يثير اختفاء 10 براميل من مسحوق اليورانيوم في مكان ما من الأراضي الليبية، ثم إيجادها بعد يوم واحد من إعلان الوكالة الدولية للطاقة الذرية اختفاءها، تساؤلات عن الجهة التي حاولت الاستيلاء على “الكعكة الصفراء”، بالإضافة إلى مخاطرها على الإنسان والبيئة.

ففي 15 مارس/آذار الجاري كشفت الوكالة الدولية للطاقة الذرية عن اختفاء نحو 2.5 طن من اليورانيوم الطبيعي من موقع في ليبيا، لم تحدده بالضبط.

وخلال 24 ساعة، أعلنت قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر العثور على براميل اليورانيوم المفقودة.

وعلى غرار الوكالة الدولية للطاقة الذرية، لم تذكر قوات حفتر المكان الذي عثرت فيه على مسحوق اليورانيوم “الكعكة الصفراء” ولا المكان الذي كان مخبأ فيه.

والكعكة الصفراء تنتج من سحق صخور اليورانيوم الخام، لتتحول إلى مسحوق اليورانيوم أو مركز اليورانيوم.

ولتحويل الكعكة الصفراء إلى وقود نووي يتم تخصيبها عبر أجهزة الطرد المركزي، من خلال فصل اليورانيوم 235 (يمثل0.7% من الكعكة الصفراء) عن اليورانيوم 238 (يمثل 99.3% من الكعكة الصفراء)، وفق خبراء الطاقة النووية.

وعبر عملية معقدة، ترفع نسبة اليورانيوم 235 (المشع) من 0.7 إلى 3 وحتى 5%، وهذه النسبة الضئيلة من “اليورانيوم المخصب” تمثل الوقود النووي.

البرنامج النووي الليبي

يعود البرنامج النووي الليبي إلى سبعينيات القرن الماضي، عندما حاول الزعيم الليبي معمر القذافي بناء مفاعلات نووية، حيث نجح في 1979 وبمساعدة الاتحاد السوفياتي في بناء أول مركز للأبحاث النووية في منطقة تاجوراء، الضاحية الشرقية للعاصمة طرابلس.

كما بنيت محطة نووية ثانية في محافظة سرت (450 كلم شرق طرابلس) مسقط رأس القذافي، بدعم الاتحاد السوفياتي أيضا، بعد ضغوط أميركية على الأرجنتين وبلجيكا لعدم نقل التكنولوجيا النووية إلى ليبيا.

وتتحدث تقارير إعلامية عن وجود مركز أبحاث نووي في منطقة تمنهنت بمحافظة سبها (750 كلم جنوب طرابلس)، والتي توجد بها قاعدة عسكرية جوية، بينما يرى آخرون أنه مجرد معسكر كانت تخزن فيه براميل مسحوق اليورانيوم المهربة من النيجر.

ولأن الاتحاد السوفياتي لم يسمح بتقديم تكنولوجيا متطورة لليبيا تسمح للقذافي بامتلاك أسلحة نووية فيما بعد، ومع صعوبة الحصول على هذه التكنولوجيا لجأت ليبيا إلى السوق السوداء وتلقت مساعدة من أبي القنبلة النووية الباكستانية عبد القدير خان.

فوفقا للمدير العام للوكالة محمد البرادعي، فإن لقاء ضم عبد القدير خان مع مسؤول ليبي بارز في يناير/كانون الثاني 1984 تحدث فيه العالم الباكستاني عن التقنيات اللازمة لامتلاك مواد نووية، والموارد والقدرات الرئيسة، وعرض على طرابلس بيعها تكنولوجيا أجهزة الطرد المركزي لتخصيب اليورانيوم.

ويمثل عام 1984 الانطلاقة الفعلية للبرنامج النووي الليبي لإنتاج سلاح نووي، خاصة بعد حصول طرابلس على أجهزة للطرد المركزي.

وذلك مع امتلاك ليبيا احتياطات من اليورانيوم في منطقة العوينات الغربية، بالقرب من مدينة غات، في أقصى الجنوب الغربي، بالقرب من مثلث الجزائر والنيجر وليبيا، المعروف بغناه بخام اليورانيوم، والذي تقطنه قبائل الطوارق.

ورغم عدم استغلالها لمناجم العوينات الغربية للحصول على خام اليورانيوم، فإن تقارير إعلامية تحدثت عن حصول ليبيا على اليورانيوم الخام عبر السوق السوداء، من مناجم في شمال النيجر، تستغلها فرنسا لتموين مفاعلاتها النووية.

ورغم إنفاق ليبيا مليارات الدولارات على امتداد سنوات طويلة من أجل بناء برنامج نووي لأغراض عسكرية، فإن المدير السابق لوكالة الطاقه الذرية محمد البرادعي وصفه بالمشروع “الفاشل”، إذ إن القذافي كان بعيدا عن إنتاج القنبلة الذرية.

وبعد غزو الولايات المتحدة للعراق في مارس/آذار 2003 بزعم امتلاكه سلاحا نوويا، وحتى يتجنب مصير الرئيس صدام حسين ونظامه، تخلى القذافي طواعية عن برنامجه النووي في ديسمبر/كانون الأول من العام نفسه.

قوات حفتر تعلن العثور على شحنات يورانيوم “مفقودة” (مواقع التواصل)

أين تخبأ الكعكة الصفراء؟

حديث قوات حفتر بأن براميل اليورانيوم المفقودة عثر عليها باتجاه تشاد يؤكد أنها موجودة في الجنوب الليبي وليس في الشمال، ويعني أن الاحتمال الوحيد أنها كانت مخبأة في منطقة تمنهنت (45 كلم شمال شرق سبها)، وليست في تاجوراء الخاضعة لحكومة الوحدة الوطنية، ولا في سرت بالشمال، الخاضعة لقوات حفتر ومرتزقة شركة فاغنر الروسية.

وهذا الاحتمال أكده المهندس النووي الليبي عبد الحكيم الطويل الذي كان يعمل في مركز تاجوراء النووي للأبحاث، قائلا إن “براميل الكعكة الصفراء في تمنهنت كانت هناك في معسكر، وهي من شأن الأمن الخارجي وحرس معمر، لأننا حتى نحن المهندسين النوويين الليبيين في تاجوراء سمعنا عنها من بعيد ولا ندري شيئا عن تفاصيلها”.

فموقع الكعكة الصفراء ليس سريا تماما مثلما يبدو، إذ تمكن طاقم شبكة “سي إن إن” (CNN) الأميركية، في 2011 بعد سقوط نظام معمر القذافي، من الوصول إلى منشأة تبعد 15 دقيقة شمال شرق سبها، وصوّروا كعكة اليورانيوم الصفراء المخزنة، حسب موقع “بوابة الوسط”.

كما أن الصحفي الأميركي أريس ديميتراكوبولوس نقل عن تقرير للأمم المتحدة نشر في 2013 أن موقع تخزين اليورانيوم يوجد في منشأة عسكرية بالقرب من مدينة سبها، وكان يحتوي على ما يقرب من 6 آلاف و400 برميل.

من سرق براميل الكعكة الصفراء؟

ليست هناك جهة معينة تبنّت سرقة 10 براميل من الكعكة الصفراء من معسكر تمنهنت الخاضع لسيطرة قوات حفتر التي تتهم إحدى الفصائل التشادية بسرقتها.

فقد أفادت قوات حفتر -في بيان- بأن من استولى عليها (براميل الكعكة الصفراء) يجهل طبيعتها، ولا يعرف خطورتها، وتركها بعد أن أدرك أن لا جدوى منها.

ورجحت قوات حفتر أن تكون إحدى الفصائل التشادية توقعت أن يكون هذا المستودع، الذي عليه حراسة في هذه المنطقة الخالية، يحوي ذخائر أو أسلحة يمكنهم الاستفادة منها.

ووصلت قوات حفتر إلى هذا الاستنتاج بناء على أن البراميل التي عثر عليها باتجاه تشاد على بعد 5 كلم من موقع تخزينها.

وما يدعم هذه الرواية أن السرقة لم تكن احترافية، وتم التخلي عن براميل اليورانيوم دون مطاردة، ومن ثم يُستبعد وقوف جهة دولية ما خلف هذه العملية.

فالشبهات كان من الممكن أن تتوجه لشركة فاغنر الروسية المتمركزة في قاعدة تمنهنت الجوية القريبة من مستودع اليورانيوم الذي لا توجد عليه حراسة كبيرة.

كما كان هناك قلق من إيران التي تحتاج إلى الكعكة الصفراء لتشغيل مفاعلاتها النووية، أو من إسرائيل التي تحاول منع إيران أو أي دولة عربية من تطوير برنامج نووي ولو كان سلميا.

فليبيا منذ سقوط القذافي تجد صعوبة في بيع الكعكة الصفراء إلى الخارج، بتشجيع من الوكالة الدولية للطاقة الذرية، كما أنها لا توفر حراسة كافية لبراميل اليورانيوم، وذلك يجعل سرقة كميات قليلة منها ليست مهمة مستحيلة.

وتوضح قوات حفتر أنها وجدت فتحة في مستودع براميل اليورانيوم، من الجانب، تسمح بخروج برميل واحد.

ولم تعلق الوكالة الدولية للطاقة الذرية على بيان قوات حفتر الذي عتب عليها لعدم توفير احتياجات الحراسات التي تتضمن ملابس خاصة وكمامات وغيرها كما تعهدت.

ضرره لا يختلف عن مضار الرمال

تقول قوات حفتر إن مسحوق اليورانيوم يسبب عدة أمراض مثل الشلل والعقم. وفي ظل عدم توفير وكالة الطاقة الذرية للألبسة والكمامات اللازمة للحماية من هذه الأمراض، فإن أفراد الحراسة يوجدون على مسافة بعيدة من المستودع تؤمن عدم إصابتهم أو تعرضهم لمخاطر الإصابة.

لكن المهندس النووي الليبي عبد الحكيم الطويل يؤكد أن براميل الكعكة الصفراء الموجودة في تمنهنت غير خطرة وليست مشعة، ولا تهدد صحة الإنسان.

وقال “هذه البراميل فيها يورانيوم يسمى الكعكة الصفراء، أي مسحوق خام اليورانيوم، ويتكون بنسبة 99.3% من اليورانيوم 238، وهو اليورانيوم الطبيعي غير الخطر ولا المشع (هذه أهم نقطة)”.

وتابع “كل الحكاية أنها براميل فيها تراب يورانيوم، إذا لم تقترب منه أو استنشقته بكمية كبيرة لا يختلف عن رمال الصحراء ومضارها”.

المصدر: وكالات + الجزيرة نت

Share.

صحفية عراقية من اربيل خريجة وزارة الاعلام في اربيل سنة 2004

Comments are closed.