هذا المسلسل يصنعه مجموعة من الشباب الذين نراهم لأول مرة، يتمردون على “أفيهات” الضحك التقليدية ونجوم الكوميديا المعروفين، ويمثلون جيلا جديدا يبحث عن “أفيهات” خاصة يصنعها شباب في نفس أعمارهم.

القاهرة – بينما يتابع الملايين المسلسلات التلفزيونية في رمضان التي تتبع النموذج الرمضاني في 30 حلقة، وغالبا ما يشعر المشاهدون بالملل والتطويل ومط الأحداث، ظهر مؤخرا على يوتيوب مسلسل قصير بعنوان “نسر السين” لا تتعدى عدد حلقاته الخمس، وأثار ردود فعل واسعة على مواقع التواصل.

يحكي مسلسل “نسر السين” عن الشاب عمدة، الذي يبحث عن فرصة للنجومية في عالم الراب، يسمي نفسه “نسر السين” لقدرته على اقتناص خصومه في منافسات مطربي الراب.

منافسة في الراب

يبدأ المسلسل بالتنويه إلى أن “هذا العمل ليس الهدف منه سوى الضحك والتسلية، وليس له علاقة بعالم الواقع”، مع تصنيف عمري فوق سن 18 عاما، وتبدأ الأحداث في الخامس من سبتمبر/أيلول 2021، حيث يتلقى مكتب كريم للمناسبات مكالمة من السيد أحمد هوبز مدير أعمال الرابر (مغني الراب) عمدة؛ لتسجيل حفلة “فريستايل باتل القمة” والتي يعرفها المسلسل أنها مناظرة بين اثنين من مطربي الراب، يكون فيها الحكم للجمهور بناء على أيهما أكثر لباقة، حيث يشارك فيها نجم الراب عمدة مع نظيره فاضل.

يتأخر عمدة عن الوصول، مما يثير استياء الجمهور المترقب، لكنه يصل أخيرا، ونعرف أنه يطلق على نفسه لقب “نسر السين” لتفوقه على الجميع، وتبدأ معركة الراب، وكأننا في منافسة حامية معاصرة من منافسات الشعراء في سوق عكاظ، حيث اعتاد شعراء العرب في العصر الجاهلي على التجمع والتفاخر بأشعارهم ليحكم بينهم النقاد ويختارون أجود الشعر وأشعر الشعراء.

يخسر عمدة معركته، لكنه يرفض الاعتراف بهزيمته، ويتهم خصمه بالتلاعب وشراء الجمهور وجلب أصحابه وأقاربه للوقوف في صفه، ويواصل طموحه في تجديد فن الراب في مصر، حالما بتقديم أغنية عن “الحلم العربي” (الأغنية الشهيرة في التسعينيات التي شارك فيها أهم مطربي العالم العربي)، ويسير عمدة في الشارع يوزع ألبومه على الناس، ويطلب منهم أن يأخذوا صورة معه، لأنه –بالطبع- “شهير جدا”.

عمدة

الشخصية الأهم هي عمدة، يتحدث أصحابه عن عبقريته وأنه نجم الراب القادم بقوة، لكننا نرى بأعيننا سذاجته وضحالة موهبته، بينما يصر هو بكل غرور أنه العبقري الذي ينتظر الفرصة، فهو بانتظار “نجم شهير، يزقه الزقة (يدفعه)، حتى يوصل (يصبح نجما)، وتأتي هذه الفرصة عندما يلتقي بنجم الراب الشهير “ويجز” الذي يستعين صناع المسلسل بممثل يشبهه نوعا ما.

5 حلقات فقط

“نسر السين” مسلسل من 5 حلقات كوميدية قصيرة، تتراوح مدة الحلقة ما بين 8 إلى 13 دقيقة، أخرج الحلقات كريم الدين الألفي وكريم مرتضى، وشاركا في كتابتها، ولعب بطولتها محمد عمدة، أحمد فاضل، أحمد إيهاب، محمد مداح، أحمد بدران، أحمد هاني إسماعيل.
ويبدو واضحا تواضع الإنتاج، ولكنه يبرهن أن بوسع أي صناع محتوى أن يقدم فنه للعالم ما دام يملك كاميرا، وفي عالم اليوم يمكن لكاميرا الهاتف المحمول أن تقدم صورة مميزة، بعد أن صنعت أفلاما كاملة بكاميرات الهاتف، نالت تقديرا واستحسانا حول العالم.

تمرد

هذا المسلسل يصنعه مجموعة من الشباب الذين نراهم لأول مرة، يتمردون على “أفيهات” الضحك التقليدية ونجوم الكوميديا المعروفين، ويمثلون جيلا جديدا يبحث عن “أفيهات” طازجة، يصنعها شباب في نفس أعمارهم، يفهمون طموحاتهم واهتماماتهم، حتى ولو لم تلق إعجاب الكبار، وغالبا لن يفهمه الكبار أو الشباب البعيدون عن عالم الراب ومطربي الأندرجراوند.

وكانت الوسيلة لعرض إبداعهم هي منصة يوتيوب، متحررين من قيود الإنتاج التي تفرضها شركات الإنتاج العاملة في السوق المصري وتخضع لقيود الرقابة الحكومية أو تتبع بوسيلة أو بأخرى الشركة المتحدة التي تملكها أجهزة الدولة الرسمية، أو حتى منصات الإنترنت التي تتعامل مع منتجين وفنانين بعينهم وتقدم محتوى لا يرقى لطموحات الجيل الجديد، على غرار مسلسل “بيمبو” الذي قدمته منصة شاهد مؤخرا وأخرجه عمرو سلامة ولعب بطولته الفنان أحمد مالك إلى جوار مطرب الراب ويجز.

مشاهدات الحلقة الأولى من المسلسل تقترب حتى الآن من 460 ألف مشاهدة (مواقع التواصل الاجتماعي)

تجربة قديمة

شبه البعض التجربة بفيلم قصير بعنوان “رجال لا تصنع المستحيل” (2002) الذي انتشر على أجهزة الحاسوب في عصر ما قبل يوتيوب، وصنعه شباب غير معروفين حينها هم أحمد فهمي وهشام ماجد وشيكو، ونجاح الفيلم شجع المنتج محمد حفظي على تقديم صناعه في مسلسل “أفيش وتشبيه” (2007) ثم فيلم  “ورقة شفرة” (2008)، ليمثل الانطلاقة الحقيقية لنجومه الذين صاروا من أبرز نجوم الكوميديا المصريين الآن.

ردود الفعل

وقد أثار “نسر السين” إعجاب رواد مواقع التواصل الاجتماعي، حيث عبر البعض عن اختلاف هذا المسلسل في تمكنه من تقديم الثيمة الكوميدية لمحاكاة الأعمال المنفذة بالفعل، ساخرا من الأفلام الوثائقية عن مطربي الراب، كما سخر من عالم مطربي الراب الذين يتصورون أنهم نجوم، وتقديمه لشخصيات مكتوبة بحرفية شديدة.

كما أشاد البعض بحوار الشخصيات، الذي يبدو طبيعيا جدا، قريب من لغة الشباب، بكل ما فيه من عشوائية، مما يجعله طبيعيا تلقائيا به مساحة كبيرة من الارتجال.

نجاح

تقترب مشاهدات الحلقة الأولى حتى الآن من 460 ألف مشاهدة، وهو نجاح كبير لمسلسل صنع بميزانية محدودة جدا وأبطال غير معروفين، لكنه ينجح في حسم المعادلة بذكاء لجمهور الإنترنت: حلقات قصيرة، إيقاع سريع، موضوع يخاطب الشباب بلغتهم وأسلوبهم وعن اهتماماتهم. فهل ينجح صناعه في تقديم جديدهم والوصول لمنصات العرض الشهيرة أم أنهم يرغبون فعلا في تقديم أفكارهم من دون قيود وبعيدا عن حسابات الربح والخسارة وقيود الرقابة؟

المصدر: وكالات + الجزيرة نت

Share.

صحفية عراقية من اربيل خريجة وزارة الاعلام في اربيل سنة 2004

Comments are closed.