القاهرة- وسط احتفاء رسمي وُثّق في طابع تذكاري، تمر هذه الأيام ذكرى مرور 75 عاما على إنشاء محكمة القضاء الإداري بمصر، والمعروفة باسم “مجلس الدولة”.

وتزامن الاحتفال “باليوبيل الماسي” للقضاء الإداري مع استقبال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الثلاثاء الماضي رؤساء مجالس الدولة والمحاكم الإدارية العليا الأفارقة، الذين تواجدوا في مصر للمشاركة في تأسيس اتحاد مجالس الدولة والمحاكم العليا الأفريقية.

وحسب البوابة الإلكترونية لوزارة العدل المصرية، فإن مجلس الدولة (يرأسه حاليا القاضي محمد محمود حسام الدين) جهة قضائية مستقلة، ويختص دون غيره بالفصل في المنازعات الإدارية، ومنازعات التنفيذ المتعلقة بجميع أحكامه، كما يختص بالفصل في الدعاوى والطعون التأديبية، ويتولى وحده الإفتاء في المسائل القانونية للجهات التي يحددها القانون، ومراجعة وصياغة مشروعات القوانين والقرارات ذات الصفة التشريعية، ومراجعة مشروعات العقود التي تكون الدولة -أو إحدى الهيئات العامة- طرفا فيها.

ووفق دراسة توثيقية تاريخية للمستشار محمد عبد الوهاب خفاجي نائب رئيس مجلس الدولة بعنوان “الغائب في اليوبيل الماسي لمجلس الدولة تاريخ ومواقف”، فإن أول تشكيل لمجلس الدولة كان في عهد الملك فاروق الأول (1920-1965)، وبلغ عدد القضاة 113، بينهم رئيس للمجلس بمرسوم ملكي منفرد، ومرسوم ملكي آخر شمل وكيلا واحدا و111 عضوا.

وحسب الدراسة التي نشرها موقع نقابة المحامين، أوضح خفاجي أن الملك أصدر القانون رقم 112 لسنة 1946 بإنشاء مجلس الدولة في 18 رمضان سنة 1365 هجرية الموافق 15 أغسطس/آب 1946.

التأسيس والتأثير

وحسب رصد قام به محرر الجزيرة نت، بناء على مصادر قانونية ومراقبين حقوقيين، فإن لمحكمة القضاء الإداري بمصر أحكاما تاريخية اشتبكت مع الأحداث الكبرى، جعلت لشيوخها من القضاة تأثيرا لافتا، ومنهم المستشارون عبد الرزاق السنهوري وطارق البشري ويحيي دكروري وأحمد الشاذلي، مما جعل محكمة القضاء الإداري تشكل عمودا قضائيا مهما من أعمدة القضاء بمصر.

من جانبه، يوضح المحامي ورئيس مركز الشهاب لحقوق الإنسان خلف بيومي أن مجلس الدولة المصري هو أحد الأعمدة الثلاثة التي تشكل السلطة القضائية في مصر (المحكمة الدستورية العليا، ومحكمة النقض، ومجلس الدولة)، وأنشئ عام 1946 على غرار مجلس الدولة الفرنسي، ولكن يحكمه الآن القانون رقم 47 لسنة 1972 للفصل في المنازعات الإدارية بين الأفراد ومؤسسات الدولة.

وفي حديثه للجزيرة نت، يرى رئيس مركز الشهاب لحقوق الإنسان أن هناك أسماء كثيرة بارزة في تاريخ محكمة القضاء الإداري، لكنه يميل لاختيار المستشارين يحيي دكروري وطارق البشري، نظرا لتأثيرهما الممتد خارج المجلس وداخله، بناء على تمسكهما بالدفاع عن سيادة القانون، وفق رأيه.

ويضيف بيومي أنه يشعر بالامتنان لدور مجلس الدولة في مراحل كثيرة من عمره، مضيفا أن “القضاء في مصر بصفة عامة يمر بحالة استقطاب شديد، ويعاني مما تعاني منه كل مؤسسات وسلطات الدولة، لكن قضاء مجلس الدولة حاول الإفلات من ذلك بالانحياز لصريح القانون والدستور، وأصدر أحكاما بالغة الأهمية”.

ورأى أن من أهم تلك الأحكام بطلان التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير للسعودية، ومن قبلها أحكام بطلان قرارات التحفظ على ممتلكات عدد من رموز المعارضة المصرية، وهي أحكام لم تلق قبولا في وقتها، وتم التحايل عليها، ولكن يبقى أن مجلس الدولة انحاز في هذه الحقبة الزمنية لصريح القانون، حسب وصفه.

 

أحكام تاريخية

وشغلت محكمة القضاء الإداري (مجلس الدولة) منذ نشأتها الرأي العام المصري بأحكام وصفها مراقبون ومصادر قانونية بالتاريخية.

ويعد حكم مصرية تيران وصنافير آخر الأحكام التاريخية الصادرة عن المحكمة، الذي خرجت بعده مظاهرات حاشدة احتفالا به.

ففي 16 يناير/كانون الثاني 2017، أصدرت محكمة القضاء الإداري برئاسة القاضي الراحل أحمد الشاذلي حكما نهائيا ببطلان اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية واستمرار السيادة المصرية على جزيرتي تيران وصنافير، وقضت كذلك برفض طعن الحكومة، وذلك قبل أن تلغي المحكمة الدستورية العليا (المحكمة الأعلى بالبلاد) في مارس/آذار 2018 الحكم برمته.

ويعد حكم إلغاء الاحتفالات بمولد الحاخام اليهودي أبو حصيرة -الذي كان يقام في ديسمبر/كانون الأول كل عام بمحافظة البحيرة (شمال القاهرة)- أحد أبرز أحكام المحكمة عام 2014، إذ كان يثير جدلا وغضبا واسعين من قبل المصريين، قبل أن تقوم المحكمة بإصدار حكم نهائي وباتّ عام 2020 بحظره تماما.

وأصدرت المحكمة حكما نهائيا وباتا عام 2021 بتأييد حكم آخر صادر عام 2013 بأحقية الصحفيين بمصر في صرف بدل التدريب والتكنولوجيا (بدل مالي تدفعه النقابة) صيانة لاستقلال الصحافة والصحفيين في البلاد.

وفي 23 أكتوبر/تشرين الأول 2010، أصدرت المحكمة حكمها بإلغاء قرار وزير الداخلية بإنشاء إدارة للحرس الجامعي تابعة لوزارة الداخلية داخل الجامعات، مؤكدة أنه يمثل انتقاصا للاستقلال الذي كفله الدستور والقانون، وقيدا على حرية الأساتذة والباحثين والطلاب فيها.

وفي 18 نوفمبر/تشرين الثاني 2008، قضت محكمة القضاء الإداري بوقف قرار الحكومة تصدير الغاز الطبيعي إلى عدة دول، من بينها إسرائيل، في الدعوى المقدمة من السفير المصري الراحل إبراهيم يسري، إذ إن الحكومة اتفقت على تصدير الغاز الطبيعي لتلك الدول دون تغيير الأسعار لمدة 15 سنة.

كما تصدت المحكمة لدعاوى بيع وخصخصة شركات القطاع العام بمصر، والداعمة لحقوق العمال، ومن بينها حكم المحكمة بإبطال عقد بيع شركة المراجل البخارية عام 2011، وبطلان خصخصة شركة طنطا للكتان في العام ذاته.

السنهوري

ويعد القاضي الراحل عبد الرزاق السنهوري (1895م-1971م) أحد أبرز أعلام مجلس الدولة والفقه والقانون في الوطن العربي، وتولى مسؤولية رئاسة مجلس الدولة من عام 1949م حتى 1954م.

وتعرض السنهوري لواقعة اعتداء شهيرة أمام مقر المجلس وسط القاهرة من مأجورين وفق البعض في 29 مارس/آذار 1954، بعد مطالبته بإرساء الديمقراطية وحل مجلس قيادة الثورة الذي حكم مصر بعد 1952، وعودة الجيش إلى الثكنات.

وكان الخلاف الذي وقع بين السنهوري وبين الرئيس المصري الأسبق جمال عبد الناصر السبب في حل مجلس الدولة عام 1954، قبل إصدار قانون جديد ينظم عمل المحكمة في 1955.

البشري

والقاضي الراحل طارق البشري (1933-2021) أحد أبرز أعلام المحكمة، حيث شغل منصب النائب الأول لرئيس مجلس الدولة المصري ورئيس الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع (أبرز أقسام المحكمة) عدة سنوات، قبل أن يعين من قبل المجلس الأعلى للقوات المسلحة (حكم مصر بعد ثورة يناير/كانون الثاني 2011 وتنحي الرئيس حسني مبارك) في فبراير/شباط 2011 رئيسا للجنة المعنية بتعديل الدستور المصري، وله تراث قانوني وفكري بارز.

دكروري

ويعد المستشار يحيى دكروري نائب رئيس مجلس الدولة أحد العلامات على منصة القضاء الإداري، حيث أصدر الحكم الأول بمصرية جزيرتي تيران وصنافير.

وتلقى دكروري عام 2017 دعما كبيرا لرئاسة مجلس الدولة بحكم أقدميته، بعدما رشحته الجمعية العمومية للمجلس، لكن تم تغيير قانون السلطة القضائية قبل الترشيحات لتسمح لرئيس الجمهورية بالاختيار بين أقدم 7 نواب في المجلس، بدل الأقدم سنا، ومع ذلك شهدت أوساط مجلس الدولة حالة غضب ليقوموا بترشيح دكروري منفردا، إلا أنه تم تجاهل الترشيح، وتعيين قاض آخر بدلا عنه.

ومن أبرز الأحكام التي أصدرها دكروري الحكم الصادر عام 2013 ببطلان دعوة الناخبين لانتخابات مجلس النواب، كما تنحى عن نظر الدعوى المقامة لإلغاء قرارات التحفظ على أموال قيادات جماعة الإخوان المسلمين عام 2014، وأصدر حكما بوقف تنفيذ قرار اللجنة العليا للانتخابات رقم 70 لسنة 2015، بضرورة إجراء الكشف الطبي على المرشحين.

الشاذلي

ويعد المستشار الراحل أحمد الشاذلي (1955-2021) نائب رئيس مجلس الدولة من أبرز قضاة المحكمة، إذ أصدر من منصته الحكم النهائي بمصرية تيران وصنافير الذي صاحبه احتفاء شعبيا لافتا وتحفظا من السلطة، قبل أن تلغيه المحكمة الدستورية العليا.

وعمل الشاذلي منذ عام 1976 بالمجلس لمدة زادت على 30 عاما، وأصدر أو شارك في أحكام قضائية تؤيد حقوق العمال، ومنها تأييد بطلان خصخصة عدد من شركات القطاع العام كعمر أفندي وطنطا للكتان.

 

المصدر: وكالات + الجزيرة نت

Share.

صحفية عراقية من اربيل خريجة وزارة الاعلام في اربيل سنة 2004

Comments are closed.