جنين- في مخيم جنين للاجئين الفلسطينيين، شمال الضفة الغربية، يظل الشاب ضياء على أهبة الاستعداد لتشغيل صفارة الإنذار التي ابتكر استخدامها منذ شهور. وبمجرد سماعها يتخذ الآلاف من الأهالي وبينهم عشرات المقاومين حالة من التأهب والحذر.

وعلى الفور، تتوالى التحذيرات على تطبيقات هواتف النشطاء والصحفيين باقتراب قوات الاحتلال من مدينة جنين، أو باشتباه وجود قوات خاصة بمحيط المخيم الواقع في قلب المدينة تقريبا. ومساء الثلاثاء كان الإنذار “لأعمال تجريبية” خاصة بالمقاومين في المخيم.

سماعات مخصصة لبث صفارة الإنذار في مئذنة مسجد مخيم جنين الرئيس (الجزيرة)

مبتكر الصفارة

وتشغيل صوت الإنذار أو ما يعرف بصفارة الإنذار، أسلوب جديد ابتكره المقاومون الفلسطينيون منذ قرابة 6 أشهر، للتنبيه إلى وجود اقتحام إسرائيلي بعد تكرار تسلل جنود الاحتلال وآلياته العسكرية وقواته الخاصة لأزقة وحواري المخيم خلال السنة الماضية قبيل تنفيذ عمليات الاغتيال أو لاعتقال مطاردين.

يحكي ابن المخيم ضياء، وهو صاحب فكرة صفارة الإنذار وأحد مقاتلي المخيم، قصة الصفارة، ويقول للجزيرة نت “عند الاقتحامات كنت أحاول الوصول إلى المسجد للتكبير عبر سماعاته، وإذا تعسّر الأمر أحاول تبليغ الشباب بالرسائل القصيرة مثلا، لكن هذا الأمر غير آمن ويستغرق وقتا نحن بحاجة له، وهذا الوقت قد يساعد أحدنا في اتخاذ إجراءات الحماية أو أخذ موضعه في المخيم”.

ويضيف” فكرت بطريقة أكثر سلامة وسهولة وأكثر شمولا أيضا تساعدنا كمقاتلين في الميدان، وتساعد الأهالي على أخذ حذرهم، فكانت فكرة صفارة الإنذار”.

والصفارة في مخيم جنين، وفق مبتكرها، عبارة عن جهاز مربوط بسماعات توضع على مآذن الجوامع ويتم تشغيلها بواسطة تطبيق عن بُعد، ولا يمكن فتحه إلا بكلمة سر معروفة لدى عدد محدود من المقاتلين المتأهبين.

ويمكن للمتجول في مخيم جنين مشاهدة 4 سماعات تبث صوت الصفارة الموضوعة على مآذن المسجد الرئيس في المخيم، وهي السماعات التي تستخدم أيضا لبث نعي الشهداء، ومن هذا المسجد تخرج جنازات تشييعهم أيضا.

أحدثت فرقا

يقول ضياء إن “عددا كبيرا من المقاومين لا يتعاملون مع الإنترنت ولا يحملون الهواتف النقالة التي تضعهم في دائرة الاستهداف والخطر على حياتهم إذا تم تتبعها، ولذلك، تساعدهم صفارة الإنذار كثيرا ليغيّروا أماكنهم عند الاقتحامات”.

ويقول المقاومون إن “تنبيه الصفارة” أحدث فرقا في مواجهة الاقتحامات الإسرائيلية الأخيرة. ويذكرون أن عددا من عمليات الاقتحام تم كشفها قبل أن تدخل القوات الخاصة إلى المخيم، وبالتالي إفشال هدفها سواء باعتقال مقاومين أو اغتيالهم. كما أتاحت الصفارة الفرصة للمقاومين لتغيير أماكنهم والتخفي وعدم كشف وجودهم.

ولدورها المهم، يقول ضياء إن قوات الاحتلال الإسرائيلي حاولت تعطيل نظام صفارة الإنذار أكثر من مرة من خلال قطع الكهرباء عن المخيم والمناطق القريبة منه. “لكننا حرصنا على وصل جهاز الصفارة بمولدات كهربائية تعمل تلقائيا في حال فصل تيار الكهرباء عنها”.

ويضيف “آخر مرة كانت منذ أسبوعين عند دخول قوة من الاحتلال لحارة الحواشين في المخيم، حيث فصلت الكهرباء عن كل المنطقة، لكنهم فوجئوا بانطلاق صفارة الإنذار والتبليغ عن وجود القوة في تلك المنطقة”.

وتقوم وحدة مختصة من المقاتلين في المخيم بأعمال صيانة دورية لمنظومة صفارة الإنذار، فتشغلها من وقت لآخر، وهو ما يعرف لدى أهالي مخيم جنين ومحيط محافظة جنين بأنه “أعمال تجريب للمقاومة”.

فاطمة محمود، الجزيرة نت، سواتر حديدية من صنع مقاومي المخيم توضع على مدخل المخيم ليلاً لمنع دخول الجيبات العسكرية الاسرائيليه
استشهد العشرات من أبناء ومقاتلي مخيم جنين في اشتباكات بعد اقتحامات عديدة نفذها الاحتلال للمخيم في العام الأخير (الجزيرة)

تعميم الفكرة في مناطق المواجهة

يسمع صوت صفارة الإنذار الخاصة بمخيم جنين في مناطق مختلفة من مدينة جنين أيضا، ويصل صوتها إلى مركز المدينة واضحا في وقت متأخر من الليل أو عند الفجر.

ويعتبر المقاومون صفارة الإنذار طريقة “للاطمئنان” حتى لو أن ذلك يعني قرب الاشتباك مع الاحتلال، لأنها وسيلة لاتخاذ المواقع والتحضر أيضا.

وبينما تُستخدم صافرات الإنذار في مستوطنات الاحتلال وتجمعاته السكانية، والتي تكون إشارة عادة إلى توجه الآلاف منهم إلى الملاجئ عند أي خطر كما يسمونه، تقوم صفارة جنين بعمل موازٍ يحمي مقاتلي المخيم وساكنيه ما أمكن.

وتختلف صفارة المخيم عن غيرها في النغمات المستخدمة في تشغيلها، فتبدأ بصوت الصفارة المعروف والمرتبط بوجود الخطر المتمثل هنا بالاقتحام، ثم تنتقل سماعاتها لبث التكبيرات وذلك لتثبيت المقاومين، ثم تبث الأغاني والأناشيد الوطنية الفلسطينية.

يقول ضياء “حاولنا نقل الفكرة للبلدة القديمة في مدينة نابلس أيضا لتسهيل كشف دخول القوات الإسرائيلية، ويتوفر لدى المقاومين هناك جهاز صغير يطلق إنذارا تحذيريا، لكنه لم يكن بقدرة صفارة إنذار مخيم جنين”.

واليوم، يسعى مقاتلو المخيم لزيادة أعداد السماعات المتصلة بجهاز الإنذار وتوسيع النطاق الجغرافي للتحذير، ليشمل مناطق محاذية لمدينة جنين أيضا، وتتعرض لاقتحامات الاحتلال المتكررة.

تنبيه للأهالي

في مخبزه وسط المخيم يتحدث محمد أبو طبيخ أيضا عن أهمية وجود الصفارة. ويقول “عند سماعها أقوم كصاحب محل بإغلاقه مباشرة والتوجه إلى منزلي واحتضان أطفالي”. ويضيف “إنه أسلوب مهم لتحذير الناس وحمايتهم”.

ويضيف “أولاد المخيم يقضون أوقاتهم في اللعب بشوارعه وأزقته، وقد يكون اقتحام قوات الاحتلال مفاجئا، لذا يتنبه حتى الأطفال لصوت الصفارة ويسرعون إلى منازلهم وقت الخطر”.

مدخل مخيم جنين
سواتر حديدية ينصبها المقاومون ليلا في مدخل مخيم جنين لتعيق حركة آليات الاحتلال العسكرية (الجزيرة)

وسائل أخرى

وإلى جانب صفارة الإنذار، يتخذ المقاومون أساليب أخرى لعرقلة وتأخير اقتحام الاحتلال. فعلى مدخل المخيم الجنوبي ينصبون الأسلاك الشائكة المتصلة بسواتر حديدية تأخد شكل “X”، وهو حاجز لمنع دخول المركبات العسكرية الإسرائيلية.

ومعظم أساليب الحماية هنا يصنعها المقاومون بأنفسهم وبأدوات بسيطة متوفرة لديهم، وهي جزء من أساليب المقاومة التي اعتادها أبناء مخيم جنين ومقاتلوه منذ فترة طويلة.

وتوضع الأسلاك الشائكة والعوارض الحديدية كل ليلة عند مدخل المخيم لإعاقة المركبات العسكرية وناقلات الجنود الإسرائيليين وأي سيارة غريبة من دخول المخيم دون علم الأهالي بها. ويتم رفعها صباحا بعد الساعة العاشرة، لتعود الحركة عند المداخل بشكل طبيعي.

مشاهد لدمار بيت بفعل قصف الاحتلال له داخل المخيم
مشاهد من الدمار الذي خلفه الاحتلال بعد قصفه أحد المنازل الذي تحصن به مقاومون في مخيم جنين (الجزيرة)

الحذر والخوف في آن معا

وقريبا من الحاجز الحديدي وقفت مجموعة من الفتية يتبادلون أطراف الحديث. وقال أحدهم ويدعى أشرف (17 عاما) “حين تدوي الصفارة نعلم بوجود جيش الاحتلال في المنطقة، وهذا يسمح لنا بالمسارعة إلى المنزل أو النزول إلى ساحة المخيم للمشاركة في صد الهجوم الإسرائيلي”.

أما ابن المخيم وليد فايد فيقول “لحظة سماع الصفارة يصيب الأطفال الخوف، لأنهم يدركون معناها وارتباطها ببدء اقتحام الجيش الإسرائيلي وإطلاق النار والقتل والدم، فصوتها يعني وجود الاحتلال”. ويضيف “نحاول الحذر، لكن أين نحتمي وكل المخيم مستهدف؟”.


المصدر: وكالات + الجزيرة نت

Share.

صحفية عراقية من اربيل خريجة وزارة الاعلام في اربيل سنة 2004

Comments are closed.