شمالي سوريا– بين صور قيصر المسربة لضحايا التعذيب بسوريا ووجوه المعتقلين المفرج عنهم حديثا، يواظب المسن الستيني زكريا على البحث عن ابنه الشاب المعتقل في سجون النظام منذ 10 أعوام، بتهمة التظاهر مع رفاقه في جامعة حلب.

يحمل الشيخ المسن هاتفه المحمول، باحثا في مواقع التواصل الاجتماعي والمجموعات المعنية بشؤون المعتقلين السوريين وأحوالهم، ويحدوه الأمل أن يعثر على صورة لابنه بين آلاف الصور والوجوه المدماة بفعل التعذيب والاعتقال، وتجول عيناه كثيرا من دون تعب.

في منزل متواضع في ريف حلب شمالي سوريا، تشعر الأسرة بغصة وحسرة على معتقلها الشاب، وهي حسرة لا تزول إلا بعودته، أو بخبر ينهي مأساتهم المستمرة منذ عقد من الزمن، لأنه وفق المثل الشعبي أن “أم القتيل بتنام وأم المهدد ما بتنام”، فلا ضير من التوصل إلى مصيره، وإن كان قد قضى نحبه.

الأب المكلوم يرى أن عدالة السماء سوف تأخذ حق ابنه المعتقل إن عجزت عدالة الأرض عن ذلك (الجزيرة)

محرقة المعتقلين

يعود الأب المكلوم بذاكرته إلى حادثة الاعتقال التي طالته أيضا مع ابنه الشاب مزيد عام 2012 بمدينة حلب، عندما حضرت عناصر من قوات الأمن السورية إلى منزلهم واعتقلته هو وابنه، وتم نقلهما إلى أحد الأفرع الأمنية.

وقال المسن زكريا -في حديث للجزيرة نت- إن المحقق في الفرع نهره بشدة لعدم معرفته أن ابنه كان يخرج مع مظاهرات مناوئة للنظام مع الإرهابيين، مضيفا أن التهم كانت تلفق بشكل متعمد لجميع المتظاهرين مثل مسلح مدني، وداعم للإرهاب.

بعد أشهر من التنكيل والتعذيب، نقل زكريا برفقة ابنه من مدينة حلب إلى الفرع 215 بدمشق، الذي يوصف بأنه محرقة المعتقلين ويمتلك سجلا سيئا في الانتهاكات، وفق تقارير حقوقية سورية ونشطاء سوريين.

ويؤكد الستيني السوري أن معتقلا أو أكثر كان يفارق الحياة بشكل يومي، جراء التعذيب والضرب بالعصي وخراطيم تمديد المياه البلاستيكية، فضلا عن الدهس على المساجين بالأحذية والقفز فوق أجسادهم المنهكة من الجوع والمرض.

في الفرع سيئ الصيت، قابل زكريا عشرات السوريين الذين زج بهم في المعتقل لمجرد أن أقارب لهم من فصائل المعارضة، حتى إن أحدهم أخبره أنه يعمل سائق سيارة أجرة وتهمته أنه نقل يوما ما عناصر من مقاتلي المعارضة بسيارته.

ابتزاز مالي

لعدم ثبوت أي تهمة على الأب زكريا، أفرجت سلطات النظام عنه، في حين استمرت في اعتقال ابنه العشريني، الذي نقل لاحقا إلى سجن صيدنايا، الذي وصفته منظمة العفو الدولية -في تقرير لها عام 2017- بأنه “مسلخ بشري”.

ومنذ ذلك اليوم، انقطعت أخبار الشاب عن أسرته، وبات مصيره في حكم المجهول، في وقت بذل فيه أبوه كل الوسائل للوصول إلى أي خبر أو معلومة بشأنه.

وتحدث زكريا -للجزيرة نت- أنه تعرض للابتزاز المالي من أحد المحامين، الذي ادعى قدرته على الوصول إلى ابنهم وإخراجه من المعتقل، حيث قدم له مبالغ مالية كبيرة من دون أي فائدة تذكر.

وهكذا، يمضي الأب الحزين أيامه، بحثا عن ابنه بين الصور والوجوه، مؤكدا أن عدالة السماء سوف تأخذ حق ابنه، إن لم يحصل عليها من عدالة الأرض.

آلاف المعتقلين

ويتشارك الشاب مزيد في مصير غير معروف مع نحو 132 ألف شخص، ما زال النظام يحتجزهم منذ بداية الاحتجاجات في سوريا عام 2011، وفق تقرير للشبكة السورية لحقوق الإنسان، من بينهم نحو 87 ألف شخص في عداد المختفين قسرا.

ورغم مرسوم العفو الذي أعلنه النظام السوري نهاية أبريل/نيسان الفائت، فإن الشبكة السورية وثقت الإفراج عن قرابة 539 معتقلا من قبل النظام السوري من مختلف السجون المدنية والعسكرية والأفرع الأمنية في المحافظات السورية.

وتقول الشبكة إن من بين الـ539 شخصا، الذين أُفرج عنهم خلال الفترة الممتدة من الأول من مايو/أيار الماضي وحتى تاريخ اليوم، 61 سيدة و16 شخصا كانوا أطفالا حين تم اعتقالهم.

المصدر: وكالات + الجزيرة نت

Share.

صحفية عراقية من اربيل خريجة وزارة الاعلام في اربيل سنة 2004

Comments are closed.