ذهب البعض لإسقاط شخصية يوسف في الرواية على الكاتب الراحل محمد حسنين هيكل، ويتردد أن هيكل غضب على غانم. وذكر الناقد شعبان يوسف، في تصريحات صحفية سابقة، أن فتحي غانم تعرض لمضايقات كثيرة قيل إن وراءها هيكل.

القاهرة- عدّ نقاد ومثقفون رواية “الرجل الذي فقد ظله”، هي الأبرز والأشهر في مسيرة الروائي والصحفي الراحل فتحي غانم، المولود في 24 مارس/آذار من عام 1924، وجاءت الرواية الفريدة بأسلوب الأصوات المتعددة الجديد وقتها.

ويضع نقاد وقراء للروايات فتحي غانم على رأس أهم الروائيين العرب في القرن الـ20، بل ويذهب بعضهم لجعله في مكانة لا تقل عن أديب نوبل نجيب محفوظ.

اعتمد الكاتب الراحل في روايته الصادرة عام 1961 على تقنية السرد بالأصوات المتعددة للحدث الواحد، إذ بنى روايته على 4 أصوات يحكي كل منها من وجهة نظره الحدث نفسه عن الأشخاص ذاتهم، ولهذا سميت بالرباعية.

المفتتح هو صوت مبروكة الخادمة، التي تتزوج والد بطل الرواية الصحفي يوسف السيوفي، ومخدومها الذي تتزوجه هو المعلم البسيط المنتمي للطبقة المتوسطة في عهد الملكية، فتنجب له ولداً، يصير عقدة ليوسف السيوفي، الذي تكرهه مبروكة لنذالته معها ومع أخيه، بعد أن يطردها يوسف مع ابنها من شقته عقب وفاة الوالد، لكنها تتوجه للنضال من أجل منع سقوط ضحايا جدد مثلها، بدوره يكرهها يوسف ويكره أخاه منها.

ويوسف هو بطل الحكاية لدى 3 شخصيات تحلقت حوله هم مبروكة الخادمة وسامية الحبيبة ومحمد ناجي اليد التي امتدت إليه لتصعد به، إلا أننا لا نسمع صوت يوسف بروايته عن نفسه إلا في الختام، يأتي صوته دونما دفاع عن نفسه، وكأنما هو اعتراف مكمل لشهادات الشهود الثلاثة.

ثاني الشخصيات التي تحكي هي سامية، وتروي كيف استغلها يوسف ثم طردها من حياته، ثم يحكي محمد ناجي كيف ساعد يوسف في تسلق درج الصعود المهني بعد أن تملقه باعتباره أستاذه، قبل أن يدوس على رأسه في النهاية.

هكذا يبدو يوسف في حكايات الرواة الثلاثة: يحطم في مسيرة صعوده كل المبادئ والأعراف الإنسانية، محاولاً التعلق بطبقة أعلى، عبر المصاهرة والزواج بالفتاة الأرستقراطية سعاد، تلميذة والده المعلم البسيط، التي ترفضه.

شخصيات متناقضة

حينما يعلو صوت يوسف بحكايته في الختام، لا ينكر هذا الانحطاط الذي سقط فيه، بل يبرز سمات وضيعة فيمن كانوا حوله، وأن منهم من لا يقل عنه في سلوكه الرامي للصعود بأي ثمن، فهذه سامية الحسناء التي تحاول أن تشق طريقها في عالم الفن والشهرة بأي طريقة، وتساعد يوسف ثم يتخلى عنها حينما لا تصير ذات قيمة بالنسبة إليه، وكذلك يفعل مع أستاذه محمد ناجي.

بالمقابل تصير الخادمة ـأرملة أبيه- مناضلة، على درب صديقه شوقي، الثوري المنحاز للطبقة المتوسطة المكافحة، المفتخر بانتمائه، محاولاً -عكس يوسف- أن تحصل الطبقات الدنيا على حقوقها بعدالة في وطن عادل.

رواية “الرجل الذي فقد ظله” للأديب المصري الراحل فتحي غانم (الجزيرة)

هكذا تتولد المقارنة بين شخصيات متناقضة في مراميها ومساعيها، يتوزع الخير والشر بعدالة حول يوسف، الذي يسعى للإيقاع بزملائه الذين يقفون في طريق صعوده عبر الإبلاغ عنهم وعن انتماءاتهم السياسية لدى أجهزة الأمن، يصعد يوسف أكثر، يترقى ويسافر، ويعتقد أنه صار كفؤاً لسعاد هذه المرة، فيتقدم لها، تلفظه، يهوي يوسف من عل، ويفقد ما اكتسبه، بقيام حركة الجيش وانهيار الملكية.

تشيع في الرواية أجواء الفترة التي عاشتها مصر منتصف القرن الماضي وما قبلها وما تلاها، لا يخفى هنا البعد الطبقي البارز، فرغم أن والد يوسف معلم لأبناء طبقة أرستقراطية يحاول يوسف الالتحاق بها، إلا أن أبناء هذه الطبقة ظلوا يلفظون ابن معلمهم رافضين انتسابه إليهم بالمصاهرة، هنا العلم ليس معيارا للترقي، بل المال فحسب.

غانم ومحفوظ

وقال الناقد أحمد كريم بلال إن كل شخصية بالرواية معنية بما يمس ذاتها، وإن كان البطل يوسف السويفي هو محور الروايات الأربع؛ غير أن الأحداث كثيرا ما تتماس وتتداخل ويعاد روايتها بشكل جديد مختلف، تبعا لوجهة نظر الشخصية الجديدة التي تروي الحدث.

وتابع في حديثه للجزيرة نت “أحسب أن القيمة الفنية لهذا السرد التكراري تكمن في نقاط التماس؛ فمن التوتر الماتع أن يُقرأ الحدث الواحد من خلال عدة زوايا، وأن تتحول الأحداث التي كانت حقائق في رأي القارئ إلى أكاذيب بعد حين، فعلى سبيل المثال نرى شخصية ما في إطار الطيبة والسذاجة ضمن سردية راويها، ثم يتبين لنا في سردية جديدة أن هذه السذاجة التي استطاعت الشخصية إقناعنا بها لم تك إلا قناعا زائفا”.

وأشار بلال -الحائز على جائزة كتارا في النقد الأدبي- إلى أن ما يجعل القارئ في حالة من حالات التوتر، في إطار هذا اللون السردي، هي مسألة اختبار التوقعات، فالسرد الأول يترك نهايته مفتوحة، أو يترك بعض الفجوات الدلالية التي يسارع القارئ بتخمين دلالاتها المفقودة، ثم يفاجأ في السردية التالية بما قد يوافق توقعاته أو يخالفها.

وعدّ الناقد بلال الأديب فتحي غانم قمة أدبية كبيرة لا تقل بحال من الأحوال عن نجيب محفوظ، وإن لم يكن قد نال حظ محفوظ من الشهرة.

وتحولت الرواية إلى فيلم يحمل الاسم نفسه عام 1968 من بطولة ماجدة وكمال الشناوي، ومن إخراج كمال الشيخ.

غانم وبطل روايته

ولا تخرج فكرة الرواية عن الهم العام الذي يلاحظه النقاد في روايات غانم، وهو تحرّر الفرد، غير أن البعض ذهب لإسقاط شخصية يوسف في الرواية على الكاتب الراحل محمد حسنين هيكل، ويتردد في هذا الصدد أن هيكل غضب على غانم، وأرسل يعاتبه عن طريق وسيط، بحسب ما جاء في حوار صحفي سابق مع زوجته السيدة زبيدة عطا، وذكر الناقد شعبان يوسف، في تصريحات صحفية سابقة أن فتحي غانم تعرض لمضايقات كثيرة قيل إن وراءها هيكل.

ولجأ نجيب محفوظ إلى هذا الأسلوب الجديد -سرد الأصوات المتعددة- في روايتيه “ميرامار” و”العائش في الحقيقة”، غير أن نقاداً رأوا أن غانم فاق محفوظ في هذا المضمار.

لم تكن روايته الرباعية الوحيدة التي تناول فيها شخصيات انتهازية وصولية من الوسط الصحفي، بل تناولها كذلك في روايته “زينب والعرش”، أما شخصية المثقف السياسي الانتهازي عموما، فبرزت في روايته “تلك الأيام”، ليسلط الضوء على ما يحدث في وطنه وقتها، محاولًا الكشف عن الذين سقطوا أمام أهوائهم الشخصية وسيطرة خيانة مبادئهم وظروف بلدهم.

تخرّج غانم في كلية الحقوق بجامعة القاهرة عام 1944 ثم اختار الكتابة مهنةً له، وكانت “الجبل” في بدايتها تحقيقا صحفيا، تحول إلى رواية، حينما بدأ بالعمل في عدد من المجلّات والصحف مثل روز اليوسف، وصباح الخير، والجمهورية، ثم تولى رئاسة تحرير هذه الإصدارات، ومكنه التقلب في هذه المواقع الاقتراب من مراكز صنع القرار، مما منحه فهما أعمق لطبيعة التحوّلات الاجتماعية والاقتصادية.

تروى زوجته أنه كان شخصية هادئة غير اجتماعية بالمرة، قليل الاختلاط بالآخرين، باستثناء عدد من الأصدقاء هم الصحفي الشهير محمود أمين العالم والمؤرخ والضابط أحمد حمروش والفنان آدم حنين والصحفي صلاح حافظ، في حين كانت هوايته الأثيرة لعب الشطرنج.

وأطلق اسم غانم المتوفى عام 1999 على الدورة العاشرة لملتقى الرواية العربية عام 2015.

المصدر: وكالات + الجزيرة نت

Share.

صحفية عراقية من اربيل خريجة وزارة الاعلام في اربيل سنة 2004

Comments are closed.