مؤخرا، غيّرت وكالة “موديز” (Moody’s) النظرة المستقبلية لمصر إلى سلبية بدلا من مستقرة، لكنها أبقت تصنيفها عند “بي 2” (B2)، محذرة من أن المزيد من الانخفاض في الاحتياطات الأجنبية لدى البنك المركزي قد يدفعها إلى خفض تصنيف البلاد للمرة الأولى منذ مارس/آذار 2013.

وتُعدّ موديز أول من يخفض نظرته المستقبلية لمصر إلى سلبية، إذ أبقت وكالتا “فيتش” (Fitch) و”ستاندرد آند بورز” (S&P) في أبريل/نيسان الماضي على التصنيف الائتماني (Credit Rating) لمصر عند “بي بي” (BB) و”بي+” (+B) على التوالي، مع نظرة مستقبلية مستقرة، رغم الضغوط على ميزان المدفوعات بسبب الحرب في أوكرانيا.

فماذا يعني مصطلح التصنيف الائتماني، وما أبرز وكالات أو مؤسسات التصنيف الائتماني، وما هي دلالات التصنيف وأهميته للدول والمؤسسات؟

التصنيف الائتماني.. ماذا يعني؟

ـ يقصد بالتصنيف الائتماني درجة تظهر حكم مؤسسات التصنيف العالمية على مدى القدرة على سداد الديون، فمعنى أن يكون التصنيف ضعيفا أن هناك احتمالا بألا يستطيع المدين الوفاء بالتزاماته، أما التصنيف المرتفع فيعني استبعاد الاحتمال.

ـ يسهل التصنيف المرتفع على الحكومات والشركات الحصول على تمويل وقروض سواء من الأسواق الداخلية أو الخارجية، وتتم عملية التصنيف بناء على معايير اقتصادية ومحاسبية معقدة أهمها الربحية، ثم الموجودات أو الأصول، والتدفقات المالية التي توضح الوضع المالي للمؤسسة.

مؤسسات التصنيف الائتماني

ـ مؤسسات التصنيف الائتماني هي شركات خاصة تصدر تقييمات لما يسمى الجدارة الائتمانية لدولة أو مؤسسة ما، وينعكس التصنيف الذي تصدره إيجابا أو سلبا على ثقة المستثمرين في هذه الدولة أو المؤسسة وعلى كلفة استدانتها من الأسواق المالية.

ـ هناك مؤسسات كثيرة تقوم بالتصنيف الائتماني، لكن أشهرها مؤسسات أميركية ثلاث هي “فيتش” و”موديز” و”ستاندر آند بورز”، والتي تهيمن على سوق التصنيفات في العالم.

ـ شهد السوق مؤخرًا ميلاد شركة تصنيف صينية، ولكنها ما زالت دون مستوى الوكالات الثلاث الأخرى.

ـ تسيطر هذه الوكالات على نسبة كبيرة من سوق إصدار التصنيفات الائتمانية، يقدرها البعض بنحو 95%، ولكن نصيب موديز وستاندرد آند بورز هو الأكبر، وتتراجع حصة فيتش مقارنة بالوكالتين الأخريين.

مستويات التصنيف الائتماني

ـ مستويات التصنيف لدى وكالات التصنيف الائتماني، تتراوح ما بين (AAA) “درجة أمان عالية”، وهو أعلى تصنيف للجدارة الائتمانية، وإن كان يتضمن درجات تابعة مثل (AA)، أو (A)، ثم تصنيف (BBB) ويعني جدارة ائتمانية متوسطة” ودرجاته المختلفة، كما هو في التصنيف السابق، ثم التصنيف (CCC) “جدارة ائتمانية عالية المخاطر”، ثم التصنيف الأخير (DDD) “جدارة ائتمانية متعثرة” ودرجاتهما المختلفة كما في التصنيفين السابقين.

نبذة تاريخية

ـ ظهر نشاط التصنيف الائتماني بالولايات المتحدة في القرن الـ19، حيث أدت أزمة 1837 بالمستثمرين إلى استشعار الحاجة إلى تقييم الملاءة الائتمانية للشركات (أي قدرتها على سداد ديونها).

ـ عام 1841: ظهرت أول وكالة للتصنيف الائتماني في نيويورك وهي “وكالة التجار”.

ـ عرفت سوق التصنيف الائتماني في الولايات المتحدة تطورا كبيرا مع نمو الشركات المشتغلة في قطاع السكك الحديدية وازدياد حاجتها إلى جمع الأموال من المستثمرين بغرض تمويل مشاريعها التوسعية.

ـ عام 1909: أنشأ جون مودي “شركة موديز لخدمات المستثمرين”.

ـ عام 1916: تأسست شركة “بورز للنشر”، وشركة ستاندارد للإحصاء في 1922، وشركة فيتش للنشر في 1924.

ـ عام 1941: اندمجت كل من شركتي ستاندارد وبورز.

ـ توجد حاليا 3 وكالات كبرى للتصنيف الائتماني تهيمن على أكثر من 90% من سوق التصنيف في العالم، وهي “موديز لخدمة المستثمرين” و”ستاندارد آند بورز للخدمات المالية” و”فيتش للتصنيف الائتماني”.

الدور والوظيفة

ـ يتمثل دور وكالات التصنيف الائتماني في تقليص ما يصطلح عليه الاقتصاديون بـ”تباين المعلومات” بين المقترضين والمستثمرين، من خلال تزويد الأسواق المالية بمعلومات عن جودة الديون التي يتم إصدارها ومخاطر عدم وفاء المدينين بالتزاماتهم.

ـ تسمح هذه المعلومات للمستثمرين باتخاذ قراراتهم بشأن الاستثمار من عدمه في سندات الديون التي تصدرها الجهات الراغبة في الاقتراض.

ـ تقوم وكالات التصنيف الائتماني بتصنيف الديون التجارية بالنسبة للشركات الخاصة والعمومية التي تلجأ إلى الأسواق المالية لإصدار سنداتها، والديون السيادية بالنسبة للدول أو ما دون السيادية بالنسبة للجماعات الترابية (مجالس بلدية أو جهات)، والمنتجات المالية المركبة التي تدمج بين مشتقات مالية مختلفة.

ـ تعتبر وكالات التصنيف الائتماني أن التصنيفات التي تقوم بها مجرد آراء تعبر عنها، وأنها لا تضمن أي شيء بالنسبة للمستثمرين، وترى تبعا لذلك أنها لا تتحمل العواقب الناجمة عن أي قرار يُتَّخَذ بناء على هذه الآراء.

ـ يضمن التعديل الثاني للدستور الأميركي (حرية التعبير) الحماية لهذه المؤسسات من أي متابعات قانونية جراء تصنيفات خاطئة تصدر عنها.

 المنظومة النقدية

ـ عام 2009: صدر تقرير لجنة “ستجليتز” لإصلاح المنظومة النقدية والمالية الدولية بطلب من الأمم المتحدة، وأشار إلى مشكلة استقلالية وكالات التصنيف الائتماني عن أصحاب الديون التي يقومون بتصنيفها، وإلى تضارب المصالح الواضح الذي يطبع نموذجها الاقتصادي الحالي.

ـ وكالات التصنيف الائتماني من جهة هي مطالبة بتزويد المستثمرين بمعلومات حقيقية وموضوعية حول الديون المُصنَّفة، ومن جهة أخرى فإن مصلحتها تقضي بمنح تصنيفات جيدة لديون المقترضين الذين يلجؤون إلى خدماتها دون باقي الوكالات، وذلك لزيادة أرباحها وحصتها من السوق.

ـ هذا من شأنه أن يؤدي إلى تنافس غير أخلاقي بين الوكالات ولجوئها جميعا إلى هذا النوع من الممارسات من أجل جلب المزيد من الزبائن، وإن كان ذلك سيتم على حساب المستثمرين الذين يثقون بالتصنيفات التي تصدرها هذه الوكالات. وينطبق الشيء ذاته على المنتجات المالية المركبة التي يتم تصنيفها من قِبل هذه الوكالات.

ـ في حال أرادت أي وكالة تصنيف أن تكون مهنية وصارمة في تقييمها لديون زبائنها أو منتجاتهم المالية، فإن ذلك سيدفع بها بكل بساطة إلى خسارتهم، حيث أنهم سيفضلون وكالات أخرى أقل صرامة.

ـ اقترح بعض الاقتصاديين أن يتم تصنيف الديون والمنتجات المالية بطلب من المستثمرين بدلا من المقترضين الذين ليس من مصلحتهم دائما أن تكون التصنيفات موضوعية، وسيتم بذلك ربط مصلحة وكالات التصنيف بمصالح المستثمرين.

أزمة الرهن العقاري

ـ عام 2007: تعرضت وكالات التصنيف الائتماني لجملة من الانتقادات بعد أزمة الرهن العقاري في الولايات المتحدة والأزمة المالية العالمية التي أعقبتها في 2008.

ـ تحدث بعض المتتبعين عن مسؤوليتها المباشرة في تفاقم هذه الأزمة بسبب تضليلها للمستثمرين عبر منح درجات عالية (AAA) لمنتجات مالية ذات جودة رديئة ونسبة مخاطرة عالية.

ـ أدت هذه التصنيفات إلى كسب ثقة المستثمرين، أفرادا ومؤسسات (بنوكا، صناديق استثمارية، صناديق التقاعد)، في هذه المنتجات وجذبهم إليها مع أن نسبة المخاطرة بالاستثمار فيها كانت عالية.

ـ سمح الإقبال على تلك المنتجات بتوزيع مزيد من الرهون العقارية الرديئة على أشخاص لا يتوفرون على ملاءة ائتمانية جيدة، ذلك لأن البنوك كانت تعلم أنها لن تضطر إلى تحمل مخاطر هذه القروض طويلا ويكفي تحويلها إلى سندات وبيعها في الأسواق المالية للتخلص منها.

ـ أسهم كل هذا في خلق فقاعة عقارية ما لبثت أن انتهى بها المطاف إلى الانفجار في صيف 2007 حيث تكاثر عدد العاجزين عن السداد. ثم تحول الأمر إلى أزمة مالية مع ظهور حقيقة الأصول التي اشتراها المستثمرون من قبل إلى العلن وتهافتهم على بيعها، مما أدى إلى انهيار أسعارها في الأسواق وإفلاس العديد من المؤسسات المالية في الولايات المتحدة وخارجها.

ـ أشار التقرير الذي أعدته لجنة تقصي حقائق بمجلس الشيوخ الأميركي برئاسة السيناتور الديمقراطي كارل ليفين، وتم نشره في 22 أبريل/نيسان 2010، إلى مسؤولية وكالات التصنيف الائتماني في الأزمة، كما صرح هذا التقرير بأن جودة التصنيفات الائتمانية تأثرت بسعي هذه الوكالات وراء المزيد من الأرباح وتطلعها إلى تعزيز حصصها من السوق.

ـ ارتفعت عدة أصوات في الصين منتقدة أداء وكالات التصنيف الائتماني الأميركية ومتهمة إياها بمسؤوليتها في تفاقم الأزمة المالية، فقد قال وان جيانزونغ، رئيس الوكالة الصينية للتصنيف الائتماني “داغونغ” -على صفحات جريدة فايننشال تايمز في 22 يوليو/تموز 2010- إن وكالات التصنيف الأميركية “لم تحذر الأسواق بشأن المخاطر بشكل صحيح، ودفعت بذلك المنظومة المالية الأميركية برمتها إلى حافة الانهيار”.

ـ ذهب وان بعيدا في اتهاماته، حيث قال إن “وكالات التصنيف الغربية مُسيسة وواقعة تحت تأثير الأيديولوجيا بشكل كبير، وإنها لا تعتمد معايير موضوعية”.

ـ شعرت السلطات السياسية في بكين بالامتعاض من هيمنة وكالات التصنيف الغربية على السوق العالمية للتصنيف الائتماني، وتوظيفها لأغراض سياسية بعيدا عن الموضوعية المطلوبة في عملها، فدفعت بالوكالة الصينية المتخصصة في هذا المجال والتي تحمل اسم “داغونغ العالمية للتصنيف الائتماني” (أُنشئت سنة 1994) إلى احتلال مكانة كبرى في سوق التصنيف، وخصوصا تصنيف الديون السيادية، ومنافسة مثيلاتها الغربية.

مزيد من القوانين

ـ شغلت وكالات التصنيف الائتماني حيزا ضمن اهتمامات مجموعة الـ20 وقممها التي انعقدت بعد الأزمة المالية العالمية، وركزت على ضرورة سن المزيد من القوانين من أجل ضبط عمل هذه الوكالات وتشديد الرقابة عليها.

ـ تبنى البرلمان الأوروبي في هذا الإطار قانونا في 23 أبريل/نيسان 2009 (نشر في الجريدة الرسمية للاتحاد الأوروبي في 16 سبتمبر/أيلول 2009)، يفرض العديد من الالتزامات على الوكالات الراغبة في أن يتم اعتماد تصنيفاتها داخل دول الاتحاد.

ـ شدد هذا القانون على ضرورة استقلالية وكالات التصنيف الائتماني عن المؤسسات التي تلجأ إلى خدماتها من أجل ضمان موضوعية التصنيفات وحمايتها من أي تضارب للمصالح (البند السادس)، كما أشارت بنود أخرى من القانون نفسه إلى جملة التزامات:

ـ البند السابع: مسؤولية وكالات التصنيف في السهر على توظيف الأطر والمحللين الذين لديهم المؤهلات والخبرات الضرورية لممارسة مهامهم على أحسن وجه، وعدم جواز مشاركة المحللين في المفاوضات التجارية مع الجهات الطالبة للتصنيف.

ـ البند الثامن: التزام وكالات التصنيف بالشفافية في ما يتعلق بالطرق والنماذج وأهم الفرضيات التي اعتمدتها في إصدار تصنيفاتها.

ـ البند الـ12: ضرورة نشر تقرير سنوي حول الشفافية، يتضمن معلومات مفصلة عن وكالة التصنيف والمساهمين في رأسمالها، ووصفا لآليات الرقابة الداخلية المعتمَدة من أجل ضمان جودة التصنيفات، وإحصائيات حول نشاط الوكالة، ووصفا لسياسة الأَرْشَفَة، ومعلومات مالية بخصوص توزيع رقم المبيعات بحسب طبيعة المداخيل، بالإضافة إلى معلومات أخرى.

ـ البند الـ15: إلزامية التسجيل لدى اللجنة الأوروبية لتقنين أسواق القيم المنقولة قبل ممارسة وكالات التصنيف لعملها.

ـ 13 مايو/أيار 2010: تبنى الكونغرس الأميركي من جهته تعديلا يعيد مساءلة مبدأ عدم مسؤولية وكالات التصنيف إزاء التصنيفات الصادرة عنها باعتبارها آراء، مما يُفترض أنه سيؤدي إلى شعورها بالمسؤولية خوفا من العواقب القانونية.

ـ جل هذه الإجراءات تبقى غير كافية في أعين الكثير من المختصين الذين دعوا إلى إنشاء وكالات حكومية للتصنيف الائتماني، أو على الأقل جعل العلاقة بين الوكالات والجهات التي تطلب التصنيف علاقة غير مباشرة، بحيث تتوسط الهيئات الرقابية للأسواق المالية بين الطرفين.

المصدر: وكالات + الجزيرة نت

Share.

صحفية عراقية من اربيل خريجة وزارة الاعلام في اربيل سنة 2004

Comments are closed.