السليمانية- رغم أن قادة حكومة إقليم كردستان كانوا قد أعلنوا عزمهم إجراء الانتخابات البرلمانية هذا العام، فإن الخلافات لا تزال تسيطر على الوضع السياسي في الإقليم، وعلى رأسها عدم اتفاق الأحزاب الكردية على قانون انتخابي، وتشكيل مفوضية جديدة، وتحديث قوائم الناخبين، وموعد إجراء الانتخابات، وسط حالة من التنافس الشديد بين قطبي الإقليم: الحزب الديمقراطي الكردستاني، والاتحاد الوطني الكردستاني.

وينص قانون الانتخابات في كردستان على تسمية رئيس الإقليم الجديد وتشكيل الحكومة من قبل الكتلة التي تحصل على أكبر عدد من مقاعد البرلمان الكردي.

وكان برلمان الإقليم قد صوّت في أكتوبر/تشرين الأول الماضي على تمديد عمره التشريعي وتأجيل الانتخابات لعام واحد فقط، على أن يتم إجراؤها خلال العام الجاري مع انتخابات مجالس المحافظات.

وأجرى الإقليم حتى الآن 5 انتخابات برلمانية، كانت الأولى في عام 1992 والثانية في 2005، أما الثالثة فقد كانت في 2009، تلتها الانتخابات الرابعة عام 2013، ثم الخامسة الأخيرة عام 2018، في الوقت الذي شهدت فيه الانتخابات الأخيرة مشاركة 59% من مجموع من يحق لهم التصويت داخل الإقليم.

كما شاركت في انتخابات عام 2018 ما مجموعه 29 قائمة وكيانا سياسيا، في حين استطاعت 16 قائمة فقط الحصول على المقاعد البرلمانية البالغة 111 مقعدا، منها 11 مُخصصة للأقليات القومية والدينية (الكوتا) موزعة على التركمان بـ5 مقاعد ومثلها للمسيحيين ومقعد واحد للأرمن.

يوسف محمد طالب المحكمة الاتحادية بإلغاء قرار تمديد عمر برلمان الإقليم (الجزيرة)

عمر البرلمان

وبالتزامن مع ذلك، برزت المحكمة الاتحادية العليا -أعلى سلطة قضائية في العراق- كطرف في القضية، حيث لا تزال تنظر في الدعوى المقدمة إليها، التي كان قد رفعها يوسف محمد -الرئيس السابق لبرلمان الإقليم (2014-2015) وعضو مجلس النواب الاتحادي السابق- ضد الرئيس الحالي لبرلمان إقليم كردستان عقب تمديد عمر برلمان الإقليم، ثم تبع تحالف الجيل الجديد ذلك بدعوى مشابهة.

وتضمنت الدعوى المطالبة بالحكم بعدم دستورية قانون استمرار الدورة الخامسة لبرلمان كردستان العراق ذي الرقم 12 لعام 2022، وذلك لمخالفته 6 مواد من دستور الإقليم، فضلا عن انتهاء ولاية الدورة الخامسة من عمر البرلمان اعتبارا من السادس من نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، إلا أن المحكمة الاتحادية العليا قررت تأجيل حسم مصير الدعوى إلى 15 مارس/ آذار المقبل.

وفي حديثه للجزيرة نت، يقر يوسف محمد (عضو سابق في حركة التغيير الكردية) بتعرّض المحكمة الاتحادية لمزيدٍ من الضغوطات من الأحزاب النافذة في كردستان إزاء قرارتها الأخيرة الخاصة بالإقليم.

ويُطالب السياسي الكردي -المستقل حاليا- المحكمة الاتحادية بإلغاء قرار تمديد عمر برلمان الإقليم، فضلا عن إصدار بعض القرارات التي تكون بمثابة “أوامر” لضمان إجراء انتخابات نزيهة بعيدا عن التزوير، وفق تعبيره.

وذهب مراقبون إلى تأثر الأزمة الكردية بنظيرتها العراقية، فضلا عن تدخلات وتأثيرات بعض الأحزاب العراقية على الشأن الداخلي الكردي، الأمر الذي أوصلها إلى ذروتها خلال الأشهر الأخيرة.

عضو مكتب إعلام الإتحاد الوطني الكردستاني كاروان أنور
عضو مكتب إعلام الاتحاد الوطني الكردستاني كاروان أنور نفى وجود تأثير للأزمة السياسية العراقية على الخلافات الداخلية في الإقليم (الجزيرة)

تأثير الأحزاب العراقية

في السياق، لا يبدو المحلل السياسي طارق الزبيدي مُستغربا من تأثر الأزمة السياسية الكردية بالخلافات العامة الموجودة في العراق عموما، إلا أنه يجد في الأزمة الكردية “خصوصية” تتعلق بالشأن الداخلي الكردي، مستندا برأيه على التنافس الحاصل بين الحزبين التقليديين في الإقليم للظفر بأكبر عدد من مقاعد برلمان الإقليم لأجل نيل تمثيل المكون الكردي في إطار مفاوضاته مع الحكومة الاتحادية ببغداد.

وإزاء تأثير الأحزاب العراقية على الوضع العام في الإقليم، لا ينفي الزبيدي -في حديث خاص للجزيرة نت- وجود دور لتلك الأطراف، لا سيما من وصفها بـ”المهيمنة” وتأثيرها في تعقيد المشهد السياسي العام في كردستان، على اعتبار أن الانتخابات العامة ضرورية للسيطرة على المشهد السياسي بالإقليم.

ويستدل الزبيدي -الذي يعمل أستاذا للعلوم السياسية بجامعة بغداد- برأيه على مخرجات انتخابات عام 2021، وانضمام الاتحاد الوطني إلى الجبهة الشيعية التي شكلت الثلث المُعطل، في الوقت الذي تحالف فيه الحزب الديمقراطي الكردستاني مع التيار الصدري وتحالف السيادة السني ضمن التحالف الثلاثي الذي عرف بـ”إنقاذ وطن”.

مهدي عبد الكريم: الانتخابات ستعقد في الإقليم بموعدها والخلافات مع الاتحاد الوطني تتجه للحل (الجزيرة)

جوهر الخلافات

وخلافا لرأي الزبيدي، ينفي عضو مكتب إعلام الاتحاد الوطني الكردستاني كاروان أنور وجود تأثير للأزمة السياسية العراقية على الخلافات الداخلية في الإقليم، مؤكدا أن إجراء الانتخابات من عدمه يعد شأنا داخليا كرديا، بعيدا عن تأثيرات أو تدخلات الأحزاب العراقية الأخرى.

ويرى في عدم الاتفاق على مقاعد الكوتا التي باتت تشغل جميع الأحزاب الكردية -باستثناء الديمقراطي الكردستاني- أحد الأسباب الرئيسية لعدم الاتفاق على إجراء الانتخابات، بحسبه.

وفي حديثه للجزيرة نت، يعزو أنور مشكلة الكوتا بحصر مقاعد الأقليات في مناطق نفوذ الحزب الديمقراطي بمدينتي أربيل ودهوك فقط، وغياب تمثيل الأقليات ذاتها في مناطق نفوذ حزب الاتحاد الوطني الكردستاني بمدينتي السليمانية وحلبجة.

ويعدد أنور جُملة من الخلافات الكردية الإضافية التي تقف وراء تأجيل الانتخابات، منها ما يتعلق بعدم تحديث سجل الناخبين والتعداد السكاني، مع وجود اختلاف كبير في عدد الناخبين بين انتخابات عام 2018 و2021 التي شهدت تراجعا في عدد ناخبي الانتخابات التشريعية الأخيرة، وفق قوله.

طارق الزبيدي يرى أن تحالفات الأحزاب الكردية بعد انتخابات 2021 كشفت عن خلافات وتدخلات من أحزاب عراقية بالشأن الكردي (الجزيرة)

إقرار بالتدخل

من جانبه، يقر العضو البارز في الحزب الديمقراطي الكردستاني مهدي عبد الكريم بوجود الكثير من التدخلات والتأثيرات للأحزاب الموجودة في بغداد على القوى التي وصفها بـ “المعارضة” في الإقليم، من أجل ألا يكون هناك استقرار، وعدم إجراء الانتخابات في كردستان.

وعن إمكانية إجرائها من عدمه، يؤكد المتحدث للجزيرة نت أن الانتخابات ستعقد بموعدها المُحدد رغم التأثيرات الموجهة لعدم إجرائها، مضيفا أنه رغم خلافات حزبه مع الاتحاد الوطني الكردستاني، فإن الديمقراطي الكردستاني ستكون له زيارة مرتقبة للاتحاد الوطني من أجل التباحث حول جُملة من الملفات المُهمة، أبرزها ما يتعلق بإجراء الانتخابات والنفط والطاقة وغيرها، متوقعا أن تُحل جميع المشاكل الداخلية في الإقليم قريبا.

ويعد إقليم كردستان جزءا من جمهورية العراق، إذ يعود تأسيسه إلى معاهدة الحكم الذاتي في مارس/آذار 1970 بعد الاتفاق بين الحكومة العراقية والمعارضة الكردية عقب سنوات من المعارك، غير أن الحكم الذاتي لم يدخل حيز التطبيق إلا عام 1991 عقب فرض مجلس الأمن الدولي منطقة حظر طيران في شمال العراق.

ويتكون الإقليم من 4 محافظات، هي العاصمة أربيل ودهوك اللتان تخضعان لنفوذ الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي يتزعمه مسعود البارزاني، في حين تخضع محافظتا السليمانية وحلبجة لنفوذ الاتحاد الوطني الكردستاني الذي يتزعمه بافل الطالباني نجل الرئيس العراقي الراحل جلال الطالباني.

ووفق هيئة الإحصاء بوزارة التخطيط في حكومة الإقليم، فقد بلغ عدد سكان الإقليم مطلع عام 2021 أكثر من 6.1 ملايين نسمة، في الوقت الذي قدرت فيه وزارة التخطيط الاتحادية ببغداد عدد سكان الإقليم 5.5 ملايين نسمة.

المصدر: وكالات + الجزيرة نت

Share.

صحفية عراقية من اربيل خريجة وزارة الاعلام في اربيل سنة 2004

Comments are closed.