قد تجد نفسك عالقا في نمط ما متكرر في حياتك، قد يكون هذا النمط على المستوى العاطفي، كعلاقة سيئة تلو الأخرى، أو على المستوى السلوكي، مثل فشل خططك بالتوقف عن التدخين وانتكاستك والعودة إلى التدخين بعد إقلاع دام مدة طويلة، أو لعلك تعرضت خلال الأشهر الأخيرة لقرارات فصلك من العمل من مؤسسات متعددة كنت لتوّك قد بدأت العمل فيها، أو العودة لعادة ما سيئة كنت قد نويت التخلص منها للأبد.

 

تتفاوت حدّة سلوكيات التدمير الذاتي ما بين إيذاء نفسك جسديا أو الإفراط في تناول الوجبات السريعة أو حتى السهر لوقت متأخر مع حتمية الاستيقاظ مبكرا للعمل، تسأل نفسك: لِمَ يحدث هذا لي باستمرار وعلى نفس الشاكلة والترتيب؟ كأنك تعيش كابوسا متكررا وكأنه مشهد متكرر من حياتك سبق لك مشاهدته (Deja Vu). إن بدا لك هذا فخا مألوفا فإنك في الحقيقة تؤدي دور عدو لدود لذاتك، تدمر نفسك ببساطة عبر أنماط سلوكية متكررة يعرفها علماء النفس بأنها سلوكيات التعطيل الذاتي، وهي سلوكيات متنوعة لها أسبابها المختلفة، سنتعرف إليها في هذا المقال، وسنعينك على التخلص منها عبر خطوات وتوصيات عملية يوصي بها خبراء علم النفس والسلوك.

 

ما يجب أن تعرفه عن تدمير الذات

العقل الإنساني ليس مادة سهلة الفهم، لذا فأحيانا نفعل أشياء تخالف رغباتنا، ومن هنا يأتي تدميرنا لذواتنا. (شترستوك)

الأمر المشترك في أنماط التدمير الذاتي، فِخاخه وسلوكياته، هي أنها تعيقك عن تحقيق أهدافك، لكنه يظهر في صور واضحة وصريحة أو سلوكيات يصعب تمييزها. تدمير الذات ببساطة هو أن تقف في وجه نفسك، تمنعها، تحبسها في ماضيها، أو تعيق طريق تقدمها نحو مستقبل تتمناه، سواء أكان علاقة عاطفية أو وظيفة أحلامك أو الحصول على ترقية أو الوصول إلى وزنك المثالي أو رعاية صحتك أو الإقلاع عن عادة سيئة أو فعل أي شيء تراه يستحق جهد السعي في سبيله.

عدو لنفسك؟ قد تراه أمرا سخيفا، إن كان المرء يرغب في شيء ما فلِمَ يمنع نفسه من الحصول عليه؟ لكن لسوء الحظ وحسنه في آنٍ واحد أن عقولنا لا تعمل على هذا المنوال البسيط. عقولنا وسلوكياتنا معقدة ومتداخلة، وإلا ما كان قد كرس آلاف أو ملايين من الناس حياتهم في دراستها ومحاولة فهمها، الإجابة الأكيدة أن العقل الإنساني ليس مادة سهلة الفهم، لذا فأحيانا نفعل أشياء تخالف رغباتنا، ومن هنا يأتي تدميرنا لذواتنا، كلنا نفعله بوعي أو دون وعي مهما بلغت درجة ذكائنا. ليس السؤال الصحيح هو إن كنا نفعله أو لا، بل الأهم هو كيف نوقفه، لأنه يزداد قوة مع الوقت إن لم نتعرف عليه ونتحكم فيه، لأنها في النهاية معركة تخوضها مع ذاتك(1).

 

المماطلة والتسويف

حين تؤدي مهماتك وفق قواعد المماطلة فإنك دائما تنتج الحد الأدنى، لأنك تمنع نفسك من أن تحظى بوقت كافٍ تُنجز فيه المهمة وتحسِّنها
حين تؤدي مهماتك وفق قواعد المماطلة فإنك دائما تنتج الحد الأدنى، لأنك تمنع نفسك من أن تحظى بوقت كافٍ تُنجز فيه المهمة وتحسِّنها. (شترستوك)

بين يديك مهمة كبيرة، تعرف أنها ستتطلب وقتا ومجهودا، وأنت تريد تأديتها على أحسن وجه لأنها تعني لك الكثير في المستقبل أو لتصل إلى الخطوة التي تليها، لكنك تقرر أن تبدأ غدا، ثم يمر الغد وتنشغل بصغائر الأمور، فتقرر البدء من بعد الغد، ويأتي ويمضي حتى تنجز المهمة قبل موعدها بأيام في حالة من الضغط العصبي، فلا تُرضيك النتيجة أبدا، وتندم على ما أضعته -متعمدا- من وقت. المماطلة هي أشهر وأوضح طرق التدمير الذاتي، تحديدا مع كل فرص التشتيت التي تحيط بيننا اليوم. جميعنا قد نصف أنفسنا بأننا مماطلون، لكن الأمر يتجاوز كوننا نؤجل شيئا ما مرة تلو المرة، بل هي طريقة لإعاقة أنفسنا.

تأتي الحجة الشهيرة لمنطقة المماطلة بأن تقول: “أعمل أفضل تحت الضغط”، “أُظهِر أحسن ما لدي حين يكون الوقت محدودا”، لكنها حجج لتسويغ سلوكنا المتكرر، وللاستناد إليه في المرة القادمة التي نكرر فيها الدائرة، ونضطر لإنجاز مهمة ما في اللحظة الأخيرة دون أن يفوتنا موعد التسليم. السؤال هو: كيف تكون المماطلة تدميرا ذاتيا رغم أن المهمات تُنجَز وتُسلَّم؟ حين تؤدي مهماتك وفق قواعد المماطلة فإنك دائما تنتج الحد الأدنى، لأنك تمنع نفسك من أن تحظى بوقت كافٍ تُنجز فيه المهمة وتحسِّنها، تُضيف إليها، تراجعها، وهكذا، بل إن إنجاز المهمة قبل موعد التسليم فورا يجردك من فرصة تطوير نفسك وشحذ مهاراتك.

تضيّع وقتك في المماطلة على أمور غير مهمة ولا منفعة منها (تصفح وسائل التواصل، ألعاب الفيديو، مشاهدة التلفاز)، ولا تتطلب منك جهدا، فقط لتتجنب بشكل عام أداء المهمة الأساسية. خلال هذه العملية، تكوّن فكرة داخلية عن نفسك بأنك شخص غير منتج يضيع وقته بلا فائدة ولا هدف، قد يتشكل هذا التصور داخليا بلا وعي منك، ما سيؤثر على باقي أبعاد حياتك وثقتك في نفسك. تمنحك المماطلة إيمانا/ثقة مغلوطة بقدرتك على إنجاز المهمات في أقل قدر ممكن من الوقت، بمعنى أنك تنجزها لأنك أجلتها يوما بعد يوم، فتقتنع في نهاية المطاف أن هذه هي الطريقة الوحيدة التي يمكنك أن تنجز بها أي شيء. تفرض هذه الفكرة نفسها وتشجعك على أن إنجاز مهماتك قبل موعدها هو أمر ليس منطقيا(1).

 

السعي المفرط نحو الكمال

وسطَ هذه الدائرة المفرغة من التخطيط والعجز عن الوصول وجلد الذات، تتأثر نظرة المرء لنفسه واحترامه لذاته وإيمانه بها
وسطَ هذه الدائرة المفرغة من التخطيط والعجز عن الوصول وجلد الذات، تتأثر نظرة المرء لنفسه واحترامه لذاته وإيمانه بها. (شترستوك)

تكون لمن يتوق إلى الكمال صور مسبقة ومفصَّلة لكل شيء، لكيفية سير الأمر، لصورته النهائية، لتفاصيله الداخلية الدقيقة، بطريقة غير مرنة لا ترضخ لواقع الحياة. قد يكون القدر اليسير من هذا المنظور مفيدا وعمليا في كثير من الأحيان، لكن حين تخرج الأمور عما كان مُخطَّطا لها، قد يعزف المرء عن إتمام الأمر كله من الأساس، لأن تفصيلا واحدا خالف المفروض، أو حتى لا يحاول مرة أخرى.

يخلق السعي المفرط للكمال دائرة مفرغة تقول: “إما الكل، وإما لا”، يرى المرء الصورة بالأبيض والأسود، أي لون دخيل يدفعه لرفضها تماما، مثلا أنت تخطط للسفر إلى وجهة أحلامك، وعندك فندق مفضل وخطة للأماكن التي تودّ زيارتها، وفجأة عرفت أن الفندق ليست به غرف متاحة، وأن أحد المطاعم التي تود زيارتها مغلق، فتقرر إلغاء الزيارة من بابها دون الأخذ بالاعتبار أنه من الصعب الحصول على فرصة مواتية لتحقيق حلمك، ولا تحاول العثور على فندق آخر يقدم الخدمات ذاتها أو أي حل آخر.

ينتج من هذا المنطلق سلوك التجنب، ما دمتَ غير واثق بنسبة 100% في نجاحك في طلب الوظيفة الشاغرة فأنت لن تختبر حظك وتتقدّم إليها من الأساس، لأن كل شيء ينبغي أن يكون مثاليا. ولأن واقع الحياة يحتّم على أن لا يسير كل شيء كما المتوقع بالضبط، فهو بهذه الطريقة يتجنب كل شيء، الفرص والأهداف والأحلام، بمنطق أن وضعه ليس مثاليا بعد. يأتي مع هذا كذلك جلد الذات وتقريعها على الفشل في تحقيق الأهداف، والتركيز على النتيجة السلبية مما حدث بدلا من السلوك الذي المُتّبَع أو الإنجازات التي حُقِّقت فعلا. وسطَ هذه الدائرة المفرغة من التخطيط والعجز عن الوصول وجلد الذات، تتأثر نظرة المرء لنفسه واحترامه لذاته وإيمانه بها(1)(2).

 

الإفراط في التفكير

الإفراط في التفكير لا يحثك على التصرف بصدق فيما سيأتي، بل بالتصرف بناء على الإدراك الذي تصورته وأضفته إلى الموقف
الإفراط في التفكير لا يحثك على التصرف بصدق فيما سيأتي، بل بالتصرف بناء على الإدراك الذي تصورته وأضفته إلى الموقف. (شترستوك)

المُفرِط في التفكير هو من يُرهق الأمور بحثا وتحليلا، هو شخص لا يضع الأشياء في سياقها المنطقي الطبيعي، بل يخلق سياقا معتمدا على افتراضات سلبية على الأغلب، ويتصرف بناء عليه. لنفترض مثلا أن شريكك في العلاقة ألغى موعدا بينكما متذرّعا بانشغاله، في حالة كنتَ ممن يفرطون في التفكير، لن ترى الأمر انشغالا فحسب، بل قد يؤول بك عقلك إلى أنه ملّ من لقائك وهذه طريقته للتعبير عن ملله منك، وأنك شخص قبيح ومزعج ولا تستحق الحب من الأساس، ولو كان العكس صحيحا لَمَا ألغى موعده معك. التفسير المكثف لسلوكيات بسيطة مثل إلغاء موعد أو كلمة عفوية أو ما شابه، يدفعك للعيش في عالم تحكمه السلبية والقلق والرغبة في الأخذ بزمام الأمور، قد تستمر بسؤال صديقك إن كان غاضبا منك مرارا وتكرارا لكونه لا يردّ على رسائلك بسرعة، فتتسبب بإزعاجه فقط لتطمئن.

يقف تحليلك العميق المفترض عدوا أمام نفسك، ويجعلك مركزَ كل شيءٍ بطريقةٍ سلبية، فلا تقتنع فعلا بأن إلغاء الموعد كان من باب الانشغال، بل من باب الحط من قدرك، وقد تفترض أن تحليلك واستنتاجك صائب فتتخذ قرارا متهورا، أو يدفعك للتقليل من قيمتك ويُضعف ثقتك بنفسك لأن معظم الاستنتاجات، إن لم يكن كلها، تكون سلبية، فتستبق الأحداث بهذه السلبية وتقرر قطع العلاقة أو تجنب الشخص دون قصد، لقناعتك بأن وجودك غير مُرحَّب به في حياته، تخلق “نبوءة محقِّقة لذاتها”، أي تسلك سلوكا يحوِّل تصوراتك الزائفة إلى حقائق واقعة. وبذلك فالإفراط في التفكير لا يحثك على التصرف بصدق فيما سيأتي، بل بالتصرف بناء على الإدراك الذي تصورته وأضفته إلى الموقف، مثل أن تفترض بناء على نبرة شخص تقابله لأول مرة بأنه يكرهك، دون أن تضع في الاعتبار أنها قد تكون نبرته الطبيعية أو أنه يمر بيوم سيئ، أو أنه مرتبك مثلك، فتتصرف بناء على ظنك الذي قد يُفضي إلى تحويل الافتراض إلى واقع(2).

 

التشكيك بنفسك: الصوت الناقد في دماغك

أنت تُثبط عزيمة نفسك كل يوم بناء على تصورات خاطئة قد تنبع من الإفراط في التفكير.
أنت تُثبط عزيمة نفسك كل يوم بناء على تصورات خاطئة قد تنبع من الإفراط في التفكير. (شترستوك)

قد تسمع أطنانا من المديح عن شخصك وخصالك الطيبة في العمل أو الجامعة، لكنها تذهب أدراج الرياح حين تختار أن تصدِّق الصوت الناقد اللاذع في دماغك. لست مجنونا إن سمعت أصواتا في رأسك، كل واحد لديه صوت أفكاره، قد يُملي عليك بأن الأحرى ألّا تتقدم إلى تلك الوظيفة لأنك لست مستعدا، أو أنك كنت أحمقَ البارحة خلال العرض الذي قدمته في الاجتماع ومؤكدٌ أن الجميع يضحكون على مستواك الرديء. تتجاهل الدليل القاطع بأن كل شيء سار على ما يرام، وتقطع وعدا بينك وبين نفسك بألّا تقدّم عروضا أخرى وأنك ستُحافظ على صمتك.

يحدث تدمير الذات ببطء في حالة نقد الذات، فأنت تُثبط عزيمة نفسك كل يوم بناء على تصورات خاطئة قد تنبع من الإفراط في التفكير، قد تُمنطِق هذا الصوت بأنه يدفعك للتحسين من نفسك كي تُقدم أفضل ما عندك في المرات القادمة، لكنه في الواقع يُقيّد رغبتك في الإقدام على أي شيء، لأنك تعرف أنك ستلوم نفسك بشدة بعدها أيا كانت النتيجة، ومع مرور الوقت تقل ثقتك بنفسك وبقدرتك على فعل أي شيء، وتظل حبيس هذا الصوت. قد يدفعك كذلك لمقارنة نفسك بتصورات كوَّنتها عمن حولك، أو عن نجاحاتهم، دون الالتفات لاختلاف الظروف والفرص، وتنظر لنفسك نظرة من لم يفعل أي شيء في حياته، وتفقد إيمانك بنفسك(1)(3).

 

ماذا أفعل؟

كيف أصحح هذه السلوكيات؟

  • أولا: تمعن في الأسباب
الكتابة ستساعدك على تحديد النمط، اسرد مواقف متشابهة، وحدد السلوك أو القرار المشترك الذي اتخذته وقتها
الكتابة ستساعدك على تحديد سبب المماطلة، قم بسرد مواقف متشابهة، وحدد السلوك أو القرار المشترك الذي اتخذته وقتها. (شترستوك)

الخطوة الأولى لتقويض سلوكيات التدمير الذاتي هي تتبع أنماطه وفهم كواليسها. قد تكون هناك أنماط متشابكة، مثل الإفراط في التفكير سعيا إلى الكمال، لكن لا تهدر وقتك وطاقاتك وأنتَ تحاول تجويد الأشياء وتحسينها إذ أحيانًا يكون الإنجاز مُقدّمًا على الجودة المطلقة. قد تكون ممن يماطلون في أعمالهم لكنك لا تَقسُ في توبيخ نفسك على النتيجة، بل تقطع وعودا صادقة بألّا يتكرر الأمر دون تفكير مطول وسلبي فيما حدث. من المهم أن تطرح على نفسك أسئلة محورية لفهم السلوك السلبي: لماذا أماطل؟ هل أخاف الفشل فيما أفعل لذا أتجنبه؟ هل أنتقد ذاتي لأكمل مسيرة والدَيَّ في انتقادي وأنا صغير على كل شاردة وواردة؟ أن تحدد الأسباب يعني أن تفهم ذاتك أكثر، أن تُرتب أفكارك وتُراقب تصرفاتك وتضع نفسك تحت الدراسة والتحليل، ربما تلاحظ أن السلوك مستعصٍ إصلاحه بنفسك، وقتها تتوصل إلى أنك بحاجة إلى مساعدة من المختصين.

الكتابة ستساعدك على تحديد النمط، اسرد مواقف متشابهة، وحدد السلوك أو القرار المشترك الذي اتخذته وقتها، مثلا إن استقلت من أكثر من وظيفة عقب تقييم سلبي دون أن تحاول تحسينه فيما بعد، أو إن كنت تؤمن فعلا بأنك تعمل بأفضل أداء وأنت تحت ضغط العمل والوقت. ليس من السهل الاعتراف بأنك السبب في إعاقة طريقك، لن تسارع إلى هذا الاستنتاج، بل ربما ستحاول تجنبه، لذا ابحث عن العوامل البارزة المشتركة عندما لا تجري الأمور على ما يرام(4).

 

  • ثانيا: حدد أهدافك

يُعيق تدمير الذات -كما شرحنا- أهدافك، لكن إن عدت خطوة إلى الوراء فلن تميز أنك تُعيق نفسك بنفسك سوى إن كان هناك هدف تسعى إليه وتجد نفسك مقيدا أو عالقا عن الوصول إليه. إن عجزت عن تسمية هدف محدد (السفر، العمل في الخارج، الاستقلال، الزواج…) فلن تقدر على تمييز أين بالضبط تُعيقك العادات والسلوكيات التي ذكرناها. في الواقع، غالبا ما تكون أنت السبب الرئيسي الذي يمنعك عن نيل ما تريد، لذا، كي تفهم الجانب المعادي لذاتك من ذاتك، فعليك أن تبحث وتفكر مليّا فيما ترغب فيه.

 

  • ثالثا: اِفعل العكس

بعد أن كتبت الطرق التي تعيق بها نفسك، والأسباب التي ترى أنها تحثّك على السلوك، اكتب خطة معاكسة، على سبيل المثال، أنك هربت من لقاء شخص يروقك إيمانا منك بأنه سيرفضك، وكررت هذا التصرف أكثر من مرة مع أشخاص مختلفين، والنمط واحد، يعجبك، تعجبه، تفكر كثيرا في الأمر فتهلع وتتجنب لقاءه حتى ينتهي الأمر من تلقاء نفسه. صُغ خطة معاكسة، أنك لن تُثقل نفسك بالتفكير وستسبح مع التيار مرة، وتجرب أن تمنح نفسك والشخص والعلاقة فرصة. إن لم تحصل على الدرجة المرجوة في امتحان ما، فاكتب ما فعلت، أجلت الاستذكار حتى موعد الامتحان بيومين، ثم لم يكفِ الوقت ففزعت واستسلمت، الخطة المعاكسة هو أن المادة ثقيلة، وأنك ستُقسمها لأجزاء صغيرة على الفترة السابقة للامتحان. رغم أهمية الوعي بالسلوكيات الخاطئة وأنماطها لدينا، فإن الأساس لكسر الدائرة المفرغة هي الخروج منها بسلوك معاكس، ما من مخرج آخر(1)(4).

 

  • رابعا: استخدم المنطق لبناء ثقتك بنفسك
هناك أشياء كثيرة عليك أن تقرّ بها وتفخر بنفسك لأجلها
هناك أشياء كثيرة عليك أن تقرّ بها وتفخر بنفسك لأجلها. (شترستوك)

تنبع معظم السلوكيات المدمرة للنفس من قلة الثقة بالنفس وتدني احترام الذات، لذا فإنه منطلق طبيعي، بل ومطلوب، أن نبدأ علاج هذه السلوكيات بعلاج جذرها. اِبنِ، مستعينا بالمنطق، جدارا تستند إليه ثقتك بنفسك. يسهل على الإنسان رؤية عيوبه وتضخيم شأنها، وتَصعُب عليه ملاحظة ميزاته، لكنك -بالطبع- حققتَ أشياء في حياتك، حتى وإن لم تكن ملحوظة أو مادية، يظل الإنجاز تقدما على نسخة سابقة من ذاتك، بالطبع تتحلى بخصال حسنة كثيرة وتتمتع بمهارات كثيرة، لكنك على الأغلب تُلقي بالا لما لا تتقنه أكثر مما تتقنه.

لست وحدك من يُمعن النظر في سلبياته ويحاسب نفسه على أخطائه دون مبالاة بما يُحققه ويثابر عليه. عدِّد خصالك الحسنة يوميا، الخصال الثابتة المكتسبة التي لا تتطلب منك جهدا، التفاصيل الصغيرة التي تحبها في ذاتك، مثل لون عينيك أو بشرتك الصافية، أو حتى ذوقك في الموسيقى الذي يلقى استحسان من حولك دائما، أو طبيعة شعرك، أظافرك المنمقة، ركز على ما تُحب. إن رأيت تجعيدا أسفل عينيك فركّز على الصورة الأكبر المليئة بالتفاصيل الجميلة التي تستحق استحسانك.

ثم انتقل للمهارات العملية أو القدرات، قد تكون قدرات جسدية، أو مواهب فنية، أو مهارات في شخصك أو وظيفتك؛ اكتبها بالتفصيل، قد تكون قادرا على الركض لمسافات طويلة، أو الغناء بصوت عذب، قد تكون مستمعا جيدا، يعرف كيف يُنصت لأصدقائه ومساعدتهم برأيه، قد تكون متحدثا لبقا أمام الجموع، قد تكون قارئا ماهرا يمكنه التهام كتاب في يومين أو ثلاثة، قد تكون هناك أشياء كثيرة عليك أن تقرّ بها وتفخر بنفسك لأجلها، تساعدك الكتابة في الإجابة عن سؤال: ماذا لديَّ لأفخر به؟ توضح لك مواطن قوتك، وتعزز ثقتك بنفسك(1).

 

أدوات ستساعدك

العادات الذرية – جيمس كلير

عنون “جيمس كلير” كتابه بـ”العادات الذرية” لأن الذرة هي المكون الأصغر للكتلة، والكتلة هي العادة التي نرغب في تكوينها، خطوة بخطوة ويوما بيوم حتى نصل إلى إنجازنا المرجو ونكمل حياتنا بصحبتها. لا تبدأ العادات الحسنة التي تشكل سلوكياتنا من تلقاء نفسها، بل بتنفيذها وتعزيز وجودها على مهل في حياتنا. رغم أن “كلير” ليس متخصصا في الصحة النفسية، لكن كتابه يعتمد على قصص وتجارب مبرهنة بأسلوب سلس وشيق لكسر أنماط سلبية تؤذي حياتنا.

————————————————————————

المصادر:

(1) The Self-Sabotage Behavior Workbook, by Dr. Candice Seti, First Edition, Ulysses Press, 2021.
(2) Seven Self-Sabotaging Things Perfectionists Do, Alice Boyes, Psychology Today, 2018.
(3) Are You Your Own Worst Enemy? Ahona Guha, Psychology Today, 2021.
(4) How to Stop Self-Sabotaging? Ahona Guha, Psychology Today, 2021.

المصدر: وكالات + الجزيرة نت

Share.

صحفية عراقية من اربيل خريجة وزارة الاعلام في اربيل سنة 2004

Comments are closed.