ظاهرة تكرار وجوه الممثلين في مسلسلات رمضان كانت مستحكمة منذ 10 سنوات تقريبا، لكن مع مرور الوقت، ومع ظهور وجوه جديدة كل عام لم يعد مكان لهذه الظاهرة، خاصة في الأدوار الكبيرة نسبيا، ومع الممثلين المخضرمين، الذين قد يحملون عبء أعمال تحت اسمهم.

غير أن هذا العام خالف الممثل السوري جمال سليمان هذه القاعدة، وظهر في 3 مسلسلات دفعة واحدة في ذات الموسم.

وقد قدم جمال سليمان على مدار شهر رمضان 3 أدوار مختلفة تماما، مسلسلين مصريين ومسلسل سوري، لكل منها مذاق خاص، فمن دور الأب المتعصب لآرائه في “مين قال؟” إلى اللواء عباس كامل في مسلسل “الاختيار 3″، وحتى دور مصمم الأزياء ذو الحياة العاطفية المعقدة في مسلسل “ظل”.

أب متسلط

افتتح مسلسل “مين قال؟” الموسم الرمضاني، حيث عُرض منه حلقتان قبل الشهر الكريم، ثم استكمل عرضه عبر 15 حلقة فقط على عكس عدد الحلقات الـ30 المعتادة، وشارك جمال سليمان البطولة الممثل الشاب “أحمد داش” و”نادين” ومجموعة من الوجوه الجديدة الشابة.

يتناول المسلسل قصة الشاب شريف، الذي ينهي دراسته الثانوية بمجموع يؤهله لدخول كلية الهندسة، الأمر الذي يورطه فيها بعد إصرار والده على عدم تضييع هذه الفرصة، ولكن على الجانب الآخر يحمل شريف لنفسه أحلاما مختلفة، كرجل أعمال شاب يغزو الأسواق بمنتج جديد.

ويقرر شريف ترك الدراسة والتفرغ لمشروعه، في ذات الوقت الذي يعاني فيه الأب من صعوبات في عمله بعد وفاة رئيسه السابق، يقود هذا بالتبعية إلى الصراع التقليدي بين الأب والابن، وأسلوبي التفكير المتنافرين، ومن يملك السيادة على مستقبل الشاب شريف، أفكار الأب التقليدية، أم أفكار ابنه.

وتميز أداء جمال سليمان بالقدرة على التنقل بين مشاعر الأب المتضادة، فهو محب لأبنائه، حنون، يتمنى أن يضمن لهم أفضل مستقبل ممكن، لكن في ذات الوقت متعصب لأرائه، قد يصل إلى حد القسوة لتنفيذ مشيئته، متفتح من عدة نواحي، ولكن يصر على اتباع الأساليب القديمة في التربية، ما خلق تناقضا في الشخصية كان مناسبا لروح المسلسل الذي حاول عدم التحيز لجيل على حساب آخر حتى النهاية.

على الرغم من أن المسلسل يدور في الأساس حول الشباب وأزماتهم ، سواء شريف وأخته أو أصدقائه إلا أن أفضل شخصيات المسلسل من حيث الكتابة هي للأب الذي قام بدوره جمال سليمان، فقد أتت أقرب للواقعية في رصدها لرجل عربي في منتصف العمر ومن الطبقة الوسطى العليا بما تحمله هذه الشخصية من تعقيدات بين محاولة الاستمرار في عالم رأسمالي يجعله مجرد ترس في عجلة الإنتاج لضمان استقرار عائلته الاقتصادي، وكذلك سيطرته المستبدة على مجريات أمور عائلته باعتبارها الشيء الوحيد الذي يمكنه التحكم فيه بحياته.

ويظهر ذلك في عدم قدرة الأب على التصدي لمديره في العمل الذي يطلب منه التخلي عن مبادئه، وتعامله بشكل أكثر صرامة مع العمال أسفله في السلك الوظيفي، في حين أنه يطالب ابنه وابنته بالالتزام بالخطة المرسومة لهما، ورغبته المستمرة في دعمهما ماديا طالما ينفذان أوامره التي يرى فيها مصلحتهما، فلا يوجد لديه مشكلة في إثقال ظهره بعبء مصاريف الجامعة الباهظة طالما سيدخل الابن كلية الهندسة، أو مساعدة الابنة بمصروف شهري على شرط أن تعمل في مستشفى يتيح لها الترقي الوظيفي في المستقبل.

ونواياه بالتأكيد حسنة، لكنها مغلفة بالعنف الاقتصادي والسيطرة المادية على مجريات أمور العائلة، الأمر الذي يقل تناوله في المسلسلات العربية التي تُظهر شخصيات الآباء على الأخص إما شريرة خالصة، أو طيبة قديسة.

وهنا لدينا أب يحمل الجانبين، قد يحترمه المشاهد لكن بالتأكيد سيدينه أحيانا، خاصة أن العمل ينتصر في النهاية لقيم الشباب والحداثة، عندما أعطى الابن الفرصة لإثبات أنه قادر على القيام بشيء فردي خارج عن إرادة رب الأسرة الصارم.

الاختيار 3

ظهر جمال سليمان في الجزء الثالث من المسلسل المصري الاختيار، بدور اللواء عباس كامل مدير المخابرات المصرية العامة منذ عام 2018، حيث استفاد سليمان من التقارب الشكلي بينه وبين اللواء المصري، مع استخدام المكياج كذلك لإظهاره مشابها له بشكل كبير.

واللواء المصري شغل في السابق منصب مدير مكتب الرئيس عبد الفتاح السيسي، وذلك منذ عمله في المخابرات الحربية مرورا بمنصبه في وزارة الدفاع وحتى توليه رئاسة الجمهورية، وتم تكليفه في 2018 بتسيير أعمال جهاز المخابرات العامة المصرية.

“الاختيار” 3 من إخراج بيتر ميمي، وتأليف هاني سرحان، ومثل الجزأين السابقين يتناول فترة قريبة من التاريخ المصري، ويقوم ببطولته بعض من نجوم الصف الأول لأداء شخصيات حقيقية، وفي هذا الموسم يقوم بدور البطولة كل من أحمد عز وكريم عبد العزيز وأحمد السقا وياسر جلال. وكان دور جمال سليمان في هذا المسلسل محدودا إلى حد كبير بين الأدوار الأخرى التي تحتل وقتا أكبر على الشاشة، ما لم يعطيه فرصة حتى للمنافسة مع أدواره الأخرى في ذات الموسم.

في مسلسل الاختيار، وغيره من الأعمال المشابهة التي تتناول شخصيات حقيقية حديثة نسبيا، يصبح الممثل في مأزق لتقديم الشخصية، هل يحاول الاكتفاء بالتشابه الشكلي، أم يدير ظهره للشخصية الحقيقية بالكامل، ويتعامل مع النص المكتوب له ويضفي عليه بموهبته لمسته الخاصة، التي تظهر روحها وليس مظهرها الخارجي.

لكن للأسف نحا جمال سليمان في “الاختيار 3” نفس المنحى الذي اختاره صبري فواز وخالد الصاوي في ذات المسلسل، وهو محاولة الوصول إلى أفضل تقارب شكلي فقط، والذي يصعب الوصول إليه بشكل عام، فظهروا كما لو أنهم أشخاص عاديون متنكرون في زي شخصيات حقيقية يحاولون تقليدها، وليسوا ممثلين قادرين على امتلاك زمام الشخصيات وتحريكها.

ظل ومسيو جبران

أما في مسلسل “ظل” السوري فقط ظهر جمال سليمان بدور مختلف، فهو المسيو جبران مصمم الأزياء الشهير، الذي يختفي عن الأضواء بعد انتحار واحدة من عارضاته، والتي ارتبط معها سابقا بعلاقة عاطفية، لكن يتم إجباره على العودة مرة أخرى.

وفي ذات الوقت تتقاطع طرقه مع قيس المحامي الشريف الذي يستقيل من عمله لعدم قدرته على الدفاع عن مغتصب وقاتل، ورئيس قيس السابق جلال الذي يتلاعب بالجميع.

وكان من المفترض تصوير مسلسل ظل لعرضه في الموسم الرمضاني الماضي لعام 2021، ولكن تم تأجيله بسبب انتشار وباء كورونا، ثم حدثت تغييرات في طاقم العمل، منها استبعاد الممثل السوري باسل خياط، وهو من تأليف محمود إدريس وزهير الملا، وهو مبني على فكرة لسيف رضا حامد، ومن إخراج محمود كامل، ويشارك جمال سليمان البطولة كل من عبد المنعم عمايري، ويوسف الخال، وكندة حنا، وجيسي عبده.

يلعب هنا جمال سليمان دورا يعيد إلى الذاكرة أدواره القديمة التي تميل إلى الرومانسية الاجتماعية، وجلبت له الشهرة في الوطن العربي، فهو رجل وسيم في منتصف العمر، ذو ماضي غامض يفرض عليه جاذبية إضافية، وثري، وعلى علاقات قوية بمجموعة من أكثر نساء المجتمع جمالا.

ويشبه هذا الدور بصورة بعيدة أعمال أخرى له، في طبيعة الشخصية نفسها مثل “حدائق الشيطان”، الذي لعب فيه دور الرجل في منتصف العمر الذي تقع في حبه النساء المختلفات على الرغم من ماضيه الغامض، وحياته التي يغلفها العنف والجريمة، فكلاهما يعتمدان بشكل أساسي على جاذبية جمال سليمان الذكورية التي كان لها ثقلا خاصة في بداياته الفنية لاجتذاب جمهور من المعجبات.

والملاحظة الأهم في أداء جمال سليمان في مسلسل “ظل” هو راحته في التعامل باللهجة السورية، فالممثل على الرغم من مشاركته بالمسلسلات المصرية منذ 2006 إلا أنه لا يزال يعاني من صعوبات مع اللهجة المصرية، ما يجعل إلقاءه للكلمات دوما ثقيلا على الأذن، والأهم أنه يربك أداءه بشكل عام.

ولكن على الرغم من اجتهاد الممثل السوري الكبير في محاولة خلق اختلاف بين أدواره الثلاثة في رمضان الحالي، فإن أهمها كان في المسلسل المصري “مين قال؟” إخراج نادين خان، والذي أعاد نجاح تجربة ورشة “سرد” تحت قيادة مريم نعوم، التي حققت نتيجة مشابهة بمسلسل “خلي بالك من زيزي” العام الماضي.

المصدر: وكالات + الجزيرة نت

Share.

صحفية عراقية من اربيل خريجة وزارة الاعلام في اربيل سنة 2004

Comments are closed.