لم تقف الإدانات لجرائم جيش الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة، ضمن حدود العالم العربي، بل وصلت إلى كثير من العواصم الأوروبية، وهنا صوت من مملكة السويد عبر عنه الكاتب السويدي يوران بورين، بنقده لسياسة حكومة بلاده الحالية “المؤيدة لإسرائيل بقوة”.

ولبورين عمل مهم يكشف انحياز الرأي العام الغربي عموما إلى الجانب الإسرائيلي على حساب الطرف العربي الفلسطيني، إذ شرح في كتابه “جريمة اغتيال الوسيط الدولي في فلسطين/الكونت فولك برنادوت” (2022) الذي صدرت ترجمته العربية حديثا بترجمة سامح خلف عن اللغة السويدية،  قصة اغتيال الكونت فولك برنادوت الذي ارتبط اسمه بأحداث عام 1948 في فلسطين، والصراع الذي دار ولا يزال بين العرب الفلسطينيين والمهاجرين اليهود الذين تدفقوا إلى فلسطين في العقود القليلة قبل النكبة، وقد انتهت تلك الأحداث بأحداث النكبة والتهجير في فلسطين، وإعلان قيام دولة إسرائيل.

وفي الحوار الذي أجرته معه “الجزيرة نت”، تناول الكاتب السويدي الموقف الغربي تجاه ما يجري في غزة من دمار، ووصفه بأنه “غير عادل” ويؤكد أن “إسرائيل، وأميركا، والدول الأوروبية، هي المسؤولة عن حالة اليأس والإحباط التي اختمرت في غزة منذ سنوات عديدة، والتي كان لا بد لها أن تنفجر عاجلا أم آجلا”.

ولد بورين عام 1946 في محافظة يوتيبوري غرب السويد، ودرس علم الاجتماع والدراسات الأدبية والتاريخ في جامعتي لوند وأوميو. وقد برز بورين في البداية كاتبا روائيا، فنشر عددا من الأعمال الروائية، وذلك قبل أن يتجه إلى الكتابة في المواضيع التاريخية.

وفي 2022، صدر كتابه، “جريمة اغتيال الوسيط الدولي في فلسطين”، بنسخته العربية عن دار سماح للنشر في السويد، والذي كشف فيه أن “منظمة (أرغون) الصهيونية التي كان يرأسها رئيس وزراء إسرائيل (فيما بعد) مناحيم بيغن (1913-1992)، ومنظمة (شتيرن) برئاسة رئيس الوزراء (لاحقا) إسحق شامير (1915-2012) نفذتا اغتيال برنادوت عام 1948”. كما صدر للمؤلف كتاب آخر بعنوان “القيمة المتساوية لجميع البشر”، وهو كتاب يتحدث عن واقع اللاجئين الفلسطينيين.

كتاب “جريمة اغتيال الوسيط الدولي في فلسطين/الكونت فولك برنادوت” مترجما للعربية (الجزيرة)

 وإليكم نص الحوار:

  • على ضوء العلاقة بين السويد وإسرائيل، والتي مرت بفترات صعبة منذ اغتيال الكونت فولك برنادوت، كيف تفسر الموقف الشعبي والرسمي السويدي الداعم لإسرائيل؟

بالنسبة للموقف السويدي، الرسمي والشعبي، كان خلال العقود الأولى من عمر الدولة موحدا بنسبة 100% تقريبا على دعم إسرائيل. ثم تغير ذلك بعد حرب عام 1967، حيث تزايد التعاطف الشعبي مع الفلسطينيين، ولا يزال قويا.

أما الموقف الرسمي السويدي، فقد تغير كثيرا. لقد كان الدعم الرسمي لإسرائيل قويا على الدوام، ولكن خلال حكومتي أولوف بالمه (1927-1986) وإينغفار كارلسون، بشكل خاص، كان هناك أيضا كثير من التعاطف مع القضية الفلسطينية. ومنذ مطلع الألفية، أصبح الدعم الرسمي السويدي لإسرائيل أقوى مرة أخرى، وفي ظل الحكومة الحالية، أصبحت سياسة الحكومة مؤيدة لإسرائيل بقوة.

  • تزامنا مع الأحداث الجارية في غزة، هل تعتقد أن الموقف الأميركي والأوروبي عموما متوازن وعادل، خاصة بالنظر إلى التدمير الشامل والحصار الذي تفرضه إسرائيل على قطاع غزة؟

الموقف الغربي ليس عادلا بأي حال من الأحوال، لأنه لا يعترف بأن إسرائيل هي المسؤولة عن ما وصلت إليه الأوضاع في فلسطين، وبشكل غير مباشر الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية نفسها، هي المسؤولة عن حالة اليأس والإحباط التي اختمرت في غزة منذ سنوات عديدة، والتي كان لا بد لها أن تنفجر عاجلا أم آجلا. ولذلك ما قامت به حركة حماس ضد الجيش الإسرائيلي، يعتبر حقا مشروعا تكفله القوانين الدولية. وبالمقابل فإنني لا أؤيد قتل المدنيين.

كما أن وسائل الإعلام الغربية عموما في تغطيتها للأحداث الأخيرة في قطاع غزة، تعتبر متعمدة وبدرجات متفاوتة، ويظهر في تغطيتها للأحداث أن حياة الإسرائيليين أكثر أهمية من حياة الفلسطينيين.

الكاتب السويدي يورين بوران
الكاتب السويدي يورين بوران: الإسرائيليون هم السبب الحقيقي للوضع غير القابل للاستمرار الذي كان سائدا في غزة حتى قبل هجوم حماس (الجزيرة)
  • يلاحظ المرء أن الموقف السويدي الرسمي والشعبي من الوضع في فلسطين لم يعد كما كان. هل تغيرت بالفعل النظرة اليوم إلى القضية الفلسطينية؟

لقد حققت جماعات الضغط المؤيدة لإسرائيل في الآونة الأخيرة نجاحا كبيرا في توصيف الانتقادات الموجهة لسياسات إسرائيل بأنها معادية للسامية، الأمر الذي كان له تأثير كبير على الرأي العام.

على سبيل المثال، نجحوا في فرض إدراج عبارة “سحق الصهيونية” ضمن معاداة السامية. كما أنني أرفض بشدة محاولات وقف المساعدات السويدية لفلسطين، وسحب الاعتراف بدولة فلسطين التي تطالب بعض الأحزاب المشاركة في الحكومة الحالية.

  • هناك من ينظر إلى إسرائيل على أنها دولة حديثة وديمقراطية، هل توافق على ذلك؟

على حد علمي، ليس هناك أي استطلاع للرأي حول هذه المسألة، ولكن من الواضح أن نسبة كبيرة من السويديين يشككون في الادعاء بأن إسرائيل دولة ديمقراطية، نظرا لواقع الاحتلال والقمع المستمر للفلسطينيين. أنا شخصيا أعتبر إسرائيل دولة فصل عنصري.

  • هل التعاطف الأوروبي مع إسرائيل تعاطف شامل على المستويين الرسمي والشعبي، أم هو محصور ضمن تيارات سياسية محددة؟

يتفاوت الأمر بشكل كبير بين البلدان الأوروبية المختلفة. فألمانيا وبعض دول أوروبا الشرقية السابقة، مؤيدة بشدة لإسرائيل، في حين أن دولا مثل أيرلندا وإسبانيا أكثر حيادية. وقد جرت العادة سابقا أن تدرج السويد ضمن المجموعة الأخيرة، لكن الأمر لم يعد كذلك للأسف.

  • كيف تنظر أنت كشخص إلى ما تفعله إسرائيل اليوم في قطاع غزة من عمليات قصف جوي وتدمير شامل؟

إنه لأمر غير مقبول على الإطلاق. إن الإسرائيليين هم السبب الحقيقي للوضع غير القابل للاستمرار الذي كان سائدا في غزة حتى قبل هجوم حماس.

  • كمتابع للقضية الفلسطينية، ما هي رؤيتكم على المدى المتوسط والطويل لتداعيات أحداث غزة على قضية فلسطين بشكل عام؟

لا يسعني إلا أن آمل أن تتعب الولايات المتحدة وبقية العالم عاجلا أم آجلا من الصراعات التي لا نهاية لها، وأن تجبر إسرائيل على فرض حكم الأغلبية في كامل فلسطين كما كانت تحت الانتداب. لكن هناك طريقا طويلا يجب عبوره. ومع ذلك، فمن المرجح أن الأحداث الحالية ستفرض شكلا من أشكال التغيير في غزة.

المصدر: وكالات + الجزيرة نت

Share.

صحفية عراقية من اربيل خريجة وزارة الاعلام في اربيل سنة 2004

Comments are closed.