في اليوم الخامس للعدوان المتواصل على قطاع غزة، شنت طائرات الاحتلال الحربية موجة عنيفة من القصف الجوي غير المسبوق على المقر الرئيسي للجامعة الإسلامية غرب مدينة غزة، مما أسفر عن تدميرها بشكل كامل.

وطال القصف مبنى الإدارة والمكتبة المركزية ومبنى المختبرات ومباني القدس وطيبة واللحيدان الدراسية، ولاحقا عرض جيش الاحتلال تسجيلا مصورا للغارات العنيفة على الجامعة التي وصفها بأنها “مركز مهم للقوة السياسية والعسكرية للتنظيم الإرهابي، وتعمل لتأهيل وتدريب وتطوير وإنتاج الوسائل القتالية”.

وقد شكل هذا التدمير غير المسبوق محطة جديدة في تاريخ مواجهات الجامعة الإسلامية مع الاحتلال، منذ انطلاقتها الأولى وحتى اليوم.. فكيف كانت حكاية هذه المواجهات؟

من الخيمة إلى الحرم

تأسست الجامعة الإسلامية بغزة عام 1978 بقرار من معهد الأزهر، الذي تزايدت أعداد خريجي الثانوية منه، دون أن تتوفر لديهم فرصة لتلقي التعليم العالي داخل قطاع غزة، لتقرر لجنة شكلها المعهد لتأسيس جامعة تضمن كليات الشريعة والقانون وأصول الدين وقسما للغة العربية شكّل لاحقا نواة لكلية الآداب.

وبدأت الجامعة مسيرتها بـ25 طالبا وهيئة تدريسية من 5 محاضرين أحدهم يحمل درجة الدكتوراة، و4 يحملون درجات الماجستير.

ومن الخيام التي تحولت لاحقا إلى قاعات دراسية مؤقتة، توالى افتتاح الكليات تباعا حتى عام 1985 لتضم الجامعة كليات أصول الدين والتربية والتجارة والعلوم، ومحاولة افتتاح كلية التمريض عام 1986 لكن القرار رفض من سلطات الاحتلال التي كانت تتولى الإدارة المدنية والعسكرية للقطاع المحاصر.

وشهدت الجامعة الإسلامية انطلاقة جديدة مطلع التسعينيات، بافتتاح كلية التمريض والهندسة، وتوسع مبانيها وحرمها الجامعي، علاوة على استعانتها بمحاضرين من الضفة الغربية ضمن هيئتها التدريسية، وبحلول عام 2006 كانت الجامعة قد ضمت كلية الطب وتكنولوجيا المعلومات.

كما توسعت مطلع الألفية الثانية، وشيدت العديد من المباني والمرافق الجامعية داخل حرم الجامعة الإسلامية الرئيس الواقع غرب مدينة غزة، واستوعبت آلاف الطلاب والمئات من أعضاء الهيئة الدراسية والموظفين الإداريين، كما أسست العديد من الهيئات والمرافق التابعة لها، ومنها:

  • عمادة خدمة المجتمع والتعليم المستمر
  • حاضنة الأعمال والتكنولوجيا
  • مختبرات المواد والتربة
  • المكتبة المركزية
  • لجنة الإفتاء
  • إذاعة القرآن الكريم
  • فضائية الكتاب
  • مركز عمارة التراث
  • مركز التاريخ الشفوي
  • مركز تحليل الأغذية

وإضافة لذلك ضمت الجامعة مباني للمختبرات وقاعة المؤتمرات الكبرى وعددا من المعاهد التقنية والفنية المتخصصة، ومراكز علم النفس والصحافة، وكلية مجتمع العلوم التي استقلت لاحقا لتصبح الكلية الجامعية للعلوم والتكنولوجيا، مما مكنها من استضافة واحتضان العديد من الفعاليات العلمية والأكاديمية على مستوى قطاع غزة وفلسطين.

وعقب الانسحاب الإسرائيلي من غزة عام 2005، توسعت الجامعة الإسلامية إلى محافظات القطاع المحررة، فشيدت حرما جامعيا مركزيا في خان يونس جنوب القطاع، وحرما في النصيرات على أراضي المستوطنات البائدة، وحرما ثالثا شمال القطاع المحاصر.

سنوات النار والمواجهة

منذ تأسيسها، تعرضت الجامعة الإسلامية لهجمات متواصلة من جيش الاحتلال وإدارته في قطاع غزة، الذي واصل مداهمة مقرها، واعتقال طلابها وأعضاء هيئتها التدريسية، علاوة على إغلاقها لسنوات خلال الانتفاضة الأولى بسبب مشاركة طلابها وأساتذتها البارزة في فعاليات الانتفاضة.

ونازع حركة فتح في ثمانينيات القرن الماضي أنصار التيار الإسلامي الذي انبثقت عنه حركة حماس، في محاولات للسيطرة على إدارة الجامعة، لكنها أصبحت تشكل معقلا رئيسا لحماس حيث ضم مجلس أمنائها عددا من القادة التاريخيين للحركة ومنهم الشيخ أحمد ياسين والمهندس إسماعيل أبو شنب وغيرهما.

كما تحتفظ الجامعة الإسلامية بقائمة طويلة من خريجيها الذين شكلوا لاحقا روافد مهمة للعمل التنظيمي الفلسطيني، ومنهم اسماعيل هنية ويحيى السنوار ومحمد الضيف وعز الدين الشيخ خليل وإبراهيم المقادمة، الذين كانوا أعضاء في مجالس الطلبة المتعاقبة للجامعة، كما تضم القائمة القيادي السابق بحركة فتح محمد دحلان الذي كان رئيس منظمة الشبيبة الفتحاوية بالجامعة خلال سنوات شبابه.

من الاحتلال إلى السلطة

مع توقيع اتفاقية أوسلو، وتأسيس السلطة الفلسطينية، ظلت الجامعة الإسلامية عرضة للاستهداف بسبب اعتبارها معقلا رئيسيا لحماس، حيث تعرضت للعديد من المداهمات وحملات الاعتقالات من قبل قوات الأمن الفلسطينية.

ولخص تلك الحملة المقطع الشهير للواء غازي الجبالي أول قائد لجهاز الشرطة الفلسطينية في عهد السلطة، حين قال وهو يصف الجامعة الإسلامية بـ “الوكر” متعهدا بالسيطرة عليها واجتثاث “جهات التطرف من حماس والجهاد الإسلامي” من جذورها.

وشهد حرم الجامعة صدامات عديدة بين أنصار حماس وفتح في جامعة الأزهر الملاصقة للجامعة الإسلامية، لكن الحادث الأكثر دموية في تاريخ الجامعة كان في أكتوبر/تشرين الأول 2001، بعد أن أطلقت شرطة السلطة الفلسطينية الرصاص الحي لتفريق مظاهرة طلابية خرجت من الجامعة الإسلامية احتجاجا على الحرب الأميركية على أفغانستان، مما أسفر عن مقتل 3 متظاهرين أحدهم طفل، وإصابة 55 آخرين.

وقد أسفرت مجزرة طلاب الجامعة الإسلامية، في أكتوبر/تشرين الأول 2001، عن اندلاع صدامات عنيفة في حينه مع قوات شرطة السلطة التي أصيب 10 من أفرادها بالمواجهات، قبل أن تتوسع الدائرة إلى عدد من أحياء مدينة غزة التي شهدت إحراق مقرات أمنية للسلطة في مخيم الشاطئ وحي الشيخ رضوان.

تحت النار

مع فوز حركة حماس بالانتخابات التشريعية عام 2006، ودخول قطاع غزة في موجات متتالية للاشتباكات بين حماس وفتح والأجهزة الأمنية، كانت الجامعة الإسلامية في عين العاصفة نظرا لملاصقتها لجامعة الأزهر المحسوبة على حركة فتح.

وشهد محيط الجامعتين العديد من الاشتباكات الطلابية بين أنصار الكتلة الإسلامية ومنظمة الشبيبة الفتحاوية، تطورت في بعض الأحيان إلى اشتباكات مسلحة بين الأجهزة الأمنية والقوة التنفيذية التابعة لوزارة الداخلية التي تديرها حماس.

وفي فبراير/شباط 2007، اقتحمت قوات حرس رئيس السلطة الوطنية مقر الجامعة الإسلامية الرئيسي في غزة، وأضرمت النار في عدد من المباني من بينها المكتبة المركزية وقاعة المؤتمرات الكبرى.

وفي مايو/أيار من ذات العام شهد محيط الجامعة الإسلامية اشتباكات عنيفة استخدمت فيها قذائف “آر بي جي” والهاون بعد محاولة قوات الحرس الرئاسي اقتحام مباني الجامعة مجددا، وتصدت كتائب القسام للاقتحام متوعدة “كل من يفكر باقتحام الجامعة بأنّ طريقه لذلك المأرب لن تكون مفروشة بالورود، بل سيخرج محمولا على الأكتاف”.

الاحتلال مجددا

قصفت الطائرات الحربية خلال العدوان الإسرائيلي في ديسمبر/كانون الأول 2008 مبنى المختبرات المركزي في الجامعة الإسلامية وقامت بتسويته بالأرض، وإلحاق أضرار فادحة بعدد من المباني، وقد برر الاحتلال القصف في حينه بأن مختبرات الجامعة الإسلامية تستخدم لـ “لتصنيع وتطوير الصواريخ وأن قاعاتها تستخدم لعقد اجتماعات لقيادة حماس في غزة”.

وعام 2012، شن الاحتلال حملة تحريض جديدة ضد الجامعة الإسلامية، بعد قرار منظمة “اليونسكو” منحها مقعدا فيها، متهما على لسان خارجيته الجامعة و “قسم الهندسة الكيميائية” تحديدا بدعم الجناح العسكري لحماس، وهو ما رد عليه رئيس الجامعة في حينه الدكتور كمالين شعث بنفي ما سماه “الافتراءات الجاهزة” مشيرا إلى أن الجامعة لا يوجد فيها من الأساس قسم للهندسة الكيميائية.

وفي الحرب الثالثة على غزة عام 2014، قصفت الطائرات الحربية مجددا الجامعة الإسلامية، مستهدفة مبنى الإدارة الذي تعرض لتدمير جزئي، علاوة على تعرض العديد من مبانيها لأضرار فادحة نتيجة استخدام الاحتلال قنابل ثقيلة من طائرات “إف-16” (F16) في قصف المبنى.

وقال جيش الاحتلال في حينه إن القصف الجامعة جاء ردا على استخدامها لـ “جمع التبرعات لحركة حماس باسم المؤتمرات الجامعية” زاعما أنها “تشكل مركزا عملياتيا عسكريا مهما للجناح العسكري للحركة”.

وبعد قصفها خلال العدوان الإسرائيلي الحالي على غزة، عرض جيش الاحتلال تسجيلا مصورا للغارات العنيفة على هذه الجامعة التي اتهمها الناطق الرسمي باسم جيش الاحتلال بأنها “تحولت تحت حكم حماس إلى مركز مهم للقوة السياسية والعسكرية في التنظيم الإرهابي وتعمل لتأهيل وتدريب وتطوير وإنتاج الوسائل القتالية”.

ومع تواصل الإبادة الجماعية في قطاع غزة واقترابها من إكمال شهرها الأول حتى كتابة هذه السطور، لا زالت الجامعة الإسلامية خارج الخدمة أسوة بباقي الجامعات والكليات في القطاع المحاصر، دون أي تصورات ممكنة عن الآلية التي ستعود بها للعمل بعد وقف العدوان، مع التدمير الكامل لحرمها الجامعي الرئيس.

المصدر: وكالات + الجزيرة نت

Share.

صحفية عراقية من اربيل خريجة وزارة الاعلام في اربيل سنة 2004

Comments are closed.