟

أما بالنسبة للمعيار الثاني، وهو أن تكون “ممتعة” فهذا يعني الشعور بالرضا عند القيام بها. فنحن كبشر نبحث عن المتعة والترفيه دائما في سلوكنا اليومي، بما في ذلك تناول الطعام الشهي أو شرب أنواع معينة من العصائر أو الشعور بالحب، ومع أن هذه ضروريات وليست هوايات فإنها أشياء نقوم بها مرارا وتكرارا لأنها تشعرنا بالرضا، لذلك على الهواية التي نختارها أن تشعرنا بهذا الإحساس الماتع أيضا.

ممارسة فن الخزف هواية ممتعة ولا تحتاج أدوات كثيرة (شترستوك)

كيف تختار هواية ما؟

للتخلص من مشكلة عدم ممارسة هواية ما، أو التخلي عنها بسهولة كما كانت تفعل الكاتبة كاتي هيني، يقدم الدكتور بي جي فوغ مدير مختبر تصميم السلوك في جامعة ستانفورد، ومؤلف كتاب “عادات صغيرة: التغيرات البسيطة التي تغير كل شيء” عددا من النصائح المهمة، ونقلتها منصة “مارثا ستيوارت” (marthastewart)، ومن أهمها:

1- اختر شيئا تحبه

يجب أن تكون الهواية ممتعة لك، لذلك إذا لم تتمكن من الالتزام بنشاط معين، فإن خطوتك الأولى هي تقييم ما إذا كنت تستمتع بها حقا أو لا.

مثلا، إذا كان حل الألغاز أو الكلمات المتقاطعة محبطا ومرهقا فقد لا تكون هذه الهواية المناسبة لك، وخلاصة القول -كما يقول فوغ- “أن العادات والهوايات الوحيدة التي يمكنك تكوينها والحفاظ عليها بنجاح هي تلك التي تريد فعلها حقا”، أما إذا أجبرت نفسك على القيام بشيء ما فتأكد أنك ستتركه في النهاية لأن الهواية ضد الإجبار، إنها شيء نرغب في فعله حقا ونستمتع أثناء القيام به.

2- لا ترفع السقف

إذا كانت ممارسة هواية جديدة تتطلب قضاء ساعة أو اثنتين من وقتك الثمين كل يوم فسوف تمل منها في النهاية أو تشعر بالإحباط بسبب الوقت الطويل الذي تستهلكه، هنا يقول فوغ إن الأهم من الكم هو النوع والديمومة، فقد لا تكون لديك ساعة إضافية كل يوم لتحرير ألبومات صور عائلتك، أو ساعتان للعب كرة القدم، لكن إذا حددت هدفا أصغر مثل قضاء 10 دقائق كل يوم لممارسة هواية ما كالرسم مثلا، فعندها يمكنك تطوير عادة أقوى وأكثر استمرارية.

“كن واقعيا في اختيار ما يمكنك القيام به كل يوم في وقت فراغك، ولا ترفع السقف كي تكون قادرا على المواصلة والاستمرار”.

قضاء 10 دقائق كل يوم لممارسة هواية الرسم تمكنك من تطوير عادة أقوى وأكثر استمرارية (شترستوك)

3- مفهوم الترسيخ

إحدى تقنيات فوغ الأساسية لتشكيل العادات هي “مفهوم الترسيخ”، فعندما تقترن عادة جديدة بأخرى ثابتة، مثل إضافة كريم ليلي مرطب للوجه إلى جدول أعمالكِ المسائي بعد تنظيف أسنانكِ مباشرة؛ فإن ذلك يصبح أمرا مهما حقا “يسمح لك بربط العادة الجديدة بروتينك اليومي ومن ثم يصبح روتينك بمثابة تذكير أو منبه”.

لهذا ينصح فوغ بربط الهوايات الجديدة بالعادات اليومية، بحيث تصبح جزءا من الروتين الذي يعمل آليا مع مرور الوقت، ويضرب فوغ مثلا آخر وهو التوقف عند المكتبة للحصول على كتاب جديد بعد كل جولة تسوق جديدة لشراء البقالة أو مستلزمات البيت الأخرى، وهكذا تفعل مع كل هواية جديدة ترغب أو ترغبين في تنميتها واستمراريتها.

4- ابحث عن صديق

يقول فوغ إن مطالبة أحد أفراد العائلة أو صديق بمشاركتك في ممارسة الهواية الجديدة أسلوب تقليدي، لكن الأهم أن تجد صديقا تريد ممارسة هواية جديدة قريبة من هوايتك أو على الأقل يشترك معك في المكان نفسه.

هنا يؤكد فوغ أن “التغير معا أمر جيد”، وعلى سبيل المثال إذا كنتِ ترغبين في الانضمام إلى فريق كرة السلة في النادي فقد يشترك معك أطفالك في تعلم دروس السباحة بالنادي نفسه، أو إذا كنت تحبين ممارسة رياضة المشي لمسافات طويلة في الطبيعة فقد تجدين صديقة لديها هواية رسم المناظر الطبيعية بحيث تمضيان معا إلى المكان نفسه؛ أنت تمشين وهي ترسم.

5- لا تحفز نفسك بالمكافآت

إذا اخترت الهواية الصحيحة التي تستمع بها حقا فلا داعي لتحفيز نفسك بالمكافآت، مثلا أن تشتري ملابس رياضية جديدة بعد أسبوع من المشي؛ فالمكافأة الحقيقية هي شعورك بالمتعة أثناء ممارسة هوايتك، أما أن تعد نفسك “بجائزة” ما بسبب قيامك بهوايتك فهذه ليست هواية، بل واجب تكافئ نفسك عليه وستتوقف عنها في النهاية.

هنا يقول فوغ “تحتاج فقط إلى حافز إذا كنت لا تريد في أعماقك ممارسة هذه الهواية أو كنت لا تستمتع بها حقا”، وهو أمر لا داعي له على الإطلاق.

المصدر: وكالات + الجزيرة نت

Share.

صحفية عراقية من اربيل خريجة وزارة الاعلام في اربيل سنة 2004

Comments are closed.