تعتبر معركة السموع، التي اندلعت صبيحة الأحد 13 نوفمبر/تشرين الثاني 1966 بين الجيش الأردني وجيش الاحتلال الإسرائيلي، واحدة من المعارك التي أثارت انتقادات عالمية واسعة وأحدثت انقساما في الأوساط الإسرائيلية، إذ اعتبرت أكبر عملية عسكرية إسرائيلية تلت العدوان الثلاثي على مصر سنة 1956، واعتبرت من العوامل التي ساهمت في اندلاع حرب يونيو/حزيران 1967.

نفذت إسرائيل عدوانها على قرية السموع بذريعة وجود جيوب للعمل الفدائي الفلسطيني فيها. وتتمركز القرية جنوب مدينة الخليل في الضفة الغربية التي كانت تابعة للمملكة الأردنية الهاشمية، وكانت منطلقا للفدائيين للقيام بعدة عمليات عسكرية في العمق الإسرائيلي.

الأسباب

لتنفيذ هجومها على قرية السموع تذرّعت إسرائيل بحادثة انفجار لغمين بالقرب من قرية “بتير” الريفية الفلسطينية، وهي من قرى الريف الغربي لمحافظة بيت لحم، وتسبب اللغم الأول بخروج قطار شحن إسرائيلي عن خطه، بينما تسبب الثاني بانفجار سيارة عسكرية أدى لمقتل 3 جنود، فحمّلت إسرائيل حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) مسؤولية ذلك.

ارتكزت إسرائيل على هذين الانفجارين “لدعم قرائنها” على وجود قاعدة للعمل الفدائي في بلدة السموع، وقالت إن الفدائيين نفذوا عدة عمليات عسكرية في العمق الإسرائيلي.

واختلفت الآراء حول الأسباب غير المعلنة لهذه المعركة -التي اعتبرت الأكبر بعد العدوان الثلاثي على مصر- إذ مهدت لحرب 1967، وهناك من يرى أنه تم استدراج الجيش الأردني للحرب بهدف تقييم قوة رده العسكرية وكشف أساليبه وخططه القتالية، كما اعتبرت هذه المعركة أيضا اختبارا لجدية اتفاقية الدفاع العربي المشترك، وجزءا من خطة مسبقة لعدوان قادم شامل، تمثّل لاحقا في حرب يونيو/حزيران 1967.

بداية المعركة

صبيحة 13 نوفمبر/تشرين الثاني 1966 احتشدت قوات اللواء المدرع الإسرائيلي السابع على الحدود الأردنية، واجتاز الإسرائيليون خطوط الهدنة، وبمساندة أسراب عدة من الطائرات المقاتلة دخلت قوة بقيادة العقيد يواف شاهام، مكوّنة من 400 جندي محمولين في عربات عسكرية و20 دبابة، وانقسمت إلى قوتين، اتجهت الأولى إلى قرية السموع بينما ذهبت الثانية باتجاه آخر قصد التضليل.

رصدت المواقع الأردنية عمليات الحشد الإسرائيلية وتحركت وحدات مدرعة على الحدود الأردنية أنذرت بالهجوم، ومع إدراك القيادة الأردنية للبداية الفعلية للتحركات الإسرائيلية تحركت قوتان من الجيش الأردني باتجاه السموع، الأولى عن طريق الظاهرية، والثانية عن طريق “يطا” تحت قصف الطيران الإسرائيلي.

ورغم محاولة سلاح الجو الأردني توفير الحماية والتغطية الجوية اللازمة بإرساله 3 طائرات من طراز “هوكر هنتر”، فإن ذلك كان من دون تأثير يذكر على سير المعركة نظرا للعدد الكبير للطائرات الإسرائيلية.

اتجهت 7 دبابات إسرائيلية نحو موقع “رجم المدفع” الأردني ودمرته بالقذائف المدفعية، وحصل الأمر نفسه في موقع خربة المركز وخربة الطوافي وقرية رافات، كما تقدمت أرتال مدرعة من الدبابات ثم المشاة المحمولة نحو بلدة السموع وخربة الأصيفر، حيث وقعت مواجهة مع القوات الأردنية على المحورين، وتمكنت من رد الرتل المتقدم نحو الأصيفر على أعقابه.

وتمكنت القوة العسكرية الإسرائيلية الزاحفة على 3 محاور نحو بلدة السموع من التغلب على المقاومة الأردنية في قرية رافات والمتابعة إلى السموع، وطوقت القرية لقطع الطريق على الإمدادات والمساندة، ودخلت وبدأت بنسف منازلها.

أبدى أهل القرية والقوات الأردنية المتمركزة في قرية السموع مقاومة شديدة في مواجهة العدوان الإسرائيلي، كما دفعت القيادة العسكرية الأردنية بقوات إضافية لإسناد حامية السموع العسكرية، وقد تعرّضت هذه القوة أثناء تحركها إلى قصف جوي إسرائيلي مكثّف، وكمائن نشرها العدو على محاور التقدم لمنع الأردنيين من التدخل في الوقت المناسب.

ورغم التفوق الجوي الإسرائيلي وسيطرته الميدانية على ساحة المعركة، إضافة إلى تقدم قواته البرية ومهاجمة رافات والأصيفر والسموع وغيرها من المواقع في الضفة الغربية، فإن المقاومة الفلسطينية، بالتعاون مع الطيران الأردني، تمكنت من إسقاط 3 طائرات إسرائيلية من نوع “ميراج”، وألحقت بالقوات الإسرائيلية خسائر بشرية ومادية بلغت أكثر من 50 إصابة بين قتيل وجريح وتدمير 10 دبابات و12 سيارة وناقلة جنود مدرعة.

وأدت مقاومة القوات الأردنية إلى تراجع القوات الإسرائيلية قبل الانسحاب النهائي الذي تم على الساعة 10 قبل ظهر يوم العدوان نفسه، في حين قدرت خسائر المقاومة باستشهاد عدد من الأهالي المدنيين وبضعة عناصر من الجيش الأردني وفقدان طائرة مقاتلة وتدمير بعض المنازل في قريتي السموع ورافات.

القوات الإسرائيلية انسحبت خلال أقل من 5 ساعات من بدء عمليتها العسكرية في قرية السموع (الجيش الإسرائيلي)

الخسائر البشرية

من الجانب الأردني والفلسطيني استشهد في هذه المعركة 13 جنديا وجرح في المعركة قائد لواء حطين العقيد بهجت المحيسن، إلى جانب 22 عسكريا، كما أحصت عدة عائلات شهداء منها، مثل عائلة العوران وعريقات والعثامين والعموش والختاتلة وشموط وصدقة والسويطي والخليفات وغيرها.

ومن الجانب الإسرائيلي بلغت الخسائر البشرية أكثر من 50 جنديا بين قتيل وجريح.

النتائج السياسية

عقد مجلس الأمن الدولي اجتماعا في 16 نوفمبر/تشرين الثاني 1966 لسماع الشكوى التي تقدّم بها الأردن، ووجه الدعوة لسماع الرد الإسرائيلي.

وبعد جلسة الاستماع للجانبين قال ممثل المملكة المتحدة (بريطانيا) إنه والوفد المرافق له لم يجدوا أي مبرر لهذا “العمل العسكري الانتقامي غير المحسوب وغير المتناسب كليا، الذي اقترفته إسرائيل ضد الأردن”.

وفي 18 نوفمبر/تشرين الثاني من العام نفسه، طالب مجلس الأمن الدولي المراقبين العسكريين الملحقين لديه بإعداد تقرير عن النتائج التي توصلوا إليها بشأن الهجوم الإسرائيلي وقدم التقرير إلى مجلس الأمن بعد بضعة أيام.

وفي سابقة دولية انضم الاتحاد السوفياتي إلى الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا لإدانة الهجوم الإسرائيلي، بينما وصف السفير الأميركي آنذاك آرثر كولد برك الهجوم بأنه “لا يغتفر”، ودعا إلى إصدار قرار أممي يشجب ما قامت به “إسرائيل”.

في 25 نوفمبر/تشرين الثاني 1966 أصدر مجلس الأمن الدولي القرار رقم (228) الذي يستنكر بالإجماع “الخسائر في الأرواح والأضرار البالغة التي لحقت بالممتلكات نتيجة لتحرك القوات الإسرائيلية”.

واعتبر القرار هذا التحرك العسكري الإسرائيلي “انتهاكا لميثاق الأمم المتحدة ولاتفاقية الهدنة بين إسرائيل والأردن”، مشددا على “أن العمليات الانتقامية الإسرائيلية لا يمكن السكوت عليها، وأنها لو تكررت، فسيتخذ مجلس الأمن تدابير أكثر فاعلية من أجل ضمان عدم تكرار هذه الأفعال”.

المصدر: وكالات + الجزيرة نت

Share.

صحفية عراقية من اربيل خريجة وزارة الاعلام في اربيل سنة 2004

Comments are closed.