رام الله – رغم الضرر الكبير الذي لحق بشقته بعد تفجير الاحتلال بيت أخيه الشهيد الملاصق لها، لا يجد الفلسطيني ياسر الجعبري وعائلته خيارا آخر سوى البقاء فيها على حالها، كما فعل أشقاؤه الثلاثة الآخرون الذين تضررت بيوتهم بمستويات متفاوتة.

ونفّذت قوات الاحتلال الإسرائيلي قبل أيام قرارها بهدم منزل الشهيد محمد الجعبري منفذ عملية إطلاق النار قرب مستوطنة “كريات أربع”، المقامة على أراضي مدينة الخليل جنوب الضفة الغربية، في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وقُتل فيها مستوطن وأصيب 5 آخرون.

يقول ياسر الجعبري للجزيرة نت “لم ينجحوا في هدم شقة الشهيد بالكامل من أول مرة، فقاموا بتفجيرها، مما أحدث خرابا بكل شقق العمارة ومنازل الجيران”.

وأصاب الخراب الأكبر شقة ياسر الأقرب، حيث إن الجدران تشققت والنوافذ تصدعت وتكسرت من قوة التفجير الذي أحدث فتحة بسقف المطبخ أيضا.

 

 

مبادرات ولكن!

ورغم الحاجة الضرورية لترميمها، فإن الجعبري وعائلته لا يجدون خيارا آخر سوى مواصلة السكن فيها، في حين انتقلت زوجة الشهيد وطفليهما إلى منزل والدها بعد أن باتوا بلا مأوى، وكحلّ مؤقت حتى تتمكن العائلة من توفير بديل لهم.

يقول ياسر الجعبري “تلقينا مبادرات عديدة من أهالي المدينة لمساعدتنا ماليا بإعادة بناء منزل الشهيد، ولكن قرار الاحتلال بالهدم كان مرفقا بمنع البناء في المكان نفسه”.

وخلّف الهدم آثارا نفسية كبيرة على العائلة ولا سيما طفلي الشهيد، حيث اضطروا لإخلاء بيتهم منذ اليوم الأول لقرار المحكمة الإسرائيلية بهدمه وهم لم يكملوا عاما واحدا من السكن فيه.

والمبادرات بتقديم دعم لإعادة بناء المنزل، كما يقول الجعبري، لم تصدر من جهات رسمية فلسطينية، وإنما من “أهل الخير” وهم غالبا ميسورون من تجار وشخصيات محلية.

وحال عائلة الشهيد الجعبري في الخليل كحال مئات العائلات الفلسطينية التي هدم الاحتلال منازلها في السنوات الأخيرة، وأخرى لا تزال تنتظر تنفيذ قرارات الهدم، واضطرت لإيجاد بدائل للسكن من دون تدخلات رسمية لمساعدتها، أو مبادرات مجتمعية علنية في ظل ملاحقة الاحتلال لهذه المبادرات بدعوى دعم “الإرهاب”.

ومن هؤلاء أيضا عائلة الأسير الشاب يونس هيلان من محافظة قلقيلية شمال الضفة، الذي تتهمه سلطات الاحتلال بتنفيذ عملية طعن مستوطن وقتله في أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

في 11 يناير/كانون الثاني الماضي، أبلِغت العائلة بقرار الاحتلال النهائي بهدم المنزل، وعلى إثره أفرغته بالكامل وانتقلت للسكن في بيت مستأجر بلا دعم رسمي.

244 فلسطينيا شُرّدوا منذ بداية العام

وبحسب مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية “أوتشا”، فقد هدمت إسرائيل 171 منشأة فلسطينية، من بينها منازل سكنية كانت تؤوي 244 فلسطينيا منذ بداية العام الحالي.

ووفق مركز معلومات فلسطين “معطى”، بلغ عدد المنازل التي هدمها الاحتلال منذ بداية العام 51 منزلا، منها 11 في محافظة أريحا ومثلها في الخليل، و15 منزلا بالقدس المحتلة، و3 بمحافظة بيت لحم، و3 في جنين، و7 في نابلس، ومنزل واحد في سلفيت. وتضاف هذه الأرقام إلى 353 مبنى سكنيا هدمت خلال العام 2022 وشُردت العائلات التي كانت تسكنها أيضا.

واحد من منازل عائلة جرادات الخمسة التي هدمها الاحتلال العام الماضي قرب جنين (الجزيرة)

5 منازل لعائلة واحدة

منزل عائلة الأسير عمر جرادات من بلدة السيلة الحارثية القريبة من جنين شمال الضفة، واحد من هذه المنازل الذي هدم في مايو/أيار 2022.

وتتهم إسرائيل جرادات بتنفيذ عملية فدائية قُتل فيها مستوطن وأصيب آخرون بالقرب من مستوطنة “حومش” المقامة على أراضي الفلسطينيين شمال الضفة نهاية العام 2021.

وفي حالة عائلة جرادات، لم يقف الأمر عند هدم منزل واحد فقط، فقد تدرج الاحتلال بالهدم حتى طال 5 من بيوت العائلة، منها اثنان لمحمد جرادات خال الأسير الذي يتهمه الاحتلال بالمشاركة في العملية، ومنزل ثالث لقريب لهم، إلى جانب منزل والد الأسير أيضا بعد اتهام الاحتلال شقيقه “غيث” بالمشاركة في العملية أيضا.

يقول أسد الله جرادات شقيق الأسير عمر إن العائلات تعرضت للتهجير من منازلها عدة مرات، بعد أن أقدم الاحتلال على هدم المنازل في فترات متباعدة.

وبحسب شقيق الأسير في حديث للجزيرة نت، فتح الأقارب منازلهم للعائلات المشردة، مما ساعد في التخفيف عنهم. وتابع “وجدنا ملجأ لنا من الأقارب ولم نضطر إلى استئجار منزل أو الخروج من المنطقة التي نسكنها، وهو ما خفف عنا خسارتنا الكبيرة”.

وكما في حالة الجعبري، حاولت عائلة جرادات إعادة بناء منازلها في المكان نفسه، إلا أنها فوجئت بقرار يمنعها من ذلك أو من الاستفادة من مكان الهدم لأي غرض حتى أجل غير مسمى.

وتسعى عائلة جرادات الآن لبيع قطعة أرض تمتلكها لإعادة بناء منزل جديد للسكن فيه بمكان آخر، في ظل عرقلة جهود مجتمعية لإعادة بناء بيوتها المهدمة، والتخوف من الملاحقة من قبل الاحتلال بحجة دعم “إرهابيين”.

ويستذكر أسد الله جرادات سنوات الانتفاضة الثانية، وكيف كانت المبادرات المجتمعية والمساعدات الرسمية التي قدمتها وزارة الأشغال العامة والفصائل الفلسطينية تساعد العائلات التي هُدمت منازلها. وقال “هدم في منطقتنا نفسها 5 منازل، جميعها أعيد بناؤها بمساعدات تم جمعها من الأهالي والأحزاب وبتنظيم من الجهات الرسمية”.

البديل.. العيش في الكهوف

رغم تخوّف الحاضنة المجتمعية وتراجع الدعم الرسمي والفصائلي، كما قال جرادات، فإن حال أصحاب المنازل المهدمة في المناطق القريبة من المدن (مناطق “أ” التي تسيطر عليها السلطة حسب تصنيف أوسلو) أفضل ممن في المناطق النائية، حيث يضيّق الاحتلال على الأهالي لإجبارهم على الرحيل عنها، كما هو الحال في الأغوار ومسافر يطا.

محمد أيوب أبو صبحة من تجمّع “الفخيت” بمسافر يطا، جنوب الضفة الغربية، يسكن مع عائلته الآن في كهف بعد هدم مسكنه 3 مرات خلال العام الماضي.

ففي يناير/كانون الثاني 2022 هدمت جرافات الاحتلال منزله المكون من غرفة كبيرة مبنية من الطوب والمسقوفة بالصفيح، فانتقل للعيش بشكل مؤقت في خيمة قدمتها له السلطة الفلسطينية، وبعدها بشهر أعادت مؤسسة دولية أوروبية بناء منزله كما كان، فأعاد الاحتلال هدمه في مايو/أيار الماضي.

بعد الهدم الثاني عادت العائلة للعيش في خيمة، وبدأ بإعادة بناء منزله بسقف من الصفيح بدعم من إحدى المؤسسات الدولية، ولكن الاحتلال لم يمهله كثيرا فقام بهدم البيت قبل أن يسكنه، وصادر الخيمة أيضا.

وفي تلك المنطقة، يمنع الاحتلال البناء بشكل كامل بحجة أنها تقع ضمن المناطق المصنفة “ج” (خاضعة للسيطرة الإسرائيلية الكاملة)، مما يجعل الأهالي ينتقلون للسكن في الكهوف التي كانت تؤوي المواشي والحيوانات في الشتاء، كما يقول رئيس مجلس محلي مسافر نضال يونس للجزيرة نت.

وبحسب يونس، فإن عشرات العائلات لجأت إلى الكهوف من دون مقومات للحياة الآدمية، إلا أنها بالنسبة لهم خيارهم الوحيد للصمود على أراضيهم.

ووفق يونس، فإن هذه الملاحقة أثّرت على المساعدات المقدمة للعائلات بعد هدم منازلها، وأدت إلى تراجعها مقارنة بالسنوات السابقة. وقال إن “المساعدات كانت أكبر وأسرع، ولكن خلال السنوات الأخيرة باتت محدودة وبسيطة”.

المصدر: وكالات + الجزيرة نت

Share.

صحفية عراقية من اربيل خريجة وزارة الاعلام في اربيل سنة 2004

Comments are closed.