قال مغني الراب البريطاني لوكي إن دفاعه عن القضية الفلسطينية يمثل وسام شرف على صدره، مشيرا إلى تعرضه لحرب من اللوبي الصهيوني في بريطانيا الذي يعتبره “مصدر تهديد”.

وفي مقابلة مع الجزيرة نت، كشف الفنان ذو الأصول العراقية عن أنه واجه تهديدات بالقتل والاعتداء بسبب دعمه فلسطين، مشيرا إلى أن الفيلسوف الأميركي نعوم تشومسكي ومواطنه الممثل مارك رافالو تضامنا معه بعد أن حاول “اللوبي الصهيوني” حذف أعماله من على منصة “سبوتيفاي”.

  • كيف تقدم نفسك للجمهور العربي؟

اسمي “لوكي” (Lowkey) ويعني بالعربية “الشخص المغمور”، وأرى في الفن محاولة لسد الفجوة بين المستحيل والواقع، فإذا كانت السياسة فن الممكن، فالفن هو الطريق لتحقيق المستحيل عبر الموسيقى والأغاني. ولأن الشعب العربي عموما مقيد بسبب أشياء كثيرة، مما يجعل صوته غير مسموع، فإن الموسيقى هي الوسيلة لتوصيل هذا الصوت وجعله مسموعا لدى القيادات والمسؤولين ولدى الشعوب الأخرى أيضا.

نشأت في لندن، وهي مدينة تضم فسيفساء من القوميات والأعراق، لذلك تجد فيها كل الأجناس والأعراق، وهي عبارة عن بوتقة تنصهر وتندمج فيها كل تلك الأنواع من البشر. تأثرت -شخصيا- وتعلمت على يد كل هؤلاء البشر، ومن الطبيعي أن يجد فيّ من يعرفني ظلالا لتلك الثقافات، لكني في النهاية وجدت أن الموسيقى هي أفضل وسيلة أستطيع بها توصيل رسالتي للناس، وأغلب أغنياتي باللغة الإنجليزية، ليس لأنها لغتي الأولى فحسب، بل لأنها الأكثر انتشارا في العالم أيضا.

  • بدأت الغناء في عمر الـ12، وهي سن مبكرة نسبيا. متى ولد لديك الوعي السياسي بالظلم الواقع على الشعب الفلسطيني؟ وكيف قررت توظيف الراب للدفاع عن قضايا المهمشين في العالم؟

حين بدأت مشوار الموسيقى، كنت أقدم كثيرا من التفاهات، ولم يكن ما أقدمه له علاقة بالسياسة، ولم يكن لدي هدف من الأساس. لكن بعد مدة، أدركت أنني ينبغي أن أستخدم الموسيقى لهدف أكثر سموا ونبلا وقوة. في ذلك الوقت، انشغلت بطغيان الثقافة الأميركية على المجتمع البريطاني، ورأيت أن “الهيب هوب” وسيلة للتعبير عن الذات، خاصة في مرحلة المراهقة، وحاولت التعبير عن مشاعري من خلال الراب، لكن مع الوقت رأيت أيضا أنه يصلح كأداة من أدوات العمل السياسي.

كان “الهيب هوب” ملجأ لي بكل معنى الكلمة، فقد حاولت -حتى خارج إطار الفن- العمل ضمن رسالتي على الأرض، فعملت عام 2016 بمنظمة كانت تقوم بتسهيل انتقال اللاجئين من “كاليه” بفرنسا إلى بريطانيا، وكانت مهمتي معهم هي الترجمة، وشعرت بالأزمة الهائلة التي يعانيها اللاجئون عبر البحار، فقمت بعمل أغنية عنوانها “أحمد”.

وجاء الإلهام الأعمق من القضية الفلسطينية والأبطال الذين ناضلوا من أجل الحرية والمستقبل، ورأيت كثيرا من المشتركات بين الفلسطينيين والشعوب التي ناضلت من أجل التحرر من الاستعمار، وتجلت المعاناة الفلسطينية أمامي كمرآة لمعاناة البشرية كلها من الظلم.

وكنا -نحن العرب والبريطانيين- ندرك تماما مدى قوة اللوبي الصهيوني في بريطانيا، وهو ما أكد قناعتي بأهمية استخدام صوتي للنفاذ من خلال العوائق التي يضعها هذا اللوبي لمنع وصول أصواتنا. وتأثرت في ذلك الوقت بأغنية أحمد قعبور “أناديكم.. أشد على أياديكم”، وشعرت أنني يجب أن أتواصل معهم وأشد على أياديهم.

  • ولدتَ لأب بريطاني وأم عراقية، فكيف تشكل هذا الوعي، بينما كانت نشأتك في أسرة نصف بريطانية؟

كان والدي رجلا ثوريا متمردا، وصاحب رؤية ضد الحروب والاستعمار والعنصرية، تعرض للاعتقال في سبعينيات القرن الماضي.

لكن الصعوبات المجتمعية التي واجهتها هي الأبرز، كنت أشعر أنني جزء من هذا المجتمع، لكنني حين أخرج من المنزل ألاحظ علامات استفهام في عيون الآخرين بشأن هويتي، كان الغربيون يرونني عربيا، ويراني العرب غربيا، لكنني كنت أعرف نفسي جيدا، وفي النهاية، قررت أنه لا بأس من هذا، لأنني لست استثناء، لذلك فقد كان الأهم بالنسبة لي هو ما الذي يمكن أن أقدمه للآخرين، فالهوية الموروثة ليست إلا أسطورة، لأنه لا فرق بين البشر فعليا.

  • كيف تمكنت من توفيق العناصر الموسيقية مع موضوعات بهذا العمق والبعد الفلسفي سواء على المستوى الشخصي والسياسي؟

يقول الشاعر الفلسطيني محمود درويش “وأنت تحرر نفسك بالاستعارات، فكر بغيرك.. من فقدوا حقهم في الكلام”. أنا أشعر دائما أن التفكير في من فقدوا حقهم في الكلام هو الدافع، حتى حين أحاول أن أعبر عن الألم، فالأمر يتجاوز الحديث عما يفعله الظلم السياسي في الناس، ولكني أحاول التعبير عن تجليات هذا الظلم في حياة الناس.

وبالنسبة إليّ، توفي شقيقي الأكبر سعيد عام 2004، وكانت وفاته أمرا صادما ومحزنا لنا جميعا، العائلة والأصدقاء. شعرت حينها بمعنى الحزن وألم الفقد، للدرجة التي لم أستطع أن أعبر عنها في الحديث العادي. وبعد 5 أيام من رحيله، كتبت أغنية من أجله وبعد أن جهزتها وسمعتها، شعرت أن الحزن أصبح أقل، وأن الأغنية وهبته حضورا آخر في حياتي، فكان الألم أخف وطأة بعد ذلك.

  • كيف ترى تأثير غنائك على الجمهور العربي والبريطاني؟

أقوم بجولات غنائية في بريطانيا، وأنتقل من مدينة إلى أخرى، وأرى ردود أفعال الجمهور، وكيف يحفظ كثير منهم الكلمات، وأشعر بالسعادة.

وأذكر أنني كنت في بلدة صغيرة لا توجد فيها جالية عربية، وفوجئت بشخص بريطاني يحفظ كلمات أغنيتي “عاشت فلسطين”، فشعرت بالإنجاز، لأن الأغنية أسهمت في “أنسنة” الفلسطينيين الذين يصورهم الاحتلال والإعلام التابع له دائما بصورة غير إنسانية، ورغم أنني ضد انتظار الاعتراف العدو بإنسانيتنا، فإن قدرة شخص إنجليزي من مكان بعيد عن العاصمة على رؤية الحقيقة عبر الأغنية تعد نجاحا كبيرا.

وذات مرة، زرت نابلس والتقيت هناك شخصا اسمه سعيد -وهو اسم عزيز عليّ جدا لأنه اسم أخي الراحل- وأخبرني سعيد أنه يسمع أعمالي الغنائية، وأنها تؤثر فيه كثيرا، وكانت فرحتي كبيرة جدا.

  • كيف تواجه هجوم اللوبي الصهيوني في لندن ومحاولاته لحذف أغانيك من على منصتي “سبوتيفاي” و”يوتيوب”؟

أثيرت حملة شرسة ضدي بدءا من عام 2009، إذ تم استهدافي وتشويه كلمات أغنياتي باجتزائها وتفسيرها خارج السياق، بهدف تصويري على أنني معاد للسامية، وهو أمر غير منطقي من الأساس لأنني عربي والعرب ساميون.

هناك تصعيد تدريجي، فمثلا تم استجوابي والتحقيق معي واحتجازي بالمطارات، لكن الصعوبة الأشد، هي محاولاتهم لإسكاتي بالطريقة نفسها التي يستخدمونها في فلسطين، وقد نجحوا في إلغاء نحو 10 حفلات لي العام الماضي فقط بسبب شكاوى من اللوبي الصهيوني، وهذا يخيف الآخرين، ويسبب لي خيبة أمل أحيانا.

حذفت إحدى أغنياتي وهي “إرهابي”، وكانت فكرتها تقوم على فضح المعايير المزدوجة للمجتمع الدولي، وهو سؤال هدفه تحديد من هو الإرهابي، هل هو ذلك الجندي الذي يقتل المواطنين العزل؟ أم المواطن الذي يحاول الدفاع عن أرضه ضد الاحتلال؟

وأشرس منظمات اللوبي الصهيوني التي أواجهها هنا هي منظمة “نحن نؤمن بإسرائيل” (We Believe in Israel)، وقامت هذه المنظمة بحملة شرسة ضدي على منصة “سبوتيفاي” بسبب أغنيتي “عاشت فلسطين”. وفي مواجهتهم، جمعنا توقيعات وصل عددها إلى أكثر من 40 ألف توقيع للمطالبة بالإبقاء على الأغنية، وكان من بين الموقعين الفيلسوف الأميركي نعوم تشومسكي والممثل الهوليودي مارك رافالوا.

  • أنت ناشط أيضا.. فكيف تمارس دورك؟

نحن في منظمة “العمل من أجل فلسطين” (Palestine Action) نركز على أهداف مشروعة وبطرق قانونية. هنا في لندن، قمنا بأكثر من 100 حملة سلمية لاحتلال مكاتب لشركات تصنيع السلاح الإسرائيلية خلال 3 سنوات، واستطعنا إغلاق مصنعين إسرائيليين للسلاح بشكل دائم، ومكتب لإحدى الشركات.

كانت حملاتنا عبارة عن عصيان مدني، حيث ندخل إلى المكتب أو الشركة ونحتل المكان من دون عنف. والإستراتيجية التي أؤمن بها هي استغلال نقاط ضعف اللوبي الصهيوني وتتمثل في الشركات والمصانع، ونفعل ذلك بطرق قانونية، ولا يذهب مشاركون عرب فقط، بل يشاركنا بريطانيون وأجانب من جنسيات أخرى.

  • الاعتداءات الإسرائيلية على غزة متكررة خلال السنوات الأخيرة، لكن التعاطف العالمي في هذه الحرب ازداد وتعاظم شعبيا بشكل كبير.. كيف يمكن تبرير ذلك؟

شيء عظيم جدا أن يزداد التعاطف مع شعبنا في غزة، ولكن -حتى الآن- لم نجد رد فعل لهذا التغير على الأنظمة السياسية، لأن الفجوة كبيرة جدا بين الشعوب والحكام، لكنها عموما فرصة ينبغي أن نغتنمها لنزرع ذلك التغير ونعمل على استمراره وتعظيمه للأجيال القادمة.

دعني أقول لك إن نقل الحقيقة لشعوب العالم لا يقل أهمية عن الصمود الأسطوري لأهل غزة، خاصة أن الفكرة الصهيونية قائمة على تشريد أهل فلسطين وإخراجهم منها، وبالتالي فإن بقاءهم هناك هو قتال وإبقاء للقضية على قيد الحياة.

  • طالبت بالقصاص بعد اغتيال شيرين أبو عاقلة، والآن بلغ عدد الصحفيين القتلى في غزة أكثر من 48 صحفيا.. كيف ترى ذلك؟

حين قتلوا شيرين أبو عاقلة، كنا ندرك تماما أن هذه فقط قمة جبل الجليد، فهؤلاء قتلوا من قبل غسان كنفاني وناجي العلي، وهم لم يحملوا سلاحا، لكنهم كشفوا الحقيقة وتمسكوا بهويتهم الفلسطينية وثقافتهم.

في الحرب الأخيرة، نرى هذا الاستهداف بشكل واضح، وما حدث مع وائل الدحدوح كان نموذجا للعنصرية ولاستهداف الصحفيين وأسرهم، ولكن بغض النظر عن الخسائر المأساوية لديه، رأيناه يعمل ويستمر في كشف جرائم العدو، لقد رأينا بطلا ملهما وقدوة بكل معنى الكلمة لكل البشرية.

  • ألا تفكر في الغناء باللغة العربية؟

لدي عدد من القصائد، لكن (بنبرة ضاحكة) ما ذنب المستمع العربي؟ بالفعل قدمت أغنية “وين الغالي” مع المطرب حمزة نمرة، لكني حين أجد الفرصة بالتأكيد سأغني فورا بالعربية.

المصدر: وكالات + الجزيرة نت

Share.

صحفية عراقية من اربيل خريجة وزارة الاعلام في اربيل سنة 2004

Comments are closed.