بيروت- لعل إنجاز الانتخابات البرلمانية بموعدها المقرر في 15 مايو/أيار 2022 كمطلب عربي وغربي، جاء برأي كثيرين، بعد توترات وتطورات كبيرة بعلاقات لبنان مع القوى الخارجية في بلد يوصف بأنه ساحة تختزل صراعات المنطقة إقليميا ودوليا.

فمن جهة، بلغ تصدّع علاقته مع دول خليجية مستوى غير مسبوق وجرى ربطها بنفوذ متماد لإيران عبر حزب الله. ومن جهة أخرى، شهدت المبادرة الفرنسية بعد انفجار مرفأ بيروت في 4 أغسطس/آب 2020 انتكاسات وتعثرات، كما صعدت واشنطن موقفها، وفرضت الإدارة السابقة عقوبات أبرزها على الوزير السابق جبران باسيل حليف حزب الله، ووزراء سابقين آخرين وشخصيات وكيانات مدعومة من حزب الله.

وقبل أشهر أيضًا، ترممت نسبيا علاقة بيروت بدمشق لأول مرة بعد الحرب في سوريا عام 2011، وتجسدت بتوقيع اتفاقيات لم تنجز، لاستجرار لبنان الغاز المصري والكهرباء الأردنية عبر الأراضي السورية.

وتطرح الجزيرة نت 5 أسئلة لقراءة انعكاسات الانتخابات ونتائجها المحتملة على علاقات لبنان الإقليمية والغربية، مع الباحثين وأستاذي العلوم السياسية والعلاقات الدولية عماد سلامة وعلي فضل الله، والكاتب السياسي خلدون الشريف، والصحافي والكاتب السياسي حسين أيوب.

وزير خارجية الكويتي أحمد ناصر المحمد الصباح أثناء زيارة لبنان لبناء الثقة بعد أزمة تصريحات قرداحي (رويترز)

كيف يمكن أن تؤثر نتائج الانتخابات على علاقات لبنان مع الخليج؟

يرى الشريف أن عودة سفيري السعودية والكويت إلى بيروت أخيرا، بعد إغلاق باب الترشيح وتسجيل اللوائح، تعني أنها غير مرتبطة مباشرة بملف الانتخابات، لأن الأطراف الخليجية لا تضع لبنان راهنا على سلم أولوياتها نتيجة الضغوط الإقليمية. فملف اليمن برأيه يتقدم على لبنان لديها، كذلك العراق. ناهيك عن الحرب الأوكرانية التي استهلكت جزءا كبيرا بملف النفط والغاز. وقال الكاتب إن “أي تدخل الآن، لن يغير النتيجة التي أصبحت شبه محسومة بتركيبة اللوائح الانتخابية”.

ويعتبر سلامة أن أولوية الخليج الحفاظ على استقرار لبنان نظرا لخصوصيته وموقعه الإستراتيجي، و”ترميم العلاقات التي ضرب نفوذ إيران ديناميتها”. ويرى أن انتخابات 2018 شكلت خضة للعلاقات اللبنانية الخليجية، بسبب اكتساح حزب الله وحلفائه الانتخابات، والتي سبقتها التسوية الرئاسية التي أفضت لانتخاب ميشال عون رئيسا للجمهورية عام 2016.

من جانبه، يجد فضل الله أن موقف السعودية محوري بلبنان، وشهد تبدلات بعد اتفاق الطائف (عام 1990) ورسي أخيرا على خصومة كبيرة ضد حزب الله وحلفائه.

ومن ضمن الإشكاليات المطروحة برأيه، وتحديدا بعد عودة السفير السعودي، إن كانت نتائج الانتخابات ستحسن علاقات لبنان مع الخليج أم تزيدها اضطرابا، في ظل ارتفاع حظوظ حزب الله وحلفائه بنيل الأكثرية البرلمانية.

ويتحدث أيوب عن معطيات حول عودة السعودية إلى لبنان قبيل الانتخابات، إذ “جاءت بتنسيق فرنسي، لأن لبنان راهنا جزء من ملف سعودي فرنسي ترجمه بيان مشترك سابق لهما لدى زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للرياض”.

وهذا التنسيق تجلى أخيرا بإعلان سفير السعودية في لبنان وليد البخاري عن توقيع اتفاقية الصندوق السعودي الفرنسي لدعم الشعب اللبناني، وهي تتضمن 35 مشروعا في لبنان تتعلق بقطاعات الصحة والتعليم والطاقة.

انتخابات 15 أبريل/نيسان يغيب عنها رفيق الحريري وقيادات سنية بارزة (الجزيرة)

كيف تؤثر نتائج الانتخابات على علاقة لبنان بأوروبا وتحديدا فرنسا التي تعثرت مبادرتها؟

شكل فوز الرئيس إيمانويل ماكرون، بانتخابات الرئاسة الفرنسية، ارتياحًا لدى معظم القوى السياسية الحليفة والمتخاصمة، نظرًا لفتحه قنوات تواصل مع الجميع، بمن فيهم حزب الله. ويعد التواصل مع قطب أوروبي مؤثر أولوية للقوى اللبنانية، بصرف النظر عن نتائجه، وهم يتطلعون لإعادة الزخم لهذا الدور، بعدما أصاب مبادرة ماكرون من تعثر ذريع.

ويعتبر سلامة أن أولوية أوروبا أن تضمن الانتخابات استقرار لبنان، لأن “هاجسها من ملف النزوح يتعاظم، وتخشى أن تشهد أوروبا موجات تدفق نزوح سوري” كما ترغب أوروبا برأيه، وتحديدا فرنسا، تغذية الدور والوجود المسيحي في لبنان.

ويُذكّر فضل الله أن أوروبا ليست تكتلا واحدا بالسياسات الخارجية، وأن الفرنسيين يحاولون الاستثمار بلبنان والاستفادة من هامش منحتهم إياه واشنطن.

وقال إن فرنسا اصطدمت بنفسها في لبنان رغم فرصتها الذهبية وانفتاحها على جميع الأطراف بينهم حزب الله، ومرد ذلك “فشلها بكثير من الساحات، بناء لتقديرات وتقارير خاطئة”.

وهنا، يعتقد الشريف أن فرنسا أدركت من تجربتها أن أمور لبنان شديدة التعقيد، وأن المجتمع المدني لم يستطع إثبات نفسه، وغرق في صراعات تشبه صراعات القوى السياسية، مع فارق أن الأخيرة لديها قدرة استقطاب أكثر.

ويقول أيوب إن فرنسا صارت حاضنة لكل تناقضات الطبقة السياسية اللبنانية. ولأن أميركا لا تملك إستراتيجية في لبنان برأيه، سيستمر تفويض الملف للفرنسيين وسيكون لماكرون بولايته الثانية والأخيرة مبادرات لبنانية لعل أبرزها الدعوة لمؤتمر وطني شبيه باتفاق الطائف أو الدوحة (عام 2008)”.

كيف تنعكس الانتخابات البرلمانية على علاقة لبنان مع واشنطن؟

يرى سلامة أن مصالح اميركا معروفة بلبنان، وما يهمها ألا يضطرب أمنيا عند الحدود مع إسرائيل. أما إذا حصد حزب الله الأكثرية البرلمانية، فهذا “يعني مرة جديدة أن أميركا تجني ثمار أخطاء سياستها الخارجية، لأن إداراتها المتعاقبة دائمة التأرجح بمواقفها من النظام السوري أو إيران، مما أدى لتفتت حلفائها من قوى 14 آذار، مقابل تقدم حزب الله”.

ويعتبر أيوب أن معظم الخارج، بمن فيهم أميركا، يريد إجراء انتخابات لبنان بمعزل عن نتائجها. فـ “لو خسر حزب الله وفريقه كما حدث عام 2009، هل يمكن تسييل الربح والهزيمة دستوريا، وإذا ربح حزب الله وفريقه كيف يمكن تسييل ذلك في معادلات لبنان”. وقال الكاتب “أميركا بسياساتها الخارجية راهنا أسيرة خطاب الديمقراطيين الذين يقولون الشيء ويصبحون أسرى شعاراتهم”.

لكن فضل الله يجد أن الانخراط الأميركي بلبنان كان هائلًا ومعلنًا، وقد “سعت واشنطن للاستثمار بالحراك الشعبي”. لكن لوحظ الأشهر الماضية انكفاء نسبي لواشنطن عن لبنان، ويربطها الباحث بتقديرات أن الانتخابات ستأتي بأغلبية لحزب الله.

ومع ذلك، يرى هذا الأكاديمي أن واشنطن قوية جدا في لبنان، ونتائج الانتخابات لا تحد من دورها، و”لديها الكثير من الأوراق، كالضغط الاقتصادي والمالي، وبعض المشاريع عالقة لديها كالغاز المصري”.

ويعتقد الشريف أن اهتمام أميركا بلبنان يرمي إلى استقرار الحدود مع إسرائيل وبملف الترسيم البحري ودعم الجيش اللبناني.

أما علاقة أميركا بحزب الله، فـ “تتحرك على رمال مفاوضاتها مع إيران”. وقال الكاتب إن محاولات تقزيم نفوذ حزب الله فشلت، مع انسحاب الحريري، لأن القوى الغربية فقدت الرافعة السنية التي تستطيع أن توازن النفوذ الشيعي.

الانتخابات التشريعية في لبنان بالأرقام (الجزيرة)

كيف تقارب إيران الانتخابات البرلمانية في لبنان؟

ويشير الشريف وسلامة إلى أن الانتخابات محطة مهمة لتكرس إيران حضورها في لبنان، كونها تجدد شرعية نفوذ حليفها حزب الله.

لكن فضل الله يقول إن طهران تتدخل بالمعنى الإستراتيجي فقط، نظرا لصراعها بعدد من ساحات المنطقة. وقال “إيران غير محتاجة للتدخل بالانتخابات لأن نتائجها ستكرس تلقائيا أن أكثر من نصف الشعب اللبناني صديق لها”.

وهنا، يعلق أيوب بأن “معظم اللبنانيين يعيشون أوهامَ خارجٍ لا ينام ولا يستيقظ إلا ويكون مهجوسا بهم”. ويعتقد أن لبنان لم يعد أولوية. ويذكر أنه بانتخابات 2005 و2009 و2018 كانت شعارات المحكمة الدولية والعداء لسوريا وحزب الله مادة أساسية لفريق 14 آذار. أما اليوم، فلم يبق منها إلا العداء لحزب الله منها.

بالمقابل، كان الفريق الآخر، أي حزب الله وحلفاؤه، يرفع شعارات ضد الحريري وأميركا والسعودية، في حين “صار الحريري أكثر قبولا عند 8 آذار، ولم تعد سوريا القضية عند 14 آذار واستبدلوها بمجلس وطني لمقاومة الاحتلال الإيراني”. وقال أيوب “إيران لن تغير تفويضها المطلق لحزب الله فما يرتضيه ترتضيه لنفسها”.

كيف يتعاطى النظام السوري مع الانتخابات البرلمانية؟

يرى سلامة أن الانتخابات، وبعد التطورات التي كرست حاجة لبنان لسوريا بمشاريع الغاز والكهرباء، ستمهد لفرصة عودة تدريجية إلى الحياة السياسية اللبنانية، عبر حلفاء سوريا كحزب البعث والحزب القومي وتيار المردة والشخصيات السنية المؤيدة لها. وقال إن النظام “يعول أن تعطيه الانتخابات دورا خسره، وأن ينال دعما خليجيا وأميركيا وأوروبيا على حساب إيران”.

بدوره يعتقد فضل الله أن الحكومة السورية مشغولة بشؤونها، ولا يرقى نفوذها إلى حالة تدخل -كالسابق- في لبنان، معتبرا أن المشاريع التي يترقب لبنان مرورها سوريا مرتبطة بموقف أميركا من النظام، أكثر من ارتباط موقف الأخير من لبنان.

ويقول الشريف إن سوريا تعيش أزمات أكبر من لبنان. ورغم مساعيها لاستعادة دورها عربيا “من الصعب أن تتدخل بالانتخابات ويكون لها دور، إلا مع بعض المجموعات الحليفة الصغيرة، حيث سيكون للصوت العلوي حضورا”.

أما أيوب، فيعتبر أن سوريا عائدة عبر الانتخابات إلى لبنان، ليس بالمقاعد بل باختفاء خطاب التحريض ضدها من أقصى عكار إلى أقصى العرقوب. وقال “لقد جرت انتخابات 2018 على وقع تسوية رئاسية دام مفعولها 3 سنوات، ونجحت بعزل لبنان ما أمكن عن حسابات وتعقيدات الخارج. أما اليوم، فلا يمكن عزل لبنان عما يجري حوله”.

المصدر: وكالات + الجزيرة نت

Share.

صحفية عراقية من اربيل خريجة وزارة الاعلام في اربيل سنة 2004

Comments are closed.