تونس- يرى معارضون في تونس أن البلاد مقبلة على منعرج خطير خلال الفترة المقبلة بسبب إصدار الرئيس قيس سعيد أمرا رئاسيا عدّوه “إقصائيا” يقضي بمراجعة الانتدابات في الوظائف الحكومية بعد ثورة 2011، في حين يرى أنصار الرئيس أن مبادرته مهمة “لتطهير الإدارة”.

وأعلن سعيّد الجمعة الماضي أمرا رئاسيا -نُشر في الجريدة الرسمية- يتعلق بإجراء تدقيق شامل لعمليات الانتداب والإدماج بالوظيفة العمومية؛ في خطوة يسعى من خلالها إلى إعفاء كل العاملين الذين تم توظيفهم بشهادات مزورة أو “بولاءات سياسية”.

كما أصدر الرئيس التونسي أمرا رئاسيا آخر ينص على إعفاء كل موظف من خطته الوظيفية بالإدارة المركزية من قبل الوزير من دون تبرير ذلك الإعفاء كما كان يحدث سابقا، وأحدثت هذه القرارات جدلا كبيرا في الأوساط السياسية “المتوجسة من الرئيس”.

وبدأت وزارة الداخلية بالفعل العمل على إعداد قوائم بأسماء الموظفين المشمولين بالإعفاء، حسب بيان أصدرته على صفحتها الرسمية.

تصفية واجتثاث

يقول زعيم جبهة الخلاص المعارضة نجيب الشابي إن “سعيّد يتجه في سابقة خطيرة لتصفية خصومه السياسيين واجتثاثهم من الوظائف الحكومية، وإن جميع الأنظمة الاستبدادية الفاشية قامت بمثل هذه الخطوة لضرب المعارضين”، وفق تعبيره.

ويرى الشابي -في حديثه للجزيرة نت- أنه يحق لأي موظف أن يختار أي لون سياسي حسب قناعاته وخياراته، شرط ألا يقحم ذلك في عمله الوظيفي كموظف في الدولة، قائلا إن الرئيس “يدّعي أن مشاريعه تعطلت بسبب موظفين متحزبين يلعبون دورا تخريبيا في الإدارة لتبرير فشله”.

ويضيف “قد يكون هذا أخطر قرار اتخذه سعيد منذ انقلابه في 25 يوليو/تموز 2021؛ لأنه قرار لتصفية خصومه على أساس الهوية السياسية، وهو لا يقل خطورة عن اعتقال أبرز الشخصيات السياسية في المعارضة والزج بهم في السجون بتهم باطلة”.

ويؤكد زعيم جبهة الخلاص أن قرار الرئيس سعيد الشروع في إعفاء الموظفين الحكوميين على أساس معارضتهم له، سيُدخل “إرباكا كبيرا في عمل الإدارة، وستكون له تأثيرات اجتماعية خطيرة على مصير آلاف الموظفين، صلب الدولة، وعلى عائلاتهم وأرزاقهم”.

ومنذ فبراير/شباط الماضي، شرعت السلطات التونسية في حملة واسعة من التوقيفات شملت قيادات بارزة لأحزاب معارضة كزعيم حركة النهضة راشد الغنوشي ورفاقه في الحزب، وشخصيات معارضة أخرى في التيار الديمقراطي والحزب الجمهوري وغيرهما.

تغطية الفشل

من جانبه، يقول القيادي بحزب التيار الديمقراطي هشام العجبوني إن قرار الرئيس مراجعة التعيينات بعد الثورة “محاولة أخرى من محاولات التغطية على فشله في تحقيق أية إنجازات، في حين تتخبط البلاد في أسوأ أزمة مالية واقتصادية واجتماعية”.

ويضيف للجزيرة نت أن قرار المراجعة من تاريخ 2011، لن يشمل كبار الموظفين الذين يحتاجون على الأقل عقدين من الزمن للتدرج في مناصب سامية، وهذه المراجعة ستكون عملية “اجتثاث لبعض تعيينات حركة النهضة وحزب نداء تونس”.

ويرى العجبوني أن الحزبين اللذين حكما البلاد بعد الثورة تميزا بنفس عقلية “الغنيمة واختراق الإدارة”، لكنه يرى أن التعيينات التي حصلت بعد الثورة “لا تتجاوز بضعة آلاف، ولا يمكن لها وسط نحو 660 ألف موظف حكومي أن تعطل الإدارة مثلما يزعم الرئيس”.

ويضيف “إنها معركة وهمية أخرى يختلقها الرئيس ليعلق عليها فشله في تغيير الواقع التونسي نحو الأفضل”، مشيرا إلى أن سعيّد عيّن مؤخرا أحمد الحشاني رئيسا جديدا للحكومة لتكليفه بمهمة أساسية تتعلق بما يسميه الرئيس “تطهير الإدارة من المندسين”.

ويرى القيادي بحزب التيار الديمقراطي أن الرئيس التونسي بهذا القرار سيزيد إرباك الإدارة، وسيعمق حالة الشلل الذي أصابها منذ فترة طويلة، معتبرا أن تنقيح القوانين التي تكبل عمل الإدارة هو الخلاص الوحيد من أجل دفع التنمية في البلاد التي تعيش ركودا على جميع الأصعدة.

إصلاح الإدارة

في المقابل، يقول النشاط السياسي أحمد الكحلاوي للجزيرة نت إن الرئيس قيس سعيّد “عُرف باستقامته ونزاهته ولا يسعى بقراراته إلى تلهية الرأي العام أو الاستعراض السياسي، وإنما يسعى لإصلاح الإدارة وتنقيتها وتحريك عجلتها”.

ويرى أنه “لا ضرر في مراجعة الرئيس التعيينات بعد الثورة التي شهدت إغراقا للإدارة بتعيينات مشبوهة مبنية على الولاءات الحزبية على حساب المال العام”، متهما أساسا حركة النهضة والأحزاب المقربة منها “بتوظيف أنصارها” خلال حكمها.

وبعد سقوط نظام الرئيس السابق زين العابدين بن علي في 14 يناير/كانون الثاني 2011، فازت حركة النهضة بأول انتخابات، وكانت طرفا رئيسيا في الحكومات المتعاقبة على البلاد، ويتهمها خصومها بتعيين أنصارها الحاصلين آنذاك على العفو التشريعي العام، في الوظائف الحكومية بكل الوزارات.

ويقول الكحلاوي “لا أحد ينكر أن العشرية الماضية شهدت العديد من التجاوزات في ما يتعلق بالتعويضات أو الوظائف المسندة بالولاءات”، ويؤكد أن التدقيق في التعيينات بالوظائف الحكومية “سينصف من لهم حق الإنصاف ويحاسب من ليس لهم الحق في الانتداب”.

ولم يتسن الحصول على تصريحات رسمية من أي قيادي بحركة النهضة حول الاتهامات الموجهة إليها، ولم تفصح الحركة عن موقفها بعد في بيان رسمي بشأن قرار الرئيس، في حين قال القيادي بالنهضة سامي الطريقي للجزيرة نت إن الحركة لم تبلور موقفها بعدُ.

المصدر: وكالات + الجزيرة نت

Share.

صحفية عراقية من اربيل خريجة وزارة الاعلام في اربيل سنة 2004

Comments are closed.