تونس – حال دخولك المكان تسافر لوهلة عبر الزمن، فكل قطعة هنا يختلف تاريخها عن البقية لكن الجغرافيا جمعتها لتتشكل تحفة تربوية نفيسة سميت “متحف التربية” الذي يروي تاريخ التعليم في تونس منذ قرون، وهو ذاكرة خصبة للتراث التربوي الزيتوني والمدرسة الحديثة وتطورها المعرفي عبر العصور.

يتعرف زائر المتحف على كل ما له علاقة بالتراث التربوي التونسي منذ استخدام الحروف الفينيقية عام 1101 قبل الميلاد حتى العصر الحالي، فهو ينقسم إلى 3 أجنحة، أولها جناح الحروف التي استخدمها التونسيون منذ قرون، مثل الفينيقية والبونية واليونانية، وثانيها جناح التعليم الزيتوني، وثالثها جناح التعليم المعاصر.

مكتب الكاتب التونسي محمود المسعدي يتوسط المتحف (الجزيرة)

فسيفساء تعليمية

يضم المتحف كتبا مدرسية وأدوات التعلم باختلاف أنواعها عبر العصور من الطين إلى الريشة إلى القلم الجاف، ويتوسطه مكتب الكاتب والمفكر التونسي محمود المسعدي، وهو محاط بوثائق مصورة متنوعة وضاربة في القدم تتعلق بتاريخ التعليم، بالإضافة إلى نصوص قانونية وإدارية ودفاتر معلمين وطلاب منذ مئات السنين.

وحال خروجك من الجناح الأول تلفت انتباهك قاعة درس من منتصف القرن الـ20 فيها مجسمات من الشمع لتلاميذ ومعلمهم في الفصل يرتدون لباسا موحدا يختلف بين الجنسين ويجلسون على مقاعد خشبية قديمة.

مجسم لتلاميذ ومعلمهم داخل الفصل .الجزيرة
مجسم لتلاميذ ومعلمهم داخل الفصل (الجزيرة)

وعند خروجك من قاعة الدرس تجد نفسك وسط طلاب التعليم الزيتوني أو ما يسمى “الكتّاب” قبل 13 قرنا حيث يتربع التلاميذ على حصيرة من الحلفاء حول معلمهم “المؤدب” أو “الشيخ” الذي يلقنهم علوم الدين وقواعد اللغة وغيرها.

المدرس محاط بتلاميذه داخل الفصل .الجزيرة
المدرس محاط بتلاميذه داخل الفصل (الجزيرة)

وتتجلى صرامة المعلمين آنذاك من خلال مجسمات لمعاقبة التلميذ والتي تسمى” الفلقة”، أي ضرب بالعصا أسفل الرجلين عندما يتهاون في الدرس أو ينسى حفظ أجزاء من القرآن الكريم.

أما الطابق العلوي من المتحف فقد خصص للمعدات التقنية للتدريس منذ بداية الثورة التكنولوجية حيث تعرض حواسيب قديمة وآلات عرض الصور على الشاشة، والتي يعود تاريخ صنعها إلى 1861، وآلات تصوير وتسجيل قديمة، إلى جانب ركن خصص لمشاهدة فيلم وثائقي لمراحل التعليم في تونس.

الفلقة هي نوع من العقاب في حال تهاون التلميذ في حفظ القرآن.الجزيرة
الفلقة هي نوع من العقاب إذا تهاون التلميذ في حفظ القرآن (الجزيرة)

إهمال وتقصير

استغرق تجميع وترتيب المخزون التربوي في المتحف حوالي 6 سنوات قبل افتتاحه سنة 2008 بإدارة خاصة تتبع المركز الوطني للتجديد البيداغوجي والبحوث التربوية، لكنه افتقد إلى قانون أساسي وصبغة إدارية منذ حل المركز وضم المتحف إلى ديوان الخدمات المدرسية، حسب تصريح المكلفة بتسيير شؤونه آسيا هرابي.

وتقول هرابي للجزيرة نت إن مشكلة الصبغة الإدارية هي أحد أسباب تراجع عدد الزوار، فهو يقتصر على بعض تلاميذ المدارس العمومية، فيما يشهد غيابا شبه كلي لتلاميذ القطاع الخاص وعموم المواطنين، وتحدثت عن خطط لتطوير العمل الاتصالي بهدف إعادة إشعاع هذه المنارة التربوية.

وفي هذا الخصوص، يقدم محمد البراق -وهو مربٍّ ومختص في التراث التربوي- مقترحات بهذا الشأن، أهمها إرساء هيكلة خاصة بالمتحف وتعيين مدير له ورؤساء مصالح أو أقسام بهدف تطويره.

مجسم لقاعة درس التعليم الزيتوني قديما.الجزيرة
مجسم لقاعة درس التعليم الزيتوني قديما (الجزيرة)

ويضيف البراق أنه “رغم أهمية القطع المعروضة الآن فإنها لا تعكس حقيقة التراث التربوي المترامي الأطراف في جميع المؤسسات التربوية، ويجب أن نواصل بحثنا عنها وإضافة معروضات جديدة”.

ويأمل التونسيون عودة المراهنة على التعليم من قبل السلطات المحلية وتطوير المنظومة التربوية التونسية عبر الاهتمام بكافة المشاركين في العملية التربوية.

المصدر: وكالات + الجزيرة نت

Share.

صحفية عراقية من اربيل خريجة وزارة الاعلام في اربيل سنة 2004

Comments are closed.