كثيرا ما يجد الإنسان مبررات للحرب في أصغر التفاصيل، لكن أن تندلع الحرب بسبب متجر للمعجنات، فهذا ما قد لا يصدقه الكثيرون.

رغم أن اسم هذه الحرب قد يعيد للأذهان مشاهد الرسوم المتحركة الكوميدية التي يتقاذف فيها أبطال الفيلم الكعك والفطائر في وجه بعضهم البعض، إلا أن حرب الفطائر (1838-1839) بين فرنسا والمكسيك كانت حدثاً من الابتزاز الدولي راح ضحيته الكثير من الأرواح.

كيف كانت المكسيك ذلك الوقت؟

بعد استقلال المكسيك عن إسبانيا عام 1821، دخلت فترة من الصراع الداخلي والخارجي. فداخلياً، أدى الخلاف حول هيكلة الحكومة إلى اضطرابات واسعة النطاق.

وأمام هذه الفوضى الداخلية، كان تدمير ونهب الممتلكات الخاصة أمراً شائعاً ومتكرراً. وتُرك ضحايا هذه العمليات الإجرامية بلا أي ممثل أو جهة تدافع عنهم وتجازي الجُناة.

وحتى الأجانب الذين استقروا في المكسيك في ذلك الوقت لم يسلموا من آثار هذه الفوضى، لذلك لجؤوا إلى حكوماتهم للحصول على الدعم والحماية في المكسيك المضطربة.

علاقة متوترة مع فرنسا

أما على الصعيد الخارجي، فقد كافحت المكسيك للحصول على الاعتراف الدولي باستقلالها وسعت لتطوير علاقاتها الدبلوماسية مع الدول الأخرى.

وحظيت العلاقة مع فرنسا بالتوتر بصورة خاصة، وذلك لعدة أسباب، حيث ظلت المكسيك بعد حصولها على الاستقلال متحالفة مع إسبانيا. وبسبب هذا التحالف، رفض ملك فرنسا آنذاك لويس الـ 18 الاعتراف بالمكسيك دولة ذات سيادة.

ثم ما لبثت أن اعترفت فرنسا أخيراً بالمكسيك وأقامت علاقات دبلوماسية معها عام 1830 مع وصول لويس فيليب للحُكم. وبعد فترة وجيزة أصبحت فرنسا ثالث أكبر شريك تجاري للمكسيك.

ورغم هذا التطور، كان التوتر بين البلدين شديداً مع ارتفاع الضرائب على البضائع الفرنسية من قِبَل المكسيكيين مقارنة بالصفقات التجارية مع الولايات المتحدة وبريطانيا، ولم تتمكن السلطة المكسيكية من سداد ديون سابقة لها لفرنسا.

وهي الأمور التي مهَّدت لاندلاع حرب تندرج ضمن “أغبى حروب العالم” بحسب موقع “هيستوري” (History) التاريخي.

متجر مسيو ريمونتل للحلويات والفطائر تعرض للنهب والتخريب إثر انقلاب عسكري على رئيس المكسيك مانويل غوميز بيدرازا (بيكسابي)

سبب “أحمق” تم استغلاله جيداً

القصة بدأت عام 1828، عندما اندلعت أعمال النهب والتدمير في المكسيك إثر انقلاب عسكري على الرئيس مانويل غوميز بيدرازا، ووصول الحاكم المحلي لورنزو دي زافالا لسدة الحكم بعد أيام من الاقتتال بالعاصمة مكسيكو سيتي.

وقامت الحشود الغاضبة والجنود العسكريون بتدمير ونهب أجزاء كبيرة من العاصمة. وكان أحد ضحايا أعمال الشغب طاهيا فرنسيا مغتربا يُدعى مسيو ريمونتل، تعرض مقهاه الصغير للحلويات والفطائر للنهب والتخريب.

تجاهل المسؤولون المكسيكيون شكواه وطلبه من الحكومة بتعويضه 60 ألف بيزو قيمة لمتجره. فقد كان هذا مبالغاً فيه وانتقامياً تماماً، إذ يُعادل 165 سنة من أجور العامل المتوسط في ذلك الوقت.

في المقابل، كانت القيمة الفعلية المقدرة لمتجر ريمونتل نحو ألف بيزو على الأكثر، وفقاً لموقع “هيستوري أوف يسترداي” (History Of Yesterday) للأحداث التاريخية.

ومع استمرار الحكومة المكسيكية رفض طلبه، رفع شكواه إلى الحكومة الفرنسية. وهناك ظل طلبه دون أن يلاحظه أحد إلا بعد عقد من الزمان، عندما لفتت القضية انتباه الملك لويس فيليب.

كان الملك غاضباً بالفعل لأن المكسيك فشلت في سداد قروض مُستحقة عليها بالملايين لفرنسا، فطالبهم بدفع 600 ألف بيزو لتعويض طاه المعجنات عن “خسائره” مضاعفاً الرقم الذي حدده الطاهي إمعاناً في العقوبة.

وعندما امتنع المكسيكيون عن تسليم مثل هذا المبلغ في ذلك الوقت، أعلن لويس فيليب ما هو غير متوقع: الحرب.

حصار المكسيك حتى الاستسلام

في 16 أبريل/نيسان 1838، بدأت فرنسا حصاراً مُحكماً لمدينة وميناء فيراكروز. وبه تم قطع الجزء الأكبر من التجارة الخارجية المكسيكية.

وضاعف الرئيس المكسيكي آنذاك، أناستاسيو بوستامانتي، رفضه للدفع، وأصر على أن المكسيك لن تدفع بيزو واحدا ما لم يتم رفع الحصار.

وفي أكتوبر/تشرين الأول 1838، وصل أسطول فرنسي إلى المكسيك وبدأت السفن قصف قلعة سان خوان دي أولوا. تبع ذلك بعض المعارك الصغيرة الجانبية، وبحلول ديسمبر/كانون الأول قُتل ما يصل إلى 250 جنديا مكسيكيا، وفقاً للموسوعة البريطانية “بريتانيكا“.

MEXICO - CIRCA 2003: The capture of the fort of San Juan de Ulua after the bombing by the squadron of Vice-Admiral Baudin, 1838, print by Epinal. Pastry War, Mexico, 19th century. Paris, Musée De La Marine (Photo by DeAgostini/Getty Images)
لوحة لحرب المعجنات بالمكسيك في القرن الـ 19 (غيتي)

نهاية الحرب المؤسفة

انتهى القتال أخيرًا في مارس/آذار 1839، عندما توسطت الحكومة البريطانية لإجراء اتفاق سلام بين البلدين. فبعد 7 أشهر من الحصار، واحتلال فيراكروز، كان الاقتصاد المكسيكي في حالة يرثى لها، مع نزيف آلاف البيزو يومياً لتضرر الميناء الرئيسي للتجارة.

لذلك لجأت المكسيك لبريطانيا، ووافقت على الشروط، وكجزء من المعاهدة أُجبر المكسيكيون بالفعل على صرف 600 ألف بيزو، وهو بلا شك مبلغ كبير لمحل حلويات في ذلك الوقت.

بعد إفراغ الخزانة واستنزاف الدولة مادياً بتدمير مصدرها الأساسي للاقتصاد، رحلت فرنسا نهائياً عن المكسيك تاركة وراءها دولة مُدمرة.

ومع اقتصاد في حالة من الفوضى وجيش أضعف من أن يقاوم، انزلقت المكسيك أكثر في الفوضى واستولت الولايات المتحدة عليها في عام 1846، حيث ضمت نصف أراضي المكسيك بالقوة.

وبذلك تصبح “حرب الكعك” المؤسفة التي اندلعت بسبب سرقة متجر فرنسي للمخبوزات واحدة من أكثر “الحروب الغبية” التي عرفها التاريخ، وغيرت معالم دولة المكسيك حتى يومنا هذا.

المصدر: وكالات + الجزيرة نت

Share.

صحفية عراقية من اربيل خريجة وزارة الاعلام في اربيل سنة 2004

Comments are closed.